ثقافة وقراءة
“هَلْ لِى بِقَبَسٍ مِن الحُبِّ يُدْفِئُنِي

“هَلْ لِى بِقَبَسٍ مِن الحُبِّ يُدْفِئُنِي”
بقلم : ملك ياسر
صَبَاحٌ شَتَوِيٌّ آخَرْ، سَقِيعٌ أَلْبَسَ السَّمَاءَ كِسَاءً قُطْنِيًّا لِأَيَّام، أَلَمْ يُخْبِرْهَا أَحَدٌ أَنَّ القُطْنَ لَا يُدْفِئْ وَ اَنَّ كُلَّ مَا تَحْتَاجُه هَو مُصَالَحَةٌ صَغِيرَة لِشَمْسِهَا الغَائِبْ‘ أَرْضٌ إِغْتَسَلَتْ مِنْ دُمُوعِ فِرَاقٍ قَاسٍ، طُيُورٌ اِسْتَلَاذُوا بِشُقُوقِ الجُدْرَانِ عَلَّهَا تَقِيهِمْ شَرَّ رِيحِ حُزْنٍ عَاصِفٍ، بَشَرٌ آَثَرُوا الجُلُوسَ فِي مَنَازِلِهِمْ تُدْفِئُهُمْ مَشَاعِرُ مَنْ حَوْلِهِمْ عَلَى الخُرُوجِ فِي مِثْلِ طَقْس.
كَانَ الطَرِيقُ فَارِغًا مِنْ كُلِّ شَيءٍ سِوَاه، شَبَحٌ أَقْرَبُ مِنْهُ لِبَشَرٍ، كُتْلَةٌ مِنْ الحُزْنِ تَسِيرُ عَلَى قَدَمَيْن مُهْتَدِيَةً إِلَى غَيْرِ هُدَى، مَيْتٌ أَقْرَبُ مِنْهُ لِحَيٍ مُكَفَّنٌ بِبَعْضِ الثِّيَابِ البَالِيَة، لَا أَظُنُّهَا تَقِيهِ هَكَذَا بَرْد، لَا أَخَالُهُ يُحِسُّ هَذَا البَرْد، فِرَاقٌ دَامَ بِضْعَ أَيَّامٍ أَلْزَمَ كُلَّ حَيٍّ مَلَاذَه، فَمَا بَالُكَ بِفِرَاقٍ دَامَ سِنِين؟ أَمَا كَانَ حَرِيًّا بِهِ الهَلَاك؟ مَنْ قَالَ لَكَ أَنَّهُ حَيْ؟ لَقَدْ هَلِكَ مُنْذُ زَمَن: يَوْمَ فَارَقَتْه، يَوْمَ إِعْتَزَمَت الرَحِيل وَ لَمْ يَتَشَبَّثْ بِهَا لَمْ يَبْك لَمْ يَتَوَسَّل المَغْفِرَة فَقَطْ صَمَتْ، آَثَر أَنْ يَحْظَ بِعُقُوبَتِهِ كَامِلَةً، مَا كَانَ يَدْرِي أَنَّ العُقُوبَةَ سَتَكُونُ أَبَدِيَّةً، إِعْتَزَلَ البَشَرْ وَ إِعْتَزَلَ نَفْسَه، فَمَا عَادَ يَرَاهُ أَحَدْ وَ لَا يَسْمَعُ بِهِ أَحَدْ، هَجَرَ بَيْتَه أَوْ مَا كَانَ بَيْتًا بِهَا، تَجَمَّدَتْ رَوْحُهُ مِنْ سَقِيعِ فِرَاقِهَا، بَاتَ لَا يَظْهَرُ إِلَّا فِي مِثْلِ هَكَذَا أَوْقَات -تِلْكَ المُشَابِهَة لِوَقْتِ رَحِيلِهَا- يَجُوبُ الأَنْحَاءَ بَحْثَاً عَنْ جُذْوَةِ حُبٍ بَقِيَتْ مِنْهَا عَلَّهُ يَذُوقُ الدِفْءَ وَ لَوْ لِوَهْلَةٍ فَلَا يَجِدْ، يَتَرَنَّحُ عَائِدًا أَدْرَاجَهُ إِلى حَيْثُ يَخْفَى طِيلَةَ العَامِ رُفْقَةَ سَقِيعِهِ الخَاص وَ تَشِيعُ أَنْبَاءٌ عَنْ صُلْحٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ شَمْسِهَا.