اقتصاد وبنوكالمميزة

منطقة التجارة الحرة الإفريقية بين العولمة الإقتصادية ومشروعات النقل والتنمية المستدامة

بقلم الأستاذةالدكتورة: مني صبحي نور الدين

الخبيرة فى مجال النقل الدولى واللوجيستيات

فى ضوء النظام العالمى الجديد للتجارة الدولية وما أفرزته العولمة من تكتلات اقتصادية بداية من الاتفاقيات التجارية والأسواق الجمركية والتكتلات الاقتصادية الإقليمية وانتهاء بأعلى صور التكامل الاقتصادي وهو الاتحاد الجمركى الموحد ونظرا لانتشار صور التكتلات الاقتصادية على مستوى العالم مثل منظمات الآبيك والآسيان والاتحاد الأوروبى والنافتا والتكتلات الاقتصادية الإفريقية مثل الكوميسا والاكواس والساداك ….. إلخ..


وفى ظل رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي الذى ترجع بدايته إلى منظمة الوحدة الإفريقية التى تم إنشاؤها عام ١٩٦٣ وتحولها إلى الاتحاد الإفريقي فى توجو ٢٠٠٢ بشكل رسمى والذى يضم فى عضويته ٥٥ دولة بعد إنضمام دولة جنوب السودان فى ٢٠١١ وعودة دولة المغرب عام ٢٠١٧ .
ونظرا للثروات الكثيرة التى تتمتع بها إفريقيا بريا وبحريا واهتمامات أجندة الاتحاد الإفريقى ٢٠٦٣ للتنمية المستدامة نحو النهوض بالقارة الإفريقية ومشروعات التنمية الصناعية ومجابهة التحديات التى تواجهها كان لا بد من الاهتمام بإنشاء منطقة تجارة حرة إفريقية تعمل على تيسير حركة التجارة البينية لدول القارة وتكون مرحلة تدريجية نحو السوق المشتركة الإفريقية والاتحاد الجمركى الإفريقى وتطبيق التعريفة الجمركية الموحدة أى أن الاتفاقية هى البداية وهدفها تحقيق التكامل الاقتصادى .
واتفاقية التجارة الحرة الإفريقية عبارة عن اتفاق لتسهيل حركة التجارة البينية وتضم منطقة التجارةالحرة كافة دول الاتحاد الإفريقى وتهدف إلى إزالة كافة القيود غير الجمركية أمام حركة التجارة وبذا فهى تعد أغنى المناطق فى الظهير السكانى حيث تضم أكثر من مليار نسمة ، كما أن حجم التجارة يزيد عن ٣ تريليون دولار .

وتهدف إلى تعزيز حجم التجارة البينية بين دول القارة وتعزيز القدرة التنافسية للصناعة فى إفريقيا من خلال الإلغاء التدريجى للضرائب الجمركية لتصل إلى ٩٠ % خلال خمس سنوات .
وشملت الإتفاقية ثلاث بروتوكولات تشكل الإطار الرئيسى للإتفاقية وهى بروتوكول لتجارة السلع وآخر للتجارة فى الخدمات وثالث إطار تشريعى لتسوية المنازعات بهدف الإلغاء التدريجي للجمارك .
كما تم إطلاق قواعد المنشأ الخاصة بالتجارة و تفعيل المرصد الإفريقى للتجارة وإطلاق نظام المدفوعات للتخليص الرقمى .
وكانت بداية المفاوضات بشأن الإتفاقية فى اجتماع قمة الاتحاد الإفريقى فى الفترة من ٢٣ _ ٢٧ يناير ٢٠١٢ بأديس أبابا عاصمة إثيوبيا بعنوان تعزيز التجارة البينية وأهمية الاتجاه نحو التكامل الإقليمى والاتحاد الجمركى .
وبعد ذلك تم الإعلان عن الإتفاقية فى مؤتمر شرم الشيخ ٢٠١٥ تحت مسمي منطقة التجارة الحرة الإفريقية القارية ودمج التكتلات الإقتصادية الإفريقية الثلاث الكوميسا والايكواس والساداك فى الشرق والغرب والجنوب ليتم اتحادهم مكونين ٥١ دولة أى أكبر من الاتحاد الأوروبى الذى يضم ٢٧ دولة ، وبعد ذلك بدأت توافق الدول الإفريقية على التوقيع مبدئيا على الإتفاقية .
وفى خلال اجتماع القمة الإفريقية الاستثنائية فى كيجالى عاصمة رواندا ٨ _ ٩ مارس ٢٠١٩ تم اعتماد الإتفاقية القانونية التى تشكل منطقة التجارة الحرة الإفريقية ، بينما لم يبدأ سريان الإتفاقية فعليا إلا بعد تصديق ٢٢ دولة عليها ، وكانت مصر هى الدولة رقم ١٨ التى وقعت بالتصديق على الإتفاقية ، وفى ١٣ مايو ٢٠١٩ حددت غانا وثائق التصديق على الإتفاقية .
وفى ٣٠ مايو ٢٠١٩ تم الإعلان عن بدء التنفيذ الفعلى لإتفاقية التجارة الحرة الإفريقية .
وكانت آخر الاجتماعات منذ أيام فى ٧ يوليو ٢٠١٩ حيث أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي بدء سريان الإتفاقية بين الدول الإفريقية خلال القمة الإفريقية الاستثنائية فى نيامى عاصمة النيجر بعد استكمال نصاب الدول التى تم تصديقها على الإتفاقية .
وليكون الاحتفال بيوم ٧ يوليو يوم التكامل الإفريقى الذى وصفه البعض بالحلم الإفريقى أو اللحظة التاريخية أو نقطة الانطلاق حيث تم تصديق ٢٧ دولة من دول الاتحاد الإفريقى على الإتفاقية .
وهذا يعد أكبر حدث على مستوى إفريقيا تم استكماله فى ظل رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي ولا يؤثر فقط على إفريقيا إنما قد يؤثر على سياسات الإستثمار الأجنبى فى إفريقيا من قبل دول كثيرة وعلى رأسها الصين ويعمل على جذب الاستثمارات العالمية فى قطاع الصناعة والطاقة والنقل البحرى والتجارة الخارجية وزيادة حجم التجارة البينية وبزيادة إنضمام دول الاتحاد الافريقى فى التصديق على الإتفاقية سيعمل على وجود أكبر مناطق التجارة الحرة ووجود أكبر تكتل اقتصادى ينافس التكتلات العالمية من حيث عدد السكان وأكبر سوق استهلاكى والناتج المحلى وسيكون لمصر دور كبير فى جذب الاستثمارات الأجنبية ورؤوس الأموال والخبرات والتقنيات الأوروبية والصينية لتنفيذ المشروعات .
وتتطلب الإتفاقية آليات تنفيذ على كافة المستويات وفى صورة خطط سنوية والعديد من دراسات الجدوى وضرورة التأهل لتقديم الاستشارات القانونية فى مجال النقل العابر والنقل متعدد الوسائط بين الدول لأنه لا تفعيل لحركة التجارة البينية دون النظر إلى مشروعات النقل البرى عبر مد الطرق وخطوط السكك الحديدية وكذلك وجود خطوط ملاحية إفريقية منافسة للخطوط العالمية وخلق قيمة مضافة لكثير من المشروعات والموانئ البحرية ومحطات الحاويات والمراكز اللوجستية الساحلية والداخلية والموانئ الجافة والموانئ البرية وضرورة وجود التشريعات التى تحكم عملية النقل العابر بين الدول وفقا لقواعد اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار ١٩٨٢ والتى دخلت حيز التنفيذ فى ١٩٩٤ حيث توجد ١٦ دولة حبيسة فى إفريقيا بعد انفصال جنوب السودان وتلك الدول هى إثيوبيا وجنوب السودان ورواندا وبوروندى وأوغندا ومالى وتشاد والنيجر وليسوتو وزامبيا وزيمبابوى وأفريقيا الوسطى و سوازيلاند وبتسوانا بوركينا فاسو ومالاوى حيث تضمن تلك الاتفاقية حق الدول الحبيسة فى تمرير تجارتها الخارجية عبر دول العبور والدول الساحلية إلى البحار والمحيطات .
كما تسهم الإتفاقية فى القضاء على كثير من المشكلات التى تعانى منها القارة وخاصة الهجرة والنزوح من مناطق عديدة بسبب الفقر .
مما سبق يتضح أهمية الإتفاقية فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة ومنها القضاء على الفقر والجوع من خلال انخفاض تكلفة نقل السلع بين الدول وإلغاء القيود الجمركية وكذلك خلق مدن آمنة وتحقيق الرفاهية لدى كثير من الدول وضمان الاستهلاك المستدام وأنماط الإنتاج وضمان الحصول على الطاقة وخلق شراكات استراتيجية وشركات عابرة وشركات متعددة الجنسيات وأهمية الإستثمار فى الإقتصاد الأزرق الذى يخص الموارد المائية كل ذلك سيلقى بظلاله على إعادة الأهمية المحورية والمركزية للقارة الإفريقية كأحد سلاسل الإمداد والتجارة الإلكترونية واللوجستيات على طريق التجارة العالمية .

كاتبة المقال…

أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والنقل بجامعة الأزهر والخبيرة فى مجال النقل الدولى و اللوجيستيات والمهتمة بالشأن الإفريقى..

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق