أقلام حرّة

الإرسال والإستقبال … و حياة الإنسان

بقلم: فتحي ندا

إذا تأمل الإنسان تعاملاته وتصرفاته في جميع مناحي حياته مع أخيه الإنسان وكان تأمله تأملا علميا الى حد ما سيكتشف الإنسان أنه يُشبه نقطة اليكترونية تفاعليه ضمن منظومة تكنولوجية رقمية، تلك المنظومة الرقمية هي من صنع الإنسان “مما وهبه الخالق” ولا تعمل الا إذا كان هو ذاته جزء ومكون أصيل فيها يقود ويتحكم ويبدع ويصمم ويرسل ويستقبل.

الأم والطفل، المعلم والتلميذ، الأستاذ والطالب، الأب وولده، الزملاء، الجيران، الأصدقاء، الأزواج، الشركاء، المُنتِج والمستهلك، البائع والمشتري، المتحدث والمستمع، الكاتب والقارئ، المُخرِج والمُشاهِد، كل من على البسيطة هو نقطة إرسال واستقبال ضمن منظومة الحياة التي أصبحت توصف بأنها الحياة الرقمية حيث أصبحت السلع والخدمات يتم إنتاجها بمعدات وروبوتات وبرامج تشغيل رقمية ويتم تقديمها وإرسالها واستلامها بوسائل ووسائط ومنصات رقمية.

تلك المنظومة القادرة وبشكل تلقائي وشفاف على إظهار نتيجة أي عيب أو خلل في أي من نقاطها رغم كثرتها، فإذا لم تُحسِنْ الأم تدليل وتربية طفلها لنشأ طفل غير صالح وكلنا رأى وسمع، عندما تختل العلاقة بين المُنتِج والمُستهلِك، البائع والمشتري حين لا يقوم الصانع والبائع بواجبه في أبحاث السوق وأذواق ورغبات المستهلكين ودراسة قدراتهم الشرائية واحتياجات العصر من سلع وخدمات تواكب تطوره سوف تضطرب الأسواق وقد تنهار الصناعة ويتضرر الاقتصاد.

تلك أمثلة لنقاط تفاعل في منظومة الحياة قد يبدو للحظة أن الإرسال والإستقبال فيها ليس مباشرا وقد يتأخر رد فعل المستقبل أو تأثير الرسالة عليه وكذا إدراك المرسل لتقصيره أو خطأه وبالطبع لا يكون التأثير السلبي في الحياة سريعا ومباشرا وربما يمكن تدارك الخطأ قبل تفاقم أزمة طالما كانت باقي نقاط التفاعل تعمل بشكل جيد.

لكن توجد في حياة الإنسان نقاط تفاعل على قدر عالي جدا من الأهمية والتأثير والخطورة، فالخلل بها يكون سببا فى هدم الإنسان وقاتلا للوعي الفردي والجمعي ومن ثم ضياع الشعوب وسقوط الأوطان، من تلك النقاط نشير الى اثنتين:

الأولى -عندما تختل العلاقة بين الطالب والمُعلِم والأُسرة والمسؤولين عن التعليم ويصبح المبدأ في تلك العلاقة السامية هو المال مقابل التعليم ومعيار النجاح والتفوق هو تحصيل أعلى الدرجات بغض النظر عن وسيلة الحصول على تلك الدرجات سواء كان بالحفظ دون فهم أو بالغش الفردي أو الغش الجماعي فبالتأكيد ستنهار العملية التعليمية خاصة في مراحلها الأساسية وتنهار منظومة الأخلاق ويموت الضمير، والبناء على أساس مُختل بعد ذلك يكون بالتأكيد زيادة في الخلل ومزيد من الانهيارات، فيموت المريض لأن الطبيب نجح بالغش، وتنهار المباني لأن المهندس نجح بالغش، ويفسد المسؤول لأنه نجح بالغش، وتفشل الأسرة لأن الأب والأم نجحوا بالغش وينهار الوطن لأن أغلب أبناؤه نجحوا بالغش، فالتعليم الأساسي من الحضانة الى الثانوية هو أساس بناء الإنسان ومن ثم الأمم والحضارات.

 

الثانية -المُتَحدِث والمُستَمِع، الكاتب والقارئ، المٌخرِج والمُشاهِد، تلك نقاط يكون المُرسِلُ فيها هو الطرف والاعب الأهم والأسرع تأثيرا (المتحدث – الكاتب – المخرج)، هنا تتجلى حتمية الدقة والجودة والحرص في اختيار المُرسِلُ، فالمتحدث يجب أن يتمتع بالعلم والخبرة وبالقبول والكاريزما وإتقان استخدام نبرات وطبقات الصوت والقدرة على التفاعل مع مستمعيه وأن يكون مُدرِكاً لتنوع ثقافاتهم ومستويات تعليمهم واللغة التعبيرية الأنسب على توصيل المعلومة لعقول وقلوب مستمعيه، فضلا على إختيار الرسالة المراد إيصالها، وتوقيت إرسالها، يسبق كل ذلك الدعاية والتشويق والحشد والإعداد لإعادة البث حتى تصل الرسالة الى أكبر عدد من المستهدفين.

كذلك بالنسبة للكاتب والمخرج، تتجلى حتمية الدقة والحرص في إختيار الموضوع ومواكبته للأحداث والحقائق والكلمة والعبارات واللهجة والأمثال والحِكَمْ والمشاهد التي يسوقها ويصورها بقلمه سواء في مقالاته الصحفية أو كتاباته الروائية أو أعماله الدرامية أو المسرحية، أيضا فريق العمل بقيادة المخرج الذي يُجسِد بعض تلك الكتابات على خشبة المسرح أو شاشة السينما والتليفزيون عليهم مراعاة الدقة والأمانة فى نقل وتجسيد النص المكتوب والرسالة المرجوة منه كما أرادها الكاتب ومراعاة خصوصيات المجتمع الذي يبثون رسائلهم فيه.

إذا أحْسَنا الإرسَال سَعِدنا بثمار الإستقبال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق