إمام الدعاة

جمال عبد المجيد يكتب: واللهُ يَعصمُك من الْسُفهاء

 

 

 

كنت علي مشارف دخول جامعة القاهرة عندما سمعت نبأ وفاة إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي ولم أكن أتمني شيئا مثلما تمنيت أنني لو قابلت هذا الرجل ،بل وقبَّلت يده وانحنيت له إجلالا وإكبارا –إنحناء المحبين- ولطالما اتخذته سبيلا يهدي إلى الرشاد ،ولازلت اعتبره ومعي كثيرون من الأئمة والعلماء هو الرجل الذي يأتي كل مائة عام ؛ليجدد للأمة إيمانها – إن الذكري تنفع المؤمنين- حتي يتبن لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ،وما أفتأ أتذكر مواقفه من الحاكم الطاغي وبطانته السوء ،عندما وقف مؤنباً الرئيس السابق المخلوع محمد حسني مبارك واضعا يده على كتف المخلوع مُطلقا عبارته المدوية والشهيرة” إن كنت قدرنا فليوفقك الله ،وإن كنا قدرك فليعنك الله على أن تتحمل ” وهي العبارات التي أطلقها الشعراوي كالسهم في قلب مبارك عقب نجاته من حادثة اغتياله في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا وهي المقولة التي كاد يفقد فيها الشعراوي روحه بسببها ،عندما همَّ بوضع يده على كتف مبارك فهمت القناصة الخاصة بحرس الرئاسة بإطلاق رصاصاتها على رأس الشعراوي ؛لولا إشارة خفية من رئيس ديوان الفساد والاستبداد زكريا عزمي أدت إلى خفض القناصة أسلحتهم ؛لإدراكه أن الشعراوي لم ينوي إيذاء مبارك وأنه يستند عليه خشية الوقوع على الأرض ،من شدة المرض، لكن الله عصمه أن يفقد حياته على يد طاغية أوأن يختم حياته بنفاق..

لقد أسر الشيخ الشعراوي – المولود في الخامس عشر من شهر ابريل بقرية دقادوس بمحافظة الدقهلية عام 1911م- أسر قلوب المصريين كافة واستحوذ على أفئدة العرب قاطبة ، فكان الشيخ الأوحد الذي وفقه المولي لتفسير القراّن الكريم بسهولة ويسر بالغين ،ووصل بلغته السهلة البسيطة الطيعة لملايين المسلمين وغير المسلمين فقد أسلم على يديه المئات ، وأصبح برنامجه الأسبوعي مثار اهتمام العالم أجمع وتخطي سماعه مليار ونصف مليار مسلم ،وطارت شهرته ، ولم يخش في الحق لومة لائم ؛فقد تعرض بالتفسير الصحيح للأيات القرأنية التي تخص اليهود؛فأزعجهم ذلك وأدي هذا إلى طلب مناحم بيجن رئيس وزراء إسرائيل من الرئيس السادات بشكل واضح بصيغة اّمرة بضروة وقف عرض برنامج الشعراوي ؛تحت زعم زعزعة الاستقرار بين مصر وإسرائيل ؛ لترضخ حكومة السادات لطلب اليهود بتخفيض ساعات وأيام عرض البرنامج ،فبعد ان كان يتم عرضه ثلاثة أيام في الأسبوع ،تقلص ليوم واحد ليصبح يوم الجمعة عقب الصلاة على القناة الأولي؛حتي لا يغضب اليهود ،لكن الشعراوي ظلَّ ثابتا متصديا لإفك بني إسرائيل ضاربا بكل التعليمات العليا عرض الحائط ، ومن هذه التعليمات ” تخفيف وطاة التفسيرواللجوء إلى ألفاظ بديله ” لعدم إغضاب أبناء العم لكنه لم يكترث ومضي قدما في قول الحق، فقد عصمه الله من الخوف والرهبة ..

لم ينحنِ الشعراوي أمام السلطة وإغرائها عندما تم تعيينه وزيرا للأوقاف في عام 1976 من قبل ممدوح سالم رئيس وزراء حكومة السادات الذي اختاره بنفسه ولم يشأ أن يستمر الشعراوي في منصبه لاكتشاف وقائع فساد مالي داخل أروقة الوزارة ومنها قطعة أرض مسجلة بدفاتر الوزارة كونها أرض فضاء لاتدر عائدا بينما على أرض اواقع عندما زارها الشعراوي وجدها مبني ضخما يدر عائدا ضخما لا يدخل في حسابات الاوقاف بل تذهب إلى ” جيوب” المحاسيب ، والواقعة الثانية التي جعلته يقرر ترك الوزارة خاصة باعتماد مبالغ مالية لتركيب مصاعد لأحدي العمارات التابعة لهيئة الأوقاف ،وعندما ذهب إليها الشعراوي وجدها أرضا فضاء،هاتين الواقعتين جعلاه يترك المنصب حتي لا تتلوث يداه بالتستر على فساد وقال مقولته الشهيرة ” ربِّ السجن أحبُّ إليَّ ” فكانت الاستقالة وسط ضغوط كبيرة للتراجع عنهاوعدم إحراج الحكومة لكنه أبى أن يسير في مستنقع الفساد وفضَّل العودة إلي كتاب الله والتفرغ لنشر الدعوة الإسلامية ومنهجه الوسطي المتفرد ،فقد عصمه الله من الوقوع في شرك الفساد.

مواقف الرجل -الذي وافته المنية في السابع عشر من شهر يونيو عام 1998 – كثيرة ومتعدده ولا تتسع الكتب لذكرها وحصرها جميعا فقد ذاعت شهرته في الحاضرة والبادية والنجوع قبل البلدان ،فقد سافر إلي معظم دول العالم ؛لنشر الدعوة الإسلامية بعيدا عن التعصب والتشدد متقلدا سيف المعرفة الشاملة ،مستعينا بالله تصاحبه روح الفارس الذي لا يكل ولا يمل ؛حتي يخرج منتصرا من معاركه ،ولم يصبه غرور الأقوياء ،ولم توسوس له نفسه بالكبر ولم تحدثه بإثم ،ولم يصبه الشطط الذي أصاب أشباه العلماء اليوم ،وأنصاف المقلدين الجهلة الذين شاهت وجوههم فأرادوا تشويه الدين السمح الحنيف ملة إبراهيم، حتي عندما أعجب بنفسه وبحديثه في جامعة القاهرة وبين الطلبة والأساتذة حتي كاد الطلاب يرفعونه بسيارته من على الارض لشدة إعجابهم به ، ذهب إلى مسجد الحسين ،وقام بخلع ملابسه ليبدوا مثل العمال وأخذ ينظف “دورات المياه” محدثا نفسه التي كادت أن تتكبر عليه ” إياكِ والعُجب” ” إياكِ والغرور” ،فقد عصمه الله من الوقوع في براثن الكبرياء وشرنفسه ووسوسة الشيطان.

وعندما هبَّ نفرجاهل من مدَّعي العلم وهو عنه ببعيد ،ومدَّعي الفكر وهو إلي سلة القمامة أقرب عندما هبَّ؛لتقويض رجل في قامة ومقام الشيخ الشعراوي؛ليقضي على ظاهرة قلما تتكرر ،لم يكن هدفه تقويض الرجل ؛بل الهدف الأعظم هو الهجوم على الدين الحنيف ،الهجوم على الإسلام بأوصاف مُسيئة للشعراوي ؛ظنا منه انه- الجاهل- العالم المفكر الذي أُوتي من العلم كثيرا ،وأن الله أصطفاه- الجاهل- ليخرج الناس من الظلمات إلى النور فقد نكص على عقبيه ولم تلق دعوته حيز برنامجه وصحيفته ، فلم تتجاوز الأذان بعدأن وطأها الناس تحت أقدامهم و هي الدعوة التي أراد بها نقض الشيخ الشعرواي ؛ حتي يتسني له اللعب بأحلام السفهاء،متجاهلا قول الله تعالي عندما همَّ أبو جهل لقتل الرسول الكريم محمد بن عبد الله ” والله يعصمك من الناس ” فقد عصم الله أنبياءه وأولياءه وعلماءه من السفهاء.

المقال منشور في 21- 4- 2015

فضيلة الشيخ الشعراوي رضي الله عنه
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق