طلع البدر
لماذا الهجرة النبوية

بقلم..أم سيف العامري
الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين والصّلاةُ والسّلامُ على سيّدِ الأوّلين والآخِرين قائدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ إمامِ الأتْقياءِ العارِفينَ المُجاهِدين، سيّدِنا وقائِدِنا وحبيبِنا ونورِ أبْصارِنا وقُرّةِ أعْيُنِنا محمّد النبيِّ العربيِّ الأميِّ الأمين العالِي القدرِ العظيمِ الجاهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومَنْ والاه.
أمّا بعدُ لمْ تكُنْ هِجرةُ النبيِّ طلبًا للرّاحةِ ولا هَربًا منَ المُشرِكينَ ولا تَخَلِّيًا عنِ الدّعوةِ إلى اللهِ، ولكنْ تَنْفِيذًا لِأمرِ اللهِ تعالى.
فهوَ عليه الصّلاةُ والسّلامُ القائل (( ما لي وللدّنيا ومالِ الدّنيا ولي إنّما أنا كرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تحتَ شجرةٍ ثمَّ راحَ وتَرَكَها ))
وهو القائلُ لِعَمِّهِ أبي طالبٍ (( واللهِ يا عَمّ لوْ وضَعوا الشّمسَ في يَميني والقمرَ في يَساري على أنْ أتْرُكَ هذا الأمرَ ما تَرَكْتُهُ حتّى يُظْهِرَهُ اللهُ سبْحانَهُ أوْ أهْلِكَ دونَهُ )).
لمْ تكُنْ هِجْرَتُهُ صلّى اللهُ عليه وسلّم جُبْنًا أوْ فِرارًا بلْ كانت انْتِقالًا مِنْ دارٍ صَعُبَ فيها نشْرُ الدّعوةِ إلى دارٍ وُضِعَ فيها أساسُ الدّولةِ الإسلاميّةِ العظيمةِ، فتألّفَتْ قلوبُ الأوْسِ والخَزْرَجِ وتآخَى المُهاجرونَ معَ الأنصارِ فصارتِ الهجرةُ فُرقانًا بينَ الحقِّ والباطلِ وكثُرَ المؤمنونَ بعدَ قِلّةٍ واجْتَمعوا بعدَ شَتات.
إنَّ علينا يا أحبابَنا أنْ نَعْتَبِرَ بِمعانِي الهِجرة ونَأخُذَ منها الدروسَ والعِظات.
ففي الهجرةِ مُفارَقةٌ للوطنِ والأهلِ والدّيارِ والأموالِ وفي هذا ثباتُ المؤمنِ على عقيدةِ الحقِّ وصبرٌ وعزْمٌ وتَضْحيةٌ جعلَ اللهُ فيها الثّوابَ الجَزيلَ.
والرّسولُ صلّى اللهُ عليه وسلّم يقول (( إنّما الأعمالُ بالنّياتِ وإنّما لِكُلِّ امرئٍ ما نَوى فَمنْ كانتْ هِجرَتُهُ إلى اللهِ ورسولِهِ فهِجرَتُهُ إلى اللهِ ورسولِه ومَنْ كانتْ هِجرَتُهُ لِدُنيا يُصيبُها أو امرأةٍ يَتزَوَّجُها فَهِجرَتُهُ إلى ما هاجرَ إليه )).
هجرَتُكَ يا سيِّدي يا رسولَ اللهِ درسٌ يُسَطِّرُهُ التاريخُ شمسًا مُنِيرةً تُرْشِدُ وتَهدِي وعِبَرًا وحِكَمًا تَدُلُّ وتُسَدِّدُ. هجرةٌ بِأمرِ اللهِ لِنَشرِ الخيرِ الذي أعْطاكَهُ اللهُ، فسِرْتَ يا سيِّدي يا رسولَ اللهِ في رَكْبِ العَزيمةِ وحَمَلْتَ لِواءَ الدّينِ وتآخَى النّاسُ تحتَ رايةِ الحبِّ في اللهِ، مُهاجرينَ وأنْصارًا ولمْ تُفَرِّقْهُمُ الدّنيا بلْ جَمَعَتْهُمُ الآخرة وكلُّهمْ رجاءَ أنْ يَلْقَوْكَ يا حبيبي فيها ويُحْشَروا تحتَ لِوائِكَ ويَشرَبوا مِنْ حوْضِكَ وتكونَ أنْتَ إمامَهُمْ فيها كما كُنْتَ إمامَهُمْ في حياةٍ خرجوا منها مؤمنينَ مُوَحِّدين.
ما أحْوَجَنا في ذكْرى الهجرةِ النّبويّةِ الكريمةِ أنْ نَقْتَدِيَ برسولِنا صلّى اللهُ عليه وسلّم ونُوَحِّدَ صفوفَنا ونُضاعِفَ جُهودَنا ونَجْمَعَ كَلِمَتَنا لِمُواجهةِ المَخاطرِ والتّحَدّياتِ.
ما أحْوَجَنا أنْ نَسْعى نحوَ الخيرِ وأنْ نكونَ مُتَعاوِنينَ في وجهِ مَنْ يُريدُ الشرَّ والفِتْنةَ.
لِـكُـلِّ قَـلْـبٍ حَـبِيـبٌ يُسْتَهـاَمُ بِـهِ
لَٰكِنَّ حَبِيـبِي رَسُولَ الله اَحْتَسِبُ