أسرار وحكايات

سر صداقة السادات بمصطفى محمود

 

 

هقابل ربنا بإيه!!!؟؟؟

ابتعد مصطفى محمود عن مجال الطب الذى كان يهواه، فكان اذا سمع مريضا يصرخ لآلام بقدمه،يشعر بنفس الآلام ،وتفرغ للكتابة ، وبدأت معاركه الفكرية مع الازهر الشريف الذى صادر كتابه « الله والإنسان» ،وكان ثمرة التفكير فى الانسان وأسئلة الكون، حيث طرح د. مصطفى محمود وراء ظهره كل الموروث الدينى ،واكتشف بعدها ان ما تعلمه فى كلية الطب غير قادرعلى تفسير روح الانسان ،الذى يثور ويغضب ثم يصبح فى النهاية جثة هامدة، ليتأكد له أن المنهج العلمى قادر على دراسة البيئة لكن الانسان ظاهرة غيبية لا يفسرها العلم.

أما كتاب» القرآن .. محاولة لفهم عصرى» فمنع تداوله هو الاخر الازهر، واحتج المشايخ وهاجمته بنت الشاطئ فى ٣٠٠ مقال ، ثم تناول الماركسية فى ٥ كتب، وكان آخرها « سقوط اليسار» ،وبعدها سقطت الشيوعية فعلا، واستمر مصطفى محمود فى كتاباته العميقة، بين حوار مع صديقى الملحد، ورجل تحت الصفر والإسلام فى خندق، الغد المشتعل ،وتأملات فى دنيا الله،والذين ضحكوا الى حد البكاء،وعالم الأسرار، وغيرها من الكتب، فضلا عن عدد من المسرحيات منها الزعيم غوما ،وجهنم الصغرى،و الشيطان يسكن فى قلبنا، وغيرها ، فضلا عن مئات المقالات فى عدد من الصحف وآخرها جريدة الاهرام، وقد أثارت مقالاته عن اسرائيل عددا من المشكلات ،حتى أن د. أسامة الباز مدير مكتب الرئيس الأسبق حسنى مبارك أرسل للاستاذ إبراهيم نافع رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير الاهرام وقتها خطابا رسميا يطالب فيه بلفت نظر د. مصطفى محمود إلى مقالاته التى تمس إسرائيل واليهود عموما ،لكن الكاتب الكبير واصل نقده اللاذع لليهود، وكان يأتى إلى الاهرام اسبوعيا بنفسه ليسلم مقاله ،وبالطبع مكانته كانت تتطلب ارسال من يتسلم المقال منه،لكنه ظل على عهده بالاهرام..وظل العالم الكبير يصارع تلك الازمات ويقهرها ،ونالت روايته «رجل تحت الصفر» جائزة الدولة لعام 1970.

صداقته للسادات

يعتبر الكثيرون أن عصر الرئيس الراحل محمد أنور السادات كان عصر الدكتور مصطفى محمود بامتياز،حيث شعر بانفراجة حقيقية وطاقة من الحرية فتحت له، حتى ان السادات كان يأمر بنشر كل مقالاته ومسرحياته ،مما أسعد رجل العلم والايمان،الذى أصبح صديقا شخصيا للسادات منذ أن كان نائبا لرئيس الجمهورية وتوطدت العلاقة بينهما ،لكن الهاجس الذى كان يؤرق مصطفى محمود هو القرب من السلطة،وحاول أن يبتعد،لكن السادات كان يسعى للوصول لعقلية العالم الكبير.

وفى مساء احد الايام «الخميس»اتصل به السادات وقال له»ماذا لو صلينا غدا الجمعة معا»،ورحب طبعا،وفى العاشرة من صباح اليوم التالى وجد مصطفى محمود سيارة الرئيس الخاصة واستقلها، متوقعا ان يقابل الرئيس فى قصره،لكنه فوجئ بالسيارة تشق طريقها الى بلدة السادات «ميت أبو الكوم» بالمنوفية وصلى معه الجمعة ،ثم تناولا الغداء وتبادلا أطراف الحديث عن الجماعات الاسلامية ،وانبهر السادات برأى مصطفى محمود .

ويقول العالم الكبير فى مذكراته»ومن هذا اليوم وهناك قانون صدر فيما بيننا أن نتقابل صباح أحد الجمع من كل شهر ،السيارة السوداء التى تخص الرجل الاول فى مصر تأخذنى فى الموعد ،لاصلى معه ونأخذ يومنا معا،يسألنى فى شئ وأرد عليه..لا أحب كثيرا أن أتدخل فى سياساته ،ولكنى ألقى عليه بعض الاستفسارات التى تلح على،مثل وضع مصر قبل الحرب وبعدها،وغيرها «.

وعرض السادات عليه عددا من المناصب لكنه اعتذر وقال له» أنا فشلت في إدارة أصغر مؤسسة وهي الأسرة.. فكيف بى أدير وزارة كاملة..!!؟؟ وفضل الاستمرار فى حياته العلمية والفكرية،وحزن على مصرعه وقال «كيف لمسلمين أن يقتلوا رجلاً رد مظالم كثيرة وأتى بالنصر وساعد الجماعات الإسلامية ومع ذلك قتلوه بأيديهم.».

وفى جعبة الدكتور مصطفى محمود الكثير والكثير من الحكايات عن رحلته من الشك الى اليقين والرؤية التى غيرت مجرى حياته وجعلته يسافر الى لندن بحثا عن تفسير منطقى لها..وعن آراه فى الحياة والحب والموت وحواراته مع الملحدين والماركسيين ..و…..و….والسنوات الاخيرة فى عمره التى ابتعد فيها عن الدنيا، معتكفا فى حجرة صغيرة فوق مسجده بالمهندسين….ليتركنا إلى الحياة الآخرة.

حقا ..إن قيمة الانسان الحقيقية هى ما يضيفه إلى الحياة بين ميلاده وموته،وتلك الكلمات تمثل مشوار الدكتور مصطفى محمود الإنساني،والعلمى والادبى والفكرى… رحمك الله..وجعل سيرتك العطرة نبراسا هاديا للذين يجمعون المال وينفقونه على كل شئ ما عدا الخير .. وليسأل كل منا نفسه «هاقابل ربنا بإيه.. بكتابات مسفة أم مسلسلات فاضحة أو اعلانات خارجة،أو حتى شوية أجوان ولوكميات «.. وليختار كل منا طريقه إلى الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق