ثقافة وقراءة

الحلم الصغير

 

كانت عندما تخرج مع زوجها تمر أمام محل لبيع الحلوى والجيلاتي في طريق الخروج والعودة وترى الزحام من السيدات والرجال والأطفال ونظرة الانتصار من عيني الرجال وهم يعودون لزوجاتهم وأطفالهم بقطع الحلوى والجيلاتى الشهية وأنه بطل فقد حصل عليها قبل الآخرين ….وكلما طلبت من زوجها شراء الجيلاتى لها يقول لها اذهبي إلى البيت وأنا سوف آتيك بها ..كرهت هذه الكلمة هي لا تريد أن تأكل الحلوى لمجرد أنها تريدها هي تريد أن تأكلها بالشارع مثل كل النساء وتضحك مع زوجها وتسقطها عليها كانت تريد أن تعيش لحظات من الطفولة معه.
المهم أن تخرج من روتين حياتها اليومي تستقل عن الوقار والاحترام الذي فرضته على نفسها، وهي كل ما تتمناه أن تسير بجواره ومعهما أبناءهما وتمسك بيده وتأكل قطعة الجيلاتى ..أهذا حلم كبير على التحقيق!!ولكنه أبدًا لم يلبي لها هذا الطلب أو يحقق لها هذا الحلم الصغير.
خمسة وعشرون عامًا هي عمر زواجهما وعمر هذا الحلم الذي لم تستطع يومًا أن تحققه ..خمسة وعشرون عامًا وهذه أمنيتها المستحيلة التحقيق وكانت تتعجب منه في أحيان كثيرة عندما يشترى الجيلاتى لأطفالهما ويأكل هو وأطفاله وهم يسيرون بالشارع وتتبقى قطعتها لتأكلها بالبيت..أنت لا يصح أن تأكلي بالشارع .أنت لست طفلة!! كانت تتعجب من رده ولكنها أبدًا لم تراجعه لمعرفتها السابقة بأنه سينفعل وهي لا تريد أن تضايقه ..فهي لا تحتمل غضبه الغير مبرر إلا لمجرد أنها غير راضية عما يقول.
كل هذه الذكريات مرت عليها وهي تنظر من شرفة المنزل التي تطل على بائع الجيلاتى ..ولم تكن تعلم أن هذه الأمنية التي نسيتها مازالت تداعبها وأبدًا لم تخرج من حيز الأمنيات والأحلام وكانت كثيرًا ما تنظر إلى الأطفال والنساء وتترقب معهم لحظة وصول الأب بالحلوى والجيلاتى منتصرًا في وسط الزحام وتضحك من ردود أفعالهم وتسعد لسعادتهم ويعود الحلم يراودها من جديد تساءلت لماذا لم تتمرد يومًا وتنزل تشترى هي لنفسها ما تريد وتأكله أينما تريد وتضحك وتسعد كما تريد لماذا أنكرت على نفسها تحقيق هذا الحلم؟؟
قامت وأغلقت الشرفة وارتدت ملابسها فاليوم آخر أيام الحداد ولم يعد أحد يأتي للعزاء وكل انشغل فيما يخصه من الأمور حتى أولادها لم يعد معها سوى حفيدها وحفيدتها الصغار لم يرضوا أن يتركوها وحيدة بعد أن تركها أبناءها ..ألبستهم ملابسهم وكانت فرحتهم شديدة بأنهم سيخرجون للنزهة مع جدتهم التي يتعلقون بها أكثر من أمهم وأبيهم وامتدت الفرحة من الأحفاد إليها ولم تشعر بسعادة تغمرها مثل هذه اللحظة فقط لأنها اتخذت القرار ..لم يعد مفروضا عليها شيء سوف تتصرف من تلقاء نفسها ولن يملى عليها أحد أوامره ولن تكون مأمورة بعد اليوم..أخذت الطفلين من يديهما أمسكت بهما وكأنها تتشبث بما تبقى لها من أمل في الحياة وذهبت بهما إلى بائع الجيلاتى وطلبت ثلاث قطع، قطعتين للحفيد والحفيدة والقطعة الأخرى لها وتوقفت أمام إحدى نوافذ المعروضات أمامها وأخذت تلعق الجيلاتى كما يفعل أحفادها وتنظر إلى انعكاس صورتها في زجاج النافذة وتضحك ويعلو صوتها ويضحك الأحفاد في سعادة بالغة وأنهت ما تأكله وأخذت تداعب أحفادها وظلوا يضحكون حتى طلبوا العودة إلى المنزل…
ارتمت على فراشها وهي تتذكر ما فعلته ودعت لزوجها أن يسامحه الله فكل هذه السعادة كان سيعيشها معها مجرد أن يحقق لها هذا الحلم الصغير…….

تمت

من كتاب أبليس لا يدخل الجنة

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق