أقلام حرّة

الأونروا).. شاهد جديد على العصر

 

——————————-

** بقلم: عبدالناصر سلامة

————————————

وقاحة الغرب بلا حدود، هذه هي الحقيقة، العنصرية الأمريكية لم تتراجع أبداً، الاستعمار يطل برأسه من بريطانيا وإيطاليا، إلى ألمانيا وفرنسا، وحتى استراليا وفنلندا، وهولندا وسويسرا، وكندا والسويد، ثم أخيراً اليابان ورومانيا، هذا ما كشف عنه قطاع غزة طوال الشهور الأربعة الماضية، ربما كانت القضية الفلسطينية كاشفة على مدى 75 عاماً، إلا أن أحداث قطاع غزة وحدها كفيلة بإثبات ذلك، القتل على مدار الساعة، لا فرق في ذلك بين رجل وامرأة، شيخ وطفل، الدمار لا يتوقف، من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، الإجرام غير مسبوق، بدءاً من قصف المستشفيات، مروراً بالمدارس، وحتى مخيمات الإيواء.

الجديد هو العلانية في الوقاحة، وعلى الهواء مباشرةً، الكيان الصهيوني يتحدث عن عودة الاستيطان والاحتلال إلى القطاع، الولايات المتحدة ترفض الوقف النهائي للقتال، بريطانيا تتحدث عن ضرورة مغادرة قادة حماس للقطاع، محكمة العدل الدولية تشير إلى أهمية تخفيض عدد القتلى ليس أكثر، كل دول الغرب شغلهم الشاغل 140 أسير إسرائيلي، ولا حديث من أي نوع عن ما يزيد على 12 ألف أسير فلسطيني مختطفون من داخل بيوتهم، من بينهم أكثر من ستة آلاف تم اعتقالهم من الضفة الغربية منذ تاريخ السابع من أكتوبر وحتى الآن.

بلغت الوقاحة منتهاها في موقف الغرب بقيادة الولايات المتحدة، من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة (الأونروا)، وهي الوكالة المسئولة منذ ما بعد النكبة عام 1948، عن إطعام وعلاج ومأوى وتعليم نحو ستة ملايين لاجئ فلسطيني، في كل من الضفة وغزة، ولبنان، وسوريا، والأردن، من بينهم 1،8 مليوناً في غزة وحدها، تجمع الوكالة سنوياً من دول العالم نحو 1،2 مليار دولار لهذا الغرض، وهو ما لا يكفي الحد الأدنى لهؤلاء وأولئك، إلا أنه الواقع، وليس في الإمكان أفضل مما كان.

وكالة (الأونروا) استطاعت خلال الشهور الأربعة الماضية، توثيق الجرائم الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني، سواء في غزة أو الضفة الغربية، وهو ما أثار هلع سلطة الاحتلال التي بادرت بالطعن في الوكالة، على اعتبار أن 12 شخصاً من العاملين بها (عددهم أكثر من 13 ألفاً) ينتمون لحركات المقاومة!، ثم رفعت العدد بعد ذلك إلى 190 متهماً، وبدون أية تحقيقات أو تحريات بادرت الوكالة بفصل 9 من هؤلاء تعسفياً بالطبع، إلا أن دول الغرب، نزولاً على طلب سلطات الاحتلال، بادرت الواحدة تلو الأخرى بالإعلان عن الانسحاب من دعم الوكالة، حتى بلغ عدد الدول المنسحبة، 12 دولة بخلاف الولايات المتحدة، تمثل مساهماتها جميعاً أكثر من 90% من حجم ميزانية الوكالة السنوية!!

الغريب في الأمر، هو أن الولايات المتحدة، ما لبثت أن أعلنت قرارها بالانسحاب، حتى توالت انسحابات الدول سالفة الذكر كالقطيع، فيما يشير إلى أننا أمام عصابات صهيونية من نوع آخر، أهدافها واضحة للعيان، بدءاً من تجويع الشعب الفلسطيني، مروراً بإجباره على الرحيل عن الأرض، وحتى إبادته كما هو ثابت من التقارير الدولية، خصوصاً تقارير (الأونروا) التي وثقت عمليات قصف النازحين داخل مخيمات الإيواء التي أعدتها لهذا الغرض، بل وداخل مدارس الوكالة التي لجأ إليها الأطفال والنساء هرباً من جحيم القصف.

منذ اليوم الأول للعدوان على غزة، والغرب يكشف عن وجهه القبيح، زيارات متتالية لعاصمة الكيان على كل المستويات الرئاسية والدبلوماسية والعسكرية، جسر الإمدادات بالسلاح لم يتوقف، المنح المالية غير مسبوقة، الدعم اللا أخلاقي في المحافل الدولية بلا حدود، مواجهات مسلحة بالإنابة مع كل جبهات المقاومة بالمنطقة، إلا إن الأمر حينما يتعلق بسياسات ممنهجة للتجويع حتى الموت بحجج واهية، نُصبح أمام سقوط من نوع آخر، يكشف كل أقنعة النفاق والرياء، التي تخفّوا خلفها سنوات طويلة.

المعلوم أن موظفي (الأونروا) المعنيين بالأمر، هم أولاً وأخيراً مواطنون فلسطينيون، يعيشون كغيرهم من أبناء الشعب الفلسطيني كابوس الاحتلال وموبقاته، وهو ما يجعل من مقاومتهم لقوات الاحتلال أمراً طبيعياً، جراء ما يشاهدون على مدار الساعة من قتل لذويهم ودمار لوطنهم، بالتالي لا يعيبهم التعاطف مع المقاومة بأي شكل من الأشكال، بل إن العكس هو الذي يجب أن نتوقف أمامه، ذلك أن الوظيفة أياً كان موقعها لا يجب أن تنتزع وطنية هذا الشخص أو ذاك، وإلا فلا ضرورة لها ولا حاجة للمواطن بها، وهو ما كان يجب أن يكون واضحاً لدى الوكالة وعواصم الغرب في آن واحد.

يجب أن نعترف بأننا أمام وضع في حد ذاته مشين لنا جميعاً كعرب، ذلك أن الأمر الطبيعي منذ البداية هو أن يكون الدعم عربياً بالدرجة الأولى، وإلا فما معنى وجود جامعة الدول العربية، بمنظماتها وإداراتها الداخلية، ومكاتبها الخارجية، إذا لم يكن لها دور فاعل في مثل هذه القضايا الإنسانية، مع الوضع في الاعتبار أن أحداً لم يسمع صوتاً للجامعة فيما يتعلق بهذه القضية المتفاقمة على المستوى الدولي، مع تعنت إسرائيلي واضح وأمريكي غربي مريب، رغم مناشدات أنطونيو غوتيريش أمين عام الأمم المتحدة لهذه الدول بالتراجع عن موقفها دون جدوى، وهو أمر يثير العديد من علامات الاستفهام.

ويقتضي الإنصاف الإشارة إلى أن دولاً مثل النرويج وإسبانيا وأيرلندا، رفضت أن تسير في الركب الأمريكي بقطع المساعدات، كما أن وكالة (الأونروا) منذ إنشائها عام 1949 قامت بدور كبير ومهم جداً تجاه اللاجئين الفلسطينيين داخل فلسطين المحتلة وخارجها، وهو ما يحتم على العالم الحر التصدي لمحاولات الانتقام من الوكالة، وإلغاء دورها، لمجرد أنها تؤدي هذا الدور بفاعلية، في وقت تراجعت فيه كل الأدوار تقريباً، خصوصاً مع استهداف موظفي الإغاثة عموماً بالقتل والاعتقال، ومن بينهم مسؤولو الخدمات الطبية، من أطباء وممرضين ومسعفين، وهي كارثة أخرى لم تتوقف أمامها ضمائر العالم!! ولله الأمر من قبل ومن بعد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق