أقلام حرّة

الرقـمنة … وأصحاب الياقات البيضاء

 

بقلم : فتحى ندا “خبير اقتصادي ومحلل مالي ”

هل يكفينا معرفة أن أحد مواقع نشر المحتوى على الإنترنت مثل ” اليوتيوب ” واعتبارا من مايو 2019 هناك اكثر من 500 ساعة من المحتوى يتم تحميلها على هذا الموقع كل دقيقة , وأن أكثر من مليار ساعة من المحتوى تتم مشاهدتها على اليوتيوب يوميا, كى ندرك ضخامة التغييرات المذهلة والمرعبة التى تحدث من حولنا.
وفى ظل ما يحدث حولنا من تسارع تكنولوجي رقمي وذكاء اصطناعي وقدرات هائلة تتعاظم يوميا على تخزين أحجام هائلة من البيانات والمعلومات وكذا القدرة على تحليلها والحصول على إرشادات وتوصيات تساهم بشكل كبير فى اتخاذ القرارات الآنية والاستراتيجية,
وفى ظل إتاحة هذا الكم الهائل من البيانات والمعلومات ومطالبة دول ومنظمات عديدة بأن تتسع دائرة إتاحة البيانات كى تحوى أكبر قدر من البيانات يتعاظم كمه وكيفة يوميا وتيسير الوصول اليها والإستفادة منها لكافة فئات سكان كوكب الأرض تحت مظلة عقد إجتماعى يكفل حقوق وفائدة جميع الأطراف فى البلد الواحد,
فى ظل كل هذا يجب علينا إعادة النظر فى ماهية وآلية الوظائف الإدارية التى تَشَكَلَ حولها رأى عام وإستقر عليها أغلب الممارسين منذ أواخر العقد الثانى من القرن الماضي وهى: التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة.
التخطيط:
وجب التحول فى التخطيط الاستراتيجي من أسلوب وضع السيناريوهات والتوقعات الى الإعتماد على الكم الهائل من التجارب العملية والنماذج المتاحة على الإنترنت, ومن تجميع البيانات والمعلومات الى تحليلها واكتشاف الأنماط التى تستدعى الإهتمام, مع ضرورة التحول من الزام المستويات الإدارية الأدنى بالخطط الموضوعة الى تمكين جميع الموظفين من إتخاذ إجراءات آنية فى ضوء النتائج والمستجدات على أرض الواقع.

التنظيم:
بدلا من الهياكل التنظيمية الجامدة صاحبة التكليفات والمهام المحددة لكل موظف ورسم علاقته بمحيطه من الزملاء والمدراء, وفى ظل تعدد وتنوع المهام وارتباطها وتشابكها وضرورة السرعة فى الإنجاز أصبح من الفاعل إعادة النظر فى تقسيم العمل والتنظيم بالشكل السائد لإعطاء الموظف حرية التعامل والتعاون بدلا من إهدار الوقت والجهد فى انتظار التعليمات وتوقيعات الرؤساء وما الى ذلك. توقع الباحثون فى هذا المجال أنه خلال السنوات القليلة القادمة سيدخل الموظف الجديد الى محل عمله وفى يومه الأول سيُطلب منه متابعة شاشة خاصة يشهد من خلالها كيف تغير الهيكل التنظيمى خلال الشهور القليلة الماضية وما كان من أثر لهذا التغيير على سير ومتطلبات العمل, وأين هى الأعمال التى يمكن أن يساعد بها فى ضوء مؤهلاته وخبراته.
التوجيه:
يأتي التوجيه بأدواته المعهودة فى تحسين التواصل مع الموظفين بمختلف درجاتهم لضمان الحراك بالإتجاه الصحيح لوضع نتاج التخطيط والتنظيم موضع التنفيذ, التوجيه تطور من الورقى الى الإلكترونى والإجتماعات أصبحت بنظام الفيديو كونفرنس, أساليب تقييم الأداء الحالية لم تعد مناسبة حيث تفضل الكوادر المؤهلة والعمالة الماهرة فى عصرنا الحالي الحصول على التقييم فى العمل على فترات متقاربة او بشكل فورى.
بناءا على الطفرة الهائلة والمتوقعة فى التكنولوجية الرقمية وتطبيقاتها طـُرحَت قضية الإستغناء عن بعض المهن البسيطة , بل ذهب البعض الى أبعد من ذلك وطرح امكانية الإستغناء عن الوظائف الإدارية المتوسطة والعليا أو ما يعرفون بأصحاب الياقات البيضاء.
* ولكى نوجز يمكننا القول أن الذكاء الصناعى مؤهل كى يَحِل محل وظائف بالقيادة الوسطى وبعض مهام القيادة العليا, وعليه فإن القادة التنفيذين مطالبون بالتركيز على المهارات الإبتكارية والإجتماعية بدلا من المهام الحالية التى ستكون أحد المهام اليسير على الذكاء الصناعى القيام بها.
الرقابة:
المهمة الرئيسية للرقابة هى التحقق من أن المؤسسة تقوم بتنفيذ الخطط الموضوعة بالدقة وبالنظام المعتمد, ولها فى ذلك من الأدوات الكثير وأهمها مقارنة المخطط بالمحقق ومن ثم إتخاذ الإجراءات والتدابير التى من شأنها تصحيح الخطأ وكذا تلافى حدوثه مستقبلا.
وبما أن الوظائف الإدارية الأخرى هى عُرضة للتطوير بما يواكب متطلبات العصر فإن جميع أنواع الرقابة المؤسسية التقليدية هى عرضة كذلك للتغيير والتحديث. فمع النقص المُتزايد فى أعداد الكوادر والكفاءات والعمالة الماهرة وزيادة الطلب عالميا على تلك الفئة, أصبح التقييم السنوي أداة ليست عملية, وأصبح البديل هو التقييم المستمر وعلى فترات قصيرة, والعديد من المؤسسات أصبحت تلجأ الى المتابعة غير الرسمية بين المدير والموظف وعلى فترات متقاربة بدلا من التقييم السنوى والنصف سنوى, يشمل التغيير المرجو إعتماد أسلوب التحليل الآنى لكميات كبيرة من البيانات والتعامل معها, فالقائد صاحب الرؤية والطموح لن ينتظر حتى نهاية العام ليرى نتيجة أداء المؤسسة, حيث أنه فى ظل السرعة الهائلة لعجلة الأداء فى كثير من القطاعات يعتبر هذا الإنتظار موت وظيفي إختياري و قرارا بخروج المؤسسة من دائرة المنافسة.

ختاما نتساءل عن مدى توافق وظائف الإدارة مع مفردات ومتطلبات العصر الذى نعيشه؟ ومع فرضية شرعية السؤال ومنطقية الإجابة, أليس حريا بالقائمين على علوم الإدارة تحديث مفاهيم وظائف وأساليب وأدوات الإدارة كى تبقى علوم الإدارة محرك فاعل فى إبتكار حلول المشاكل وتعظيم نجاحات قطاعات الأعمال والدفع بها الى مستويات أرقى من الإبتكار والتطبيق الأمثل للتكنولوجيا الحديثة.
وهل آن لنا نحن ” الفئة المتوسطة والفئة الكادحة ” أن نستوعب ونقدر حتمية مساعي الدولة الحالية ونساهم معها ولو بالإستجابة لنداءاتها بضرورة الإنضمام الى الإقتصاد الرسمى وتطبيق الشمول المالى والرقمنة والتحول الرقمى والحوكمة والوعى بكافة فروعه (من الوعى الأسرى والتربوى …. الى ….. الوعى القومى), وأن نقرأ المشهد قراءة نقية ونرى الصورة بعين الباحث عن الحقيقة, لنخرج بنتيجة ما إذا كانت الدولة تسابق الزمن وتصارع قوى الشر فى الداخل والخارج كى تلحق بركب العصر الرقمى وتكون رقما من أرقامه المؤثرة علميا وصحيا واقتصاديا وإجتماعيا و سياسيا وعسكريا على المستوى الإقليمي والدولي, أم غير ذلك !؟.
وعياً أهل مصر فإن الجَهلَ لا يَـشْفَـع.
’’’’’’’’’’’’’’’’’

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق