أقلام حرّةالمميزة

ع الرصيف

 

 

 

بقلم: يحي سلامة

 

 

يكاد كل منا صادف هذا الرجل أو تلك المرأة ممن يفترشون الأرصفة في الشوارع والميادين ويتخذونها مأوي لهم بل ووطنا ان صح التعبير.

وتختلف أحوالهم وظروفهم التي أوصلتهم لهذا المصير مابين أمراض نفسية وإعاقات ذهنية و جسدية وربما ظروف أخري لا يعلمها إلا الله وحده.

والحقيقة أني كثيرا ماتوقفت أمام هؤلاء الأشخاص الذين جمعهم الرصيف وفرقهم الجنس (رجال ونساء)والعمر (مابين الشباب والشيخوخة) وإن تميزوا بالطبع بمظهر واحد وهو الملابس الرثة الممزقة والرائحة الكريهة التي تجعل الجميع ينفر منهم ولا يتحمل الوقوف بجوارهم ثوان معدودة هي مدة مايقدمونه لهم من إحسان أو نظرة شفقة أو نظرات تأفف وإستهجان وقليل من نظرات التأمل والإعتبار.

وبعيدا عن الأكليشيهات الجاهزة لعبارات التأفف والإعتبار والعظة أقول :

في حين أن الرصيف الذي اتسع لشخص ما وكفاه كبيت وسكن قد ضاقت البيوت بساكنيها حتي وان كانت قصورا شاهقة فوجدنا الإبن يطرد أبيه أو أمه والزوج يطرد زوجته والأب يطرد أولاده والأخ يطرد أخيه أو أخته بل والأكثر من ذلك أن الوطن نفسه يضيق بساكنيه فيدفع أبناءه نتيجة لبعض الممارسات الخاطئة مرة إلي اللجوء والتشرد بفعل الأزمات الاقتصادية ومرة إلي القتل والتشريد بفعل الحروب الأهلية

إن الحرب في حد ذاتها هي مشروع طرد أكبر عدد من البشر عن طريق القتل والتدمير وتشريد أعداد أخري وتشويههم نفسيا إذا بقوا أحياءَُ (وقد بقول البعض أن الكوارث الطبيعية كالفيضانات والزلازل والسيول والبراكين تفعل الشئ ذاته ولا يتم وصفها بالشر كما توصف أفعال الإنسان) وللخروج من هذه الإشكالية في عجالة أشير إلي التفرقة بين الشخص الميت والشخص المقتول فكلاهما فارق الحياة وكلاهما ذاق الموت أما الأول (الشخص الميت) فلا يتحمل أحد نتيجة موته الحتمية التي قدرها الله له بأي شكل كانت بسبب مرض او زلزال أو حتي بلا سبب والشخص الثاني (المقتول) قد ذاق هو الأخر الموت قدرا محتوما من الله أن يموت مقتولا ولكن يتحمل الذنب من قتله خاصة إذا كان القتل اعتداءُوليس دفاعا عن نفس أومال أو عرض كما هو معروف وقد يظن القارئ أني أقصد بالرصيف هؤلاء المطرودين والمشردين اجتماعيا وسياسيا ولكن العكس هو ما أقصده وهو أن الأنانية هي الرصيف الذي يسكنه الإنسان الأناني ذلك الشخص المتكبر الذي لا يري إلا نفسه فقط هو ساكن رصيف نفسه حتي وإن سكن القصور أو ملك الأرض جميعها فالنمروذ مثلا أعطاه الله الملك وامتلك الأرض لكنه كان مقيما في رصيف نفسه ولم يري من هذا الملك الواسع إلا أنه هو من يحيي ويميت كما أخبرنا القرآن الكريم وقياسا علي النمروذ كان وسيبقي كل طغاة الأرض حتي قيام الساعة وهم الذين سكنوا رصيف أنفسهم طواعية وليس ننيجة ضغوط نفسية او إعاقات جسدية.

وأما عن تلك الرائحة الكريهة التي يتميز بها إبن الرصيف والتي جعلته محل نفور واشمئزاز من الجميع لما يسببه من أذي للعين بملابسه أو ملابسها الرثة ومايسببه من أذي للأنف في استنشاق تلك الرائحة الكريهة.

فالحقيقة أن رائحة الشر داخل الإنسان أكثر أذي للأنف ورؤية الشر أكثر أذي للعين حتي وإن ارتدي صاحبها أفخم الملابس والماركات وتعطر بأرقي وأغلي العطور الفرنسية.

وأقرر أنه لو كان للخيانة والغدر والتكبر والحقد والحسد والكذب والنفاق رائحة مادية كرائحة أبناء الرصيف لأزكمت الأنوف واستحال العيش علي كوكب الأرض منذ أول جريمة حسد وقتل في تاريخ البشرية وهي قتل قابيل لأخيه هابيل.

لأقرر في الأخير أن من نعم الله سبحانه وتعالي والتي لا تعد ولا تحصي أن أخفي هذه الشرور وجعلها في القلب وأسماها في القرآن الكريم بأمراض القلب (الذين في قلوبهم مرض) هؤلاء الذين توعدهم الله بالعذاب الأليم في الأخرة بينما وعد أصحاب القلوب السليمة الخالية من أمراض الشر بجنات النعيم فيقول تعالي (إلا من أتي الله بقلب سليم) ليتضح لنا في الأخير أن القلب هو من يحدد مساكننا سواء في الدنيا أو الأخرة فالقلب المريض هو من يسكن الرصيف ويعيش عيشة أهل الرصيف حتي وان سكن القصور وارتدي أفخم الملابس وتعطر بأغلي العطور والقلب السليم هو من يسكن القصور ويتعطر بأغلي العطور ويرتدي أفخم الملابس حتي وان كان سكنه حجرة واحدة أو شقة متواضعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق