
بقلم..د. أماني موسى
حرب أكتوبر/ تشرين
*العرب*:حرب تشرين التحريرية أو حرب العاشر من رمضان
*إسرائيل*: حرب يوم الغفران أو ميلخمت يوم كيبور
حرب أكتوبر أو حرب العاشر من رمضان كما تعرف في مصر أو حرب تشرين التحريرية كما تعرف في سوريا أو حرب يوم الغفران (بالعبرية: מלחמת יום כיפור، ميلخمت يوم كيبور) كما تعرف في إسرائيل، هي حرب شنتها كل من مصر وسوريا في وقتٍ واحدٍ على إسرائيل عام 1973 وهي خامس الحروب العربية الإسرائيلية بعد حرب 1948 (حرب فلسطين) وحرب 1956 (حرب السويس) وحرب 1967 (حرب الستة أيام) وحرب الاستنزاف (1967-1970)، وكانت إسرائيل في الحرب الثالثة قد احتلت شبه جزيرة سيناء من مصر وهضبة الجولان من سوريا، بالإضافة إلى الضفة الغربية التي كانت تحت الحكم الأردني وقطاع غزة الخاضع آنذاك لحكم عسكري مصري. بدأت الحرب يوم السبت 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1973 م الموافق 10 رمضان 1393 هـ بتنسيق هجومين مفاجئين ومتزامنين على القوات الإسرائيلية؛ أحدهما للجيش المصري على جبهة سيناء المحتلة وآخر للجيش السوري على جبهة هضبة الجولان المحتلة. وقد ساهمت في الحرب بعض الدول العربية سواء بالدعم العسكري أو الاقتصادي.
*الخداع الإستراتيجي*
في يوليو/تموز 1972 اجتمع الرئيس السادات مع رئيس المخابرات العامة ومدير المخابرات الحربية ومستشار الأمن القومي والقائد العام للقوات المسلحة لوضع خطة خداع استراتيجي تسمح لمصر بالتفوق على التقدم التكنولوجي والتسليحي الإسرائيلي عن طريق إخفاء أي علامات للاستعداد للحرب وحتى لا تقوم إسرائيل بضربة إجهاضية للقوات المصرية في مرحلة الإعداد على الجبهة، واشتملت الخطة على ستة محاور رئيسية تضمنت إجراءات تتعلق بالجبهة الداخلية، إجراءات تتعلق بنقل المعدات للجبهة، إجراءات خداع ميدانية، إجراءات خداع سيادية، تأمين تحركات واستعدادات القوات المسلحة، توفير المعلومات السرية عن القوات الإسرائيلية وتضليلها.
وفي تمام الساعة 1400 من يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973 نفذت 220 طائرة حربية مصرية ضربة جوية على الأهداف الإسرائيلية شرقي القناة (كان أقصى عمقٍ ممكنٍ للطائرات المصرية خط المضائق في منتصف سيناء، وعليه غطت الضربة الجوية النصف الغربي من سيناء عدا هجوم واحد قصف مطاراً جنوب العريش).
عبرت الطائرات على ارتفاعاتٍ منخفضةٍ للغاية (حوالي 30 م) لتفادي الرادارات الإسرائيلية، وقد استهدفت المطارات ومراكز القيادة ومحطات الرادار والإعاقة الإلكترونية وبطاريات الدفاع الجوي وتجمعات الأفراد والمدرعات والدبابات والمدفعية والنقاط الحصينة في خط بارليف ومصافي النفط ومخازن الذخيرة.
جاء في تقرير قائد القوى الجوية عقب الهجوم أن الضربة حققت 95 % من أهدافها الموضوعة، وخسرت أحد عشر طياراً شهيداً منهم ستة طيارين في الغارة على مطار الطور قرب شرم الشيخ ويعود ذلك لفقدان عنصر المفاجأة بسبب ملاقاتهم أربع طائراتٍ فانتوم كانت تقوم بدوريةٍ اعتياديةٍ فوق شرم الشيخ فجرت معركة غير متكافئةٍ بسبب التفوق النوعي لطائرة الفانتوم وقتئذٍ.
*التمهيد المدفعي*
بعد عبور الطائرات المصرية بخمس دقائق بدأت المدفعية المصرية قصف التحصينات والأهداف الإسرائيلية الواقعة شرق القناة بشكلٍ مكثفٍ تحضيراً لعبور المشاة، فيما تسللت عناصر سلاح المهندسين والصاعقة إلى الشاطئ الشرقي للقناة لإغلاق الأنابيب التي تنقل السائل المشتعل إلى سطح المياه.
في تمام الساعة 14:20 توقفت المدفعية ذات خط المرور العالي عن قصف النسق الأمامي لخط بارليف ونقلت نيرانها إلى العمق حيث مواقعُ النسق الثاني، وقامت المدفعية ذات خط المرور المسطح بالضرب المباشر على مواقع خط بارليف لتأمين عبور المشاة من نيرانها.
*العبور*
في تمام الساعة 18:30 كان ألفا ضابط وثلاثين ألف جنديٍ من خمس فرق مشاة قد عبروا القناة، واحتفظوا بخمسة رؤوس جسورٍ واستمر سلاح المهندسين في فتح الثغرات في الساتر الترابي لإتمام مرور الدبابات والمركبات البرية، وذلك فيما عدا لواءٍ برمائيٍّ مكونٍ من عشرين دبابةٍ برمائيةٍ وثمانين مركبةٍ برمائيةٍ عبر البحيرات المرة في قطاع الجيش الثالث وبدأ يتعامل مع القوات الإسرائيلية. في تمام الساعة 20:30 اكتمل بناء أول جسر ثقيل، وفي تمام الساعة 22:30 اكتمل بناء سبع جسورٍ أخرى وبدأت الدبابات والأسلحة الثقيلة تتدفق نحو الشرق مستخدمةً الجسورَ السبعَ وإحدى وثلاثين معدية.
*السابع من أكتوبر*
كانت القوات المصرية صبيحةَ يوم الأحد 7 أكتوبر/تشرين الأول قد أنجزت عبورها لقناة السويس وأصبح لدى القيادة العامة خمس فرق مشاةٍ بكامل أسلحتها على الضفة الشرقية للقناة، بالإضافة إلى ألف دبابةٍ، وتهاوى خط بارليف الدفاعي واستولى الجيش المصري على تحصيناته (عدا حصن لسان بور توفيق جنوب شرق السويس الذي سقط يوم 11 أكتوبر)، وتحطمت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر. خلال يوم السابع من أكتوبر واصلتِ القوات المصرية توسيع رؤوس جسور فرق المشاة وسد الثغرات فيما بينها ضمن نطاق كلٍّ من الجيشين الميدانيين. وكانت القوات الخاصة وقوات الصاعقة المحمولة جواً قد قامت في اليوم السابق بالإسقاط في مؤخرة القوات الإسرائيلية لتنفيذ كمائنَ ضد قوات الاحتياط المتقدمة من الخلف نحو الجبهة على أربعة محاور؛ رمانة، والطاسة، وممر الجدي، وممر متلا، مما أرغم العدو على التحرك ببطءٍ وحذرٍ، وأخّر وصول قواته إلى الميدان لساعاتٍ كانت حاسمةً في تثبيت الوجود المصري شرق القناة. جرى كذلك تحسين الموقف الإداري والتعبوي (اللوجستي) للقوات لإعطائها دفعةً قويةً لمعاركها التالية. أثناءَ ذلك دَعّمتِ القواتُ الإسرائيليةُ موقفها بالتدريج على الجبهة ودفعت بخمسة ألويةٍ مدرعةٍ وثلاثمئة دبابةٍ لتعويض خسائر الألوية المدرعة الثلاثة التي كانت تتمركز في المنطقة خلف تحصينات خط بارليف. قامت مجموعة الصاعقة المؤلفة من 220 فرداً التي أُنزلت بالحوامات في «رمانة» على المحور الساحلي يوم 6 أكتوبر بتعطيل تقدم لواءٍ مدرعٍ نحو الجبهة لأكثرَ من ثلاثين ساعةً (كانت مهمتهم القتالية إعاقة التقدم لست ساعاتٍ فقط) قبل انسحاب المتبقين (25 فرداً) في 8 أكتوبر/تشرين الأول بعد نفاد الذخيرة في مسيرٍ دام خمسة أيامٍ على الأقدام كانوا فيه يكمنون بالنهار ويتسللون في الليل.
وبحلول يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول اندمجت رؤوس جسور الفرق الخمس في رأسَيْ جسرين؛ كلٌّ في جيش. امتد رأس جسر الجيش الثاني الميداني من القنطرة شمالاً إلى الدفرسوار جنوباً، ورأس جسر الجيش الثالث الميداني من البحيرات المرة شمالاً إلى بورتوفيق جنوباً، وكان رأس جسر كل جيشٍ يصل إلى عمق حوالي 10 كم، وبقيت ثغرة بين رأسي جسري الجيشين بطول 30-40 كم شرق البحيرات المرة، وهي منطقة خارج نطاق مظلة الدفاع الجوي المصري ولذلك كان التحرك داخلها محدود.
حشدت القيادة الإسرائيلية في يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول ثمانية ألويةٍ مدرعةٍ منظمةٍ في ثلاث فرقٍ؛ فرقتان من ثلاثة ألوية مدرعة الأولى في القطاع الشمالي بقيادة الجنرال برن أدان، والثانية في القطاع الأوسط بقيادة الجنرال أرئيل شارون، أما الفرقة الثالثة فكانت مشكلةً من لواءين مدرعين في القطاع الجنوبي بقيادة الجنرال ألبرت ماندلر.
*معركة بورسعيد*
شهدت بورسعيد يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول أشد المعارك بين قوات الدفاع الجوي المصرية والقوات الجوية الإسرائيلية، حيث بلغ عدد الطائرات الإسرائيلية المهاجمة لبورسعيد في بعض الطلعات أكثر من 50 طائرة، ونجحت قوات الدفاع الجوي المصرية في إيقاع الكثير من الخسائر بتلك الطائرات وتشتيت الهجمة الجوية الإسرائيلية على بورسعيد.
*معركة الفردان*
مدرعة إسرائيلية محطمة بالقرب من الإسماعيلية
في 9 أكتوبر/تشرين الأول عاودت القوات الإسرائيلية هجومها ودفعت فرقة أدان بلواءين مدرعين ضد الفرقة الثانية مشاة ولواءٍ ثالثٍ مدرعٍ ضد الفرقة 16 مشاة بقيادة عبد رب النبي حافظ في قطاع شرق الإسماعيلية ودارت معركة الفردان بين فرقة آدان والفرقة الثانية مشاة بقيادة حسن أبو سعدة الذي نصب كميناً للدبابات الإسرائيلية المندفعة نحو القناة بعمل انسحاب تكتيكي أمامها وأدخلها في «منطقة قتل» (صندوق مفتوح) وفتح النار عليها من ثلاث جهاتٍ في وقتٍ واحدٍ باستخدام المشاة المزودين بالأسلحة المضادة للدبابات (صواريخ مالوتكا م/د المحمولة فردياً) والدبابات والمدفعية مما اضطر أدان لسحب قواته بعد تكبده خسائرَ جسيمةٍ (بقي لديه حوالي 120 دبابة من أصل 280) وأسر قائد هجومه العفيد عساف ياجوري.
ولم يشن الإسرائيليون أي هجوم مركز بعد ذلك اليوم. وبذلك فشل الهجوم الرئيسي الإسرائيلي يومي 8 و9 أكتوبر/تشرين الأول من تحقيق هدفه وحافظت فرق المشاة المصرية على مواقعها شرق القناة. باستثناء هجوم يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول لكتيبة دبابات إسرائيلية مدعمة بعناصر مشاة في عربات مدرعة على الجناح الأيسر للفرقة الثانية مشاة تم صده وإرغام قواته على الانسحاب ليلاً.