أقلام حرّة

مفهوم أمن الطاقة وتداعياته السياسية والإقتصادية على الحرب الروسية الأوكرانية وإعادة رسم خريطة سلاسل الإمداد العالمية

 

 

فى ظل الأبعاد الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط تعد الطاقة أحد المقاييس الرئيسية لقوة الدول من خلال عدة معايير وهى الإنتاج والاستهلاك والتصدير والاستثمارات والبنية التحتية وتوازن الطاقة واحتياطيات الطاقة واتفاقياتها الدولية والإقليمية .

وتعد المتغيرات السياسية والإقتصادية وجهان لعملة واحدة ولا يقتصر الدور الجيوساسى للدول الآن على النواحى العسكرية فقط وإنما يقترن تأثيره بحركة سلاسل الإمدادات الإقتصادية للنقل والتجارة عبر الدول ومدى التوازن فى التوزيع الجغرافي للعلاقات الإقتصادية لدول الجوار بريا وبحريا .

وتضرب الحرب الروسية الأوكرانية نموذجا لذلك حيث تعد دولة روسيا من الدول المنتجة والمصدرة للطاقة الدول شرق وغرب أوروبا وأحد القوى المهيمنة على الطاقة ولذا كان ذلك من الأسباب الرئيسية والتداعيات لدول الاتحاد الأوروبى للبحث عن بديل آمن للطاقة .

⤵️

ومفهوم أمن الطاقة يختلف من دولة إلى أخرى سواء كانت مصدرة أو مستوردة ومدى ارتباط الدولة بدول المصدر أو الهدف وعلاقة الدول فى حالة عبور الطاقة وخاصة خطوط الأنابيب بين الدول بريا وبحريا وكذلك سفن البترول وناقلات الغاز بحريا ، وكذلك ضمان وصول الطاقة وكمياتها ومدى نفاذ وتطبيق العقود القانونية الخاصة بالطاقة والمدد الزمنية وكذلك تحديد أسعار الطاقة ومدى العرض والطلب وكذلك تأمين نقل الطاقة أى التأمين على عمليات العبور سواء بالنسبة لخطوط الأنابيب العابرة لدول أخرى أو بحار إقليمية او السفن من خلال بعض العقود وكذلك مدى توفر الطاقة لسنوات مقبلة ودراسة احتياطيات الدول .

ولذا فإنه من الضرورى أن يكون هناك تحالفات بين الدول لضمان أمن الطاقة وضمان التوزيع الجغرافي .

 

والطاقة من أهم الموارد ضمن الجغرافيا السياسية التى أثرت فى قوة الدول ونفوذها قديما وحديثا بداية من الفحم حتى الطاقة الشمسية وطاقة الهيدروجين الأخضر .

 

كما تلعب الطاقة دورا هاما فى نفوذ الدول وتعد عنصرا ضاغطا وحاكما فى أوقات الحروب وأداة ضغط فى حالة التهديدات ولنا مثال فى حرب أكتوبر بالنسبة للبترول العربى .

وبالنسبة للحرب الروسية الأوكرانية هى ليست حرب إقليمية مرتبطة بالمنطقة الجغرافية الدولتين فقط وإنما حرب عالمية تؤثر تداعياتها السياسية والإقتصادية على العالم

وتعد أوروبا هى السوق الرئيسى للإمدادات الروسية من الطاقة نظرا للجوار الجغرافى والاعتماد على خطوط الأنابيب حيث تمد أوروبا بأكثر من ٢٧ % من احتياجاتها من البترول و ٥٠ % من احتياجاتها من الغاز الطبيعى وأضافت بعض المصادر أنها تساهم بنحو ما يقرب من ٧٥ % من الغاز الطبيعى .

وتعد منطقة الشرق الأوسط من الدول المنافسة لروسيا نظرا القرب الجغرافى من أوروبا السوق الاستهلاكى الرئيسى .

وفى مجال النقل بخطوط أنابيب الغاز اعتمدت الاستيراتيجية الروسية على محاولة التوزيع عبر دول المنطقة وعبر البحار الداخلية المحيطة حتى لا تكون رهينة لاحدى الدول ومنها أوكرانيا ولذا اتجهت الخطوط العابرة ال غرب أوروبا من روسيا الى٦ خطوط بحرية فى الشمال وخطوط فى المنتصف وخطوط فى أقصى الجنوب

ولقد بلغ إنتاج روسيا من النفط حوالى ١١.٢ مليون برميل يوميا تصدر منه ٨.٦ مليون برميل يوميا بينما بلغ الاحتياطى ١٠٦.٢ مليار برميل .

وفى إنتاج الغاز الطبيعى بلغ إنتاجها ٦٣٥.٦ مليار متر مكعب يصدر منه ٢١٥.٤ مليار متر مكعب .بينما بلغ الاحتياطى ٣٥ تريليون متر مكعب

ومن أهم الخطوط .

خطوط من روسيا إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق .

وخطوط ممتدة تحت البحر الأسود إلى دول بلغاريا وصربيا وهنجاريا سلوفينيا والنمسا وخط آخر الى بولندا وخطوط شمالية وهو خطوط nord stream ويمتد من روسيا إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق بطول ١٤٢٤ كم وتم افتتاحه فى ٢٠١١

و خط نورد ستريم ١ بطول ١٢٢٠ كم وينقل ٢٧.٥ مليار متر مكعب ليتزايد إلى ٥٥ مليار متر مكعب اما خط نورد ستريم ٢ وهو سبب رئيسى فى تلك الأزمة يمتد بطول ١٢٠٠ كم ليضاعف السعة إلى ١١٠ مليار متر مكعب فى ٢٠١٢ إلى ألمانيا وتم التخلى عن دراسة بعض المسارات بسبب عقوبات الاتحاد الأوروبى على روسيا .

وفى ٢٠١٥ تم التوقيع على اتفاقية لبناء نورد ستريم ٢ من خلال شركة غاز بروم وفى ٢٠١٧ تم توقيع اتفاقية مالية مع الشركة المسؤولة عن تطوير مشروع نورد ستريم

وفى ٢٠١٨ أتاحت ألمانيا لخط نورد ستريم تصريح بالبناء وبدأ التشغيل وفى ٢٠١٩ تدخلت أمريكا لوقف العمل فى المشروع وتعليق العمل

وكما تدخلت بولندا فى ٢٠٢٠ بغرض غرامات على شركة غاز بروم لعدم تعاونها مع تحقيق مع هيئات مراقبة لمكافحة الاحتكار البولندية .

وفى ٢٠٢١ أعلن بوتن انتهاء الخط الأول فى ١٠ يونيو وسيتم استكمال الخط الثانى فى سبتمبر٢٠٢١ .

ونتيجة لتدخلات أمريكا والاتفاق مع بولندا وأوكرانيا بسبب تهديدات بقطع الغاز الروسي وإن أمريكا ستفرض عقوبات إذا استخدمت روسيا هذا الخط فى الوقت الذى طالبت فيه أوكرانيا بتعزيز انتقالها للطاقة الخضراء وحصولها على القرض بقيمة ٥٠ مليون دولار .

وتأسيس ألمانيا صندوق بتعزيز انتقال أوكرانيا إلى الطاقة الخضراء لتعويض خسارة رسوم نقل الغاز وسيتم مد العمل بعقد الغاز الروسي عبر أوكرانيا حتى عام ٢٠٣٤ إذا وافقت روسيا وفى نوفمبر ٢٠٢١ ارتفعت أسعار الغاز فى أوروبا بنسبة ١٧ % وفى ٩ ديسمبر ٢٠٢١ تم الاعتراض من قبل ألمانيا على بدء تشغيل خط النورد ستريم ٢ والحكومة الألمانية توقف إجراءات اعتماد أنبوب الغاز نورد ستريم ٢ فى ٢٢ فبراير ٢٠٢٢ وأوقفت اعتماد خط الغاز الروسي لحين اشعار اخر ردا على التحركات العسكرية الروسية فى منطقة دوبناس شرق أوكرانيا وجمدت الحكومة الالمانية العمل فى ٢٢ فبراير ٢٠٢٢ .

وعليه كانت جلسة مجلس الأمن و التى تم فيها قطع علاقات روسيا مع الاتحاد الأوروبى وفرض الحصار الاقتصادى .

وهناك محاولات لتقليل اعتماد أوروبا على الغاز الروسي ومنها .

خط أذربيجان _ تركيا وهو ما يعرف بخط ال تاناب وتم فى عام ٢٠١٩ وأعلن عن استكمال ووصوله الى الحدود التركية الإيرانية ومن المخطط ربطه بالخط العابر عبر الادرياتيكى وهو ما يعرف بخط ال تاب والذى يضخ الغاز عبر اليونان وألبانيا إلى إيطاليا .

كما اعتمدت تركيا على خط الإمارات وهو ما يعرف ب ممر الغاز الجنوبي .

كما اتجهت روسيا فى الوقت نفسه إلى التفكير فى خط حديدى إلى اوروبا كما كانت هناك الخطوط التركية .

وفى عام ٢٠١٨ وصلت صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا ٢٤٣ مليار متر مكعب .

اذن كان الاعتماد الكبير على روسيا فى مد أوروبا بالغاز الطبيعى ولذا جاءت محاولات أوروبيةللتقليل من الاعتماد على روسيا .

بينما الوضع بالنسبة لروسيا فكان من السهل الاتجاه شرقا نحو الصين ونمو المارد الصينى .

وفى عام ٢٠١٧ تم توقيع إسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا بروتوكول لانشاء خط غاز يمد أوروبا ب ١٠ % من احتياجاتها من الغاز الطبيعى إلا أنه واجهت هذا الخط بعض التحديات بخصوص صعوبة التنفيذ والتكلفة العالية وكذلك فى ظل وجود خط الغاز الذى ينقل الغاز برا من إيطاليا عبر مضيق تورنتو فى مدخل البحر الادرياتيكى .

ومما سبق يتضح مراعاة التوزيع الجغرافى لخطوط أنابيب نقل الطاقة بصفة عامة والغاز الطبيعى بصفة خاصة ومن المقرر أن تعتمد بعض دول أوروبا على الغاز المصرى المسال فى حوض البحر المتوسط وأن الفرصة باتت سانحة لتقديم مصر يد العون إلى أوروبا وفتح أسواق جديدة للغاز المصرى فى دول أوروبا عبر البحر المتوسط .

ولذا وصفت القمة الأوروبية الأفريقية فى مؤتمرها أن مصر أصبحت ركيزة الطاقة فى منطقة الشرق الأوسط .

كما وعدت أوروبا مصر بتقديم الدعم والتمويل سواء الخاص بمواجهة التغيرات المناخية وتقديم الدعم لتصنيع العقار الخاص بفيروس كورونا وتوزيعه على دول أفريقيا .

وها الموضوع كما أكد رئيس الاتحاد الأفريقى خلال القمة فى نوفمبر أن أفريقيا لا تقبل إملاءات أو شروط أم أن الإملاءات والشروط تتخذ صور أخرى غير منظورة .

وبذا فإن مصطلح أمن الطاقة لا يقتصر فقط على وجود المورد الطبيعى وإنما هو سلسلة من الموافقات السياسية مع بعض الدول واهمها الولايات المتحدة الأمريكية و التى باتت تفقد مكانتها الدولية بظهور لاعبين جدد ولذا تحاول أن تشرك العالم أجمع فى خساراتها ولذا تزيد من تدخلاتها بين الدول بعضها البعض هذا من جانب .

فضلا عن أن أمن الطاقة مرتبط أيضا بعمليات النقل والتكلفة والعبور والمسافات البرية. والبحرية وعبور الدول والاتفاقيات الدولية والحروب الإقليمية والإقتصادية .

وإذا كانت مصر من الدول المستهدفة لأوروبا فى تقديم بديل آمن للطاقة

فى هذه المرحلة وتجد مصر الفرصة بالنسبة للغاز المصرى المسال وخاصة فى ظل الاتفاقيات الدولية بخصوص الغاز والاتفاقيات الجديدة بين شركة ايجاس المصرية واينى الإيطالية بخصوص تصدير الغاز فإن الوضع يحقق رؤية مصر فى أن تكون مركزا إقليميا للطاقة وشريك استيراتيجى هام وكذلك مع تأسيس منتدى غاز شرق البحر المتوسط كما قامت بالفعل بتصدير الغاز إلى كرواتيا وكذلك تقوم بتصدير جزء منه إلى الصين رغم البعد الجغرافى .

واذا كانت مصر تركز على تعظيم اقتصاديات الغاز الطبيعى فى البحر المتوسط من حيث الإنتاج كمورد طبيعى وتسييله فى مصانع اسالة الغاز فى مصر وكذلك استقبال الغاز من دول شرقي البحر المتوسط لتسييله وكذلك تقوم بنقله عبر السفن ومنها الناقلات المصرية مع قرب المسافة الجغرافية وبذا سوف تشهد مصر نقلة نوعية فى الطاقة لتكون رائدة الطاقة ومركز إقليميا فى منطقة الشرق الأوسط إنتاج وتشغيل وإدارة ونقل وتسييل وتصدير الغاز .

وسوف يؤثر هذا الوضع على إعادة رسم خريطة سلاسل الإمداد العالمية لحركة التجارة العالمية واتجاهات حركة السفن التجارية فى ظل قطع العلاقات حيث ينقل النقل البحرى ما يزيد عن ٨٠ % من حركة التجارة الدولية .

وإن الوضع يتطلب دراسة متعمقة لمفهوم أمن الطاقة بجميع أبعاده ومعاييره المذكورة آنفا و دراسة الوضع الراهن اقتصاديا وسياسيا وخاصة فى ظل الحرب الروسية الأوكرانية التى نالت تداعياتها العالم أجمع ووضع العديد من السيناريوهات التخطيطية فى المنطقة خلال تلك المرحلة واستشراف المستقبل ودراسة لوجيستيات تغيير بعض اتجاهات حركة التجارة العالمية .

ا .د منى صبحى نور الدين .

أستاذ الجغرافيا الإقتصادية والنقل جامعة الأزهر .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق