أقلام حرّة

خارج الصندوق

 

 

بقلم :يحي سلامة

 

 

لم يجانبني الصواب إذا أقررت أن عملية طوفان الأقصي التي انطلقت يوم 7 أكتوبر 2023 وتداعياتها المستمرة حتي اليوم كانت ومازالت خارج كل التوقعات سواء العسكرية أو الدبلوماسية أو الإنسانية ليس علي مستوي إسرائيل وغزة فقط بل علي المستوي الإقليمي والدولي معا.

وهذا الأمر لا يحتاج للشرح والإطالة فهو واضح لكل متابع للأحداث والأخبار المتواترة من الجانبين.

ولكن ما إستوقفني هو ذلك الود المتبادل بين الأسري الإسرائيلين المحررين وبين عناصر كتائب القسام أثناء عمليات التبادل بين الجانبين وظهر علي الشاشات نساء وأطفال إسرائيليون يلوحون بأيديهم لعناصر القسام وكأنهم كانوا في زيارة عائلية وليس في أسر إستمر لمدة 50 يوما.

بالتأكيد هذه المشاعر والحركات العفوية هي مشاعر صادقة غاية الصدق وليست من قبيل المشاعر المصطنعة والدبلوماسية التي تخفي من المشاعر عكس ماتظهر.

إننا أمام حالة جديدة تماما لم يعرفها تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي منذ عام 1948.

إننا أمام حالة معايشة كاملة وتامة بين السجين والسجان بلغة الإختطاف والأسر.

هذه المعايشة الكاملة بالتأكيد تقاسموا فيها لحظات الخوف والرعب جراء القصف العنيف الذي كاد أن يطولهم ويودي بحياتهم وهم يتشاركون الطعام والشراب والنوم معا في زنزانة واحدة جمعتهم لمدة 50 يوم.

بالتأكيد كانت هناك أوقات للحديث والفضفضة والدردشةو للمرح والضحك أيضا.

هذه اللحظات وهذه المعايشة الطويلة عن قرب جعلت السجين يثق في السجان ويطمئن إليه ويستمع إليه ويفهم منه الحقيقة كاملة دون مواربة ولا تصنع.

هذه النظرات والإشارات التي شاهدناها جميعا علي الشاشات إنما تلخص القضية ببساطة أن مافعلته حماس من إختطاف الرهائن والتحفظ عليهم لم يكن سببا للإرهاب بل كان نتيجة لإرهاب دولة إسرائيل وإحتلالها للأراضي الفلسطينية وأن (إرهاب حماس بين قوسين) هو نتيجة وليس سبب.

وقد فهم المختطفون هذه البديهة السياسية وأن كتائب القسام هي كتائب مقاومة مشروعة لها الحق في الكفاح المسلح لتحرير أرضها وأنها رغم طبيعتها العسكرية الصارمة إلا أن للحركة وجه إنساني وأخلاقي ظهر في التعامل مع الأسري الذين تحتجزهم.

لقد عرف الأسري أن حكومتهم المتطرفة والمتغطرسة هي التي تسببت في أسرهم وأنها في كل قصف همجي كان من الممكن أن تستهدف أماكن إحتجازهم ولم تكن حريصة علي إبقاءهم علي قيد الحياة فضلا عن إعادتهم بمئات الغارات الجوية وإلقاء أطنان من القنابل والمتفجرات علي المدنيين والمستشفيات والمدارس والمساجد وأن تلك الحكومة المتغطرسة الإرهابية لم تستطع تحرير أسير واحد بقوتها العسكرية ومساندة الأسطول الأمريكي وأسلحته وجنوده.

بينما كانت عناصر القسام تشاركهم الأسر والخوف من المجهول وكانت حريصة علي حياتهم بقدر المستطاع والأهم أنهم سيشاركونهم الموت في أي لحظة في أقرب قصف صاروخي أو مدفعي.

وهنا جوهر القضية فشتان بين من يتركك تواجه مصيرك وحدك ولا يبالي بحياتك أو مماتك فأنت في الأخير مجرد إسم ورقم في السجلات الرسمية يتم المتاجرة والمخاطرة به في أن واحد من حكومته التي تدعي الحرص علي حياة مواطنيها وبين من يشاركك المصير نفسه ولا يتخلي عنك للحظة حتي لو كانت هذه اللحظة فارقة بالنسبة له بين الحياة والموت ولسان حاله يقول (نعيش معا أو نموت معا)

كان بإمكان حماس أن تقتل أسراها المدنيين (نساء وعجائز وأطفال) وتكتفي بما لديها من عدد الأسري العسكريين فهي تعلم جيدا من سابق خبرتها من صفقة الجندي (جلعاد شاليط) أن صفقة العسكريين أربح كثيرا من صفقة المدنيين.

كان بإمكان الخاطفين أن يتركوا الأسري وحدهم في أماكن إختطافهم يواجهون مصيرهم

كان بإمكان حماس أن تقتل أطفال الأسري كما قتل العدو ألاف الأطفال الفلسطينيين وتدعي أنهم ماتوا نتيجة القصف الهمجي العشوائي لطائرات العدو ولكنها لم تفعل ولا أظنها ستفعل ذلك في المستقبل فحماس كسبت ماهو أهم من المعركة العسكرية

كسبت معركة القلوب التي تعلقت بعناصرها وتبادلت معهم نظرات الود والمحبة والتحايا بل والأكثر من ذلك الرسالة التي كتبتها إحدي المحررات(فور عودتها) في اليوم الأول للهدنة والتي تفيض بعبارات الود والمحبة والامتنان لعناصر وقادة القسام الذين تعاملوا معها ومع إبنتها بكل مودة ولطف وكأنهم أحباب واقارب

إن هذه الرسالة وغيرها هي قنبلة إنسانية ستنفجر قريبا داخل إسرائيل في وجه هذه الحكومة الطائشة المتغطرسة لتقصيها من المشهد السياسي ويقيني أن الأمر سيتطور لظهور أصوات مدنية داخل المجتمع الإسرائيلي تطالب حكوماتها بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية وإنهاء الإحتلال وربما نشهد في القريب مظاهرات داخل اسرائيل مساندة لحقوق الشعب الفلسطيني

وهذا ليس حلما ورديا بقدر ماكان قراءة في وجه الأسري المحررين وهم يتبادلون التحية مع عناصر القسام وقراءة مابين السطور في رسالة المرأة المحررة لعناصر القسام وقيادات حماس والدعاء لهم

وإن غدا لناظره قريب

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق