تحقيقات وتقارير

أسرار مملكة التوحيد في مصر القديمة

ترويها: ريري محمد

سأل وليد : و هل كانت مصر مقسمة إلى ممالك ؟

أجابت المعلمة : نعم , مع تطور النظام الحضارى و الإدارى بمصر و تكوين القرى ثم المدن ثم الأقاليم , نشأ بعض حكام الأقاليم الطموحين لزياد نفوذهم و توسيع ملكهم حتى تكونت فى ذلك الوقت مملكتان , مملكة الشمال فى الوجه البحرى و مملكة الجنوب فى الوجه القبلى .

سألت نور : و هل كان هناك اختلاف بينهما ؟

أجابت المعلمة : نعم , ففى مملكة الشمال فى الوجه البحرى كان نهر النيل به 12 فرعاً ( و ليس فرعان كما هو الآن ) و كان الوجه البحرى كله عبارة عن مروج خضراء ذات خيرات وفيرة و جو معتدل .

ازدهرت الزراعة فى مملكة الشمال و كذلك الصيد و زاد انتاج الغذاء و تخزين الطعام و حدثت نهضة ثقافية و حضارية و علمية كبيرة , و حدث تبادل تجارى و حضارى مع شعوب البحر المتوسط .

و فى مملكة الجنوب : كان شريط الوادى ضيق و الصحراء واسعة و الجو حار و جاف , لذلك كانت تلك المملكة تحاول جاهدة لمنع زحف رمال الصحراء على الوادى الخصيب .

و بالرغم من تلك الفروق إلاَّ أن المملكتين كانتا متفقتين فى اللغة و متقاربتين فى العقائد الدينية و كذلك فى المظاهر الحضارية مما يدل على وجود نوع من الإتصال بينهما .

كل تلك المظاهر الحضارية و المقومات المشتركة بين المملكتين قبل عصر الأسرات لعبت دوراً كبيراً فى حدوث نوع من التقارب مهَّد للوحدة فى مصر و اندماج المصريين تحت حكم واحد و انطلاق الحضارة المصرية القديمة نحو التقدم و الإزدهار .

سأل عاصم : و متى حدثت الوحدة ؟

أجابت المعلمة : بعد أن قام حكام الجنوب الطموحين بغزو مملكة الشمال و بسط نفوذهم عليها و توحيد مصر كلها على يد الملك مينا أو نارمر عام 3200ق.م.

سألت هبة : و كيف تم ذلك ؟

أجابت المعلمة : نجد ذلك مكتوباً فى ( نصوص الأهرام ) و هى عبارة عن كتابات وُجِدت منقوشة على الجدران الداخلية لأهرامات الأسرتين الخامسة و السادسة فى سقارة و تحكى أحداث التاريخ المصرى القديم فى عصور ما قبل التاريخ و قبل الأسرات .

حيث تحكى النقوش عن مملكة الشمال و النتر ( أوزير ) الذى وحَّد شرق و غرب الدلتا , فى حين توحدت مملكة الجنوب و النتر ( ست ) .

خَلَفَ ( أوزير ) ابنه ( حورس ) الذى غزا مملكة الجنوب و وحَّد مصر , ثم انقسمت البلاد بعد ذلك مرةً أخرى.

يرى بعض المؤرخين أن التقويم الشمسى ابتدعه قدماء المصريين فى زمن الوحدة الأولى عام 4200ق.م. عندما كانت العاصمة ( أيونو ) و التى كانت مركزاً متقدماً جداً فى الفلك و العلوم و الفنون و الثقافة .

و إذا ما قارنا بين النقوش فى نصوص الأهرام و بين النقوش التى وُجِدت على مقامع القتال و الصلاَّيات ( ألواح من العاج أو الحجارة نُقشت عليها أحداثاً تاريخية) التى تروى لنا الحياة السياسية فى تلك الفترة لوجدنا أن مصر قبل توحيد القطرين كانت كالآتى :

1- كان الوجه البحرى فى الشمال مقسماً إلى مملكتين , مملكة فى الشرق و عاصمتها ( جدو ) و هى ( بنى أبوصير ) الحالية قرب سمنود , و مملكة فى الغرب و عاصمتها ( دمنهور ) و النتر ( حورس ) .

2- اتحدت مملكتا الوجه البحرى فى ظروفٍ غامضة لتصبح العاصمة الموحدة لمملكة الشمال هى ( سايس ) مدينة ( صا الحجر ) الحالية .

3- قبل نشأة مملكة الوجه البحرى بثلاثة قرون نشأت مملكة أخرى فى مصر الوسطى فى مدينة (هيراقليوبوليس ) إهناسيا جنوب بنى سويف , و أقاموا حصناً و أسواراً للدفاع عن مملكة الجنوب من هجمات الدلتا فى الشمال , و ذلك السور تحول فيما بعد لمدينة ( منف ) و التى تعنى الجدار الأبيض و ذلك فى عصر الأسرات .

4- اتحدت الصعيد بعد ذلك فى مملكة واحدة و عاصمتها ( نوبت ) طوخ الحالية فى قنا , و النتر الأكبر ( ست ) .

5- حاولت مملكة الشمال تكوين مملكة متحدة و نجحت فى ضم مملكة الصعيد لها و اتخذت من ( جدو ) عاصمة لمصر الموحدة و النتر ( أوزير ) .

6- انفصل الصعيد عن مصر الموحدة و أعاد مجد عاصمة الجنوب ( نوبت ) و النتر ( ست ) .

7- نجحت مملكة الشمال فى توحيد البلاد مرةً أخرى و ضمت مملكة الجنوب لها و اتخذت من مدينة ( أيونو ) عاصمةً لها لتتوسط بين الشمال و الجنوب .و كان كهنة هذه المدينة أول من ابتدعوا التقويم الشمسى و كانت تلك المدينة تشتهر بالتقدم فى الدين و العقائد و العلوم و الفنون و الثقافة .

8- انفصل الصعيد مرةً أخرى و عادت مصر لمملكة الشمال و عاصمتها ( بوتو ) و هى حالياً ( تل الفراعين ) قرب دسوق , و النتر الأكبر ( حورس ) , و يُرمز لها بنبات البردى , و تاجها الأحمر .

9- قامت مملكة الجنوب فى نفس الفترة و عاصمتها ( نخن ) شمال ادفو , و النتر الرئيسى هو ( حورس ) الوافد إليهم من الشمال , و الرمز المميز لهم هو زهرة اللوتس , و تاجهم هو التاج الأبيض .

10- قبل قيام الأسرة الأولى و توحيد البلاد للأبد بثلاثة قرون قامت سلالة ملكية فى مملكة الجنوب بنقل العاصمة إلى ( ثينى ) قرب مدينة جرجا , و كانوا يدينون بالولاء ( لحورس ) , و ظلوا يحكمون طوال 350 عام تقريباً و كان عدد ملوكهم 12 ملكاً , و لكن ما نعرفه منهم هو آخر أربعة ملوك فقط و ترتيبهم من الأقدم للأحدث هو : الملك ( رو ) يليه الملك ( كت ) ثم الملك ( العقرب ) ثم الملك ( نارمر ) أو (مينى) و توحيد البلاد على يديه .

و كان الملك ( رو ) قد قام بعدة غزوات على مملكة الشمال و نقل عنهم الكتابة التى انتقلت لمملكة الجنوب .

و كانت مملكتا الشمال و الجنوب لديهم قبل الوحدة نُظُم إدارة متقدمة و بيت مال خاص بمملكة الشمال و يُطلق عليه ( بيت المال الأحمر ) و آخر خاص بمملكة الجنوب و يُطلق عليه ( بيت المال الأبيض ) , بالإضافة للتقدم الحضارى للمملكتين و الذى أسفر بعد الوحدة عن إنطلاقة حضارية جديدة مزدهرة فى عصر الأسرات .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق