أسرار وحكاياتالمميزة

حاصد الأرواح 9

لغز الرقم 13

 

 

بقلم.. د أسماء كارم

كالمعتاد يومياً .. أو كما أصبح معتاد .. هب طارق من نومه فزعاً بسبب كابوس رآه .. لم يكن مندهشاً ولا خائف.. كما لم يتلفت حوله ليرى من يضع يديه على كتفه أو يتنفس خلف رأسه بنفس ساخن يثير فيه الرعب .. بل كان مستسلماً بغير طبيعته لكل ما رآه .. ربما بات لأنه بات يعلم الآن أنه يرى عالم أخرمكتمل الأركان في حلمه .. رغم أن الحلم يبدو واقعياً جداً … اتكأ على سريره وأشعل سيجاره .. مازال الوقت مبكراً على موعد نزوله للعمل .. ثم طرأت في باله فكرة … لماذا لا يذهب لهذا المكان .. ذلك الشارع الذي كان ينقبض من السير فيه يومياً… ربما يرى ذلك الغريب .. الرجل الذي زار منزله يوماً ليقضي حياته رهن لعنة غير مفهومة .

تلفت طارق حوله .. المدرسة باتت مهجورة الآن .. سنتين فقط من الهجر جعلاها تبدوا وكأنها قصر للأشباح .. حقيقة لم تكن تلك المدرسة سوى قصر قديم .. أخذ بوضع اليد ثم ظهر له وريث .. وها هو هذا القصر الآن .. مهجور خاوي يزيد الشارع رهبة وغموض… نزل طارق من سيارته مترجلاً نحو نهاية الشارع .. الأشجار باتت متوحشة تكسو المكان حتى منعت ضوء الشمس من الوصول لأي زائر هنا .. وقف فجأة حينما شعر بشخص ما خلفه … ثم التفت فجأة ليجد هذا الذي لم ينطق أمامه يوماً بشئ سوى … 13 …. ظل ثابتاً في مكانه محدقاً في عيني ذلك الرجل .. من الوهلة الأولى حينما تنظر في عينيه تعلم أنه عاقل .. هذا الرجل ليس كما توقع حين كان تلميذا بالمدرسة .. فعينيه ثابتتين .. خطوته واثقة .. قدماه ثابتتان .. لا يبدو عليه أي من ملامح الجنون .. سوى شعره الغير منمق وذقنه المشعثة المتناثرة حول وجهه في همجية واضحة .. لحظات من الصمت  قاطعها هذا الغريب :

  • كنت عارف انك هاتيجي في يوم … بس استنيتك كتير .
  • عارف اني جاي ايه بس .. اذا كنت انا نفسي ماكنتش عارف اني جاي .
  • قالي انك جاي .. من زمان .. كل يوم كنت بحذرك .. وكنت بتجري مني .. بس هو قالي انك جاي.
  • هو مين ظ
  • 13 …. 13..
  • ايوة انا ساكن في شقة 13 .. في عمارة 13 .. بس مش شارع 13

ضحك الرجل ضحكة متبادلة مع ضحكة طارق العالية ثم قال :

  • 13 مش رقم شقتك ..ولا رقم العمارة .. 13 مش رقم اصلا .. وطول مانت مش عارف معنى حاجة .. انت في خطر منها .
  • هو انت اسمك ايه
  • الأسامي مش دليل على حاجة .
  • جدي كلمني عنك… قالي انك كده من ساعة ما جيت بيتنا في يوم وخدت الحاجة و

قاطعه الغريب قائلاً:

  • البيت مش بيت .. والحاجة مش حاجة .. والرقم مش رقم .. والمكتوب مش قاصد حد .. لكن الملعون بيسلم لعنته من ايد لإيد.. 13 ..
  • أنا مش فاهم حاجة ..
  • هاتفهم كل حاجة .. بس ركز في كل حاجة .. اسمع وماتتكلمش .. اسأل وماتجاوبش.. ماتثقش في حد .. واعرف ان مفيش حاجة أصلها زي شكلها .. حاول .. وهاتوصل … واوعى تخاف .. لحظة خوفك .. هي لحظة موتك… وماتنساش .. 13 …. 13 .. 13

قالها الرجل وهو يمشي تاركاً طارق خلفه متعجباً من حديثه .. حقيقة .. بل .. متعجباً من هذه الكلمات الغريبة التي لم يفهم منها شئ على الإطلاق .. ثم نر في ساعته وذهب لسيارته ليتجه لعمله .

 

  • مجدي صباح الخير .
  • أهلاااااااااا.. الحمد لله على سلامتك يا طارق .. ايه يا دكترة البرد عامل ايه معاك؟
  • الحمد لله بقيت أحسن .
  • طيب الحمد لله .. كويس انك جيت .. ركز بقى في الشغل .. وخد أول مفاجأة .. دكتور علي بيسأل عليك وعاوزك تروحله فوراً أول ما توصل .
  • طيب تمام .. هاقوم اروحله .. ربنا يستر .

توجه طارق لمكتب الدكتور علي ليجد الباب ينفتح أمامه قبل أن يطرقه حتى .. فرجع خطوة لللخلف بشكل لا ارادي .. ليجد سارة أمامه تخرج من الغرفة قائلة :

  • الحمد لله على سلامتك … أشوفك لما تخلص مقابلتك.

لم ينطق طارق بكلمة .. إلا أنه صمت للحات ليفكر في هذه الفتاة .. هل هي حقيقة أم أنها روح من الأرواح الهائمة هنا ؟.. ثم قرر نفض التفكير أساساً ليدخل مكتب دكتور علي .

  • صباح الخير يا دكتور .. بلغوني ان حضرتك عاوزني ضروري.
  • صباح الخير يا بطل .. عاوزك طبعاً … الورق اللي سيبتهولي أكتر من رائع .. واضح انك هاتخلص رسالة الماجستير دي في وقت قليل جداً .. التناول لحالة بشرى هايل .. والتحليل لكلامها منطقي وعلمي سليم .. الصراحة بفكر أنفسن عليك … يعني أنا نفسي بقالي 40 سنة في الشغلانة دي ومجاش في بالي ابداً التناول من الجوانب دي خالص .. كمل .. وعاوز اشوف النتايج قريب جداً .

كان طارق مطبق الصمت .. يستمع فقط .. فهو مدرك تماماً بأنه لم يفعل أي شئ.. لم يتناول ولم يحلل ولم يكتب ولم يترك أي شئ.. إلا أنه لمح خطة يملأ الورق على مكتب مشرفه ورئيسه الدكتور علي .. والآن لا يستطيع سوى قول كلمتين :

  • حاضر يا دكتور .. ومتشكر أوي لرأي حضرتك… بعد إذنك.

اتجه طارق لغرفته وهو غير مدرك لكل ما يحدث اليوم … حتى طرأت على باله فكرة … بشرى .. لماذا لم يذهب ويبحث عندها على بداية الخيط…. فلقد بدأ كل شئ عندها .

  • صباح الخير يا ست بشرى .
  • صباح النور .. يا دكتور طارق .
  • عاملة ايه النهاردة ؟
  • زي بكرة .. وزي امبارح.. بس حالي أحسن من حالك .
  • اشمعنى بقى؟
  • علشان اللي بيموت مش زي اللي بيبشر بالموت .
  • موت؟
  • عاوز تسأل على ايه المرة دي يا دكتور ؟
  • هو احنا اخر مرة اتكلمنا فيها مع بعض كانت امتى؟
  • تقصد المرة اللي كنت فيها هنا وانت هنا .. ولا اللي كنت فيها هنا وانت مش هنا ؟
  • يعني ايه ابقى هنا  و مش هنا ؟ …فزورة دي ؟
  • تسمع عن الناس اللي بيزوروا اماكن وهما في مكانهم ؟
  • الحقيقة لأ.. أو سمعت بس مش مقتنع.
  • هايجي يوم وتقتنع .. لما تسيب المنطق والعقل وتفكر بعقلك وانت شايف بقلبك.. ساعتها هاتفهم .. وهاتختار .
  • انتي قصدك اني من ..

قاطعته بشرى سريعاً:

  • ابعد عن المراية .. اطلع برة .. سارة مش هاينفع تيجي هنا .. اسمع بس .. ماتتكلمش .. 13 مش مجرد رقم .. 13 يعني

انتفض طارق اثر استقرار يد على كتفه ليجد خلفه عطية التمرجي يخبره بأن دكتور مجدي يريده في الحال .

….. يتبع ……

 

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. روايتي منشورة عن دار اطلس بنفس الإسم بمعرض الكتاب 2018
    اتمنى تغيير اسم الرواية
    شكرا لكم
    عمرو ممدوح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق