23 يوليو ثورة شعبتحقيقات وتقارير
23 يوليو.. ظاهرة فذة في تاريخ الثورات كلها
وعلي العكس كانت القاهرة عاصمة البلاد يظللها الهدوء والسكينة، بعد ان ابتعدت عنها الأضواء فالقصور الملكية مغلقة ودور الوزارات شبة خاوية

تقرير يكتبه: أشرف التعلبي
التاريخ يُكتب بعد سنوات طويلة من الحدث حتي يتجرد كاتبه من أي اهواء، وحتي تتضح نتائجه سواء كانت إيجابية أو سلبية.. اليوم وبعد مرور 70 عاما علي قيام ثورة 23 يوليو 1952 نستعرض بعض الحقائق والاسرار التي كُتبت عن ثورة يوليو، ومن ضمن هؤلاء الذين كتبوا قد شاركوا في صنع الحدث الكبير، فسجلوا شاهدتهم علي تلك الأيام التي مرت بها مصر قبيل الثورة واثناءها وبعد حدوثها بسنوات.
المؤرخ العسكري واحد الضباط الأحرار، جمال حماد “10 مايو1921 – 27 أكتوبر 2016″، يقول في كتاب ” 22 يوليو أطول يوم في تاريخ مصر”، أن ثورة 23 يوليو بدون جدال او نقاش ومهما اختلفت نظرة الناس إليها هي اهم حدث في ملحمة الكفاح الوطني للشعب المصري في تاريخه الحديث.
كان يوم الثلاثاء 22 يوليو 1952 يوم عاديا لا يكاد يختلف عن غيره من أيام شهر يوليو الحارة، ولم تكن حرارة الجو هي السبب فيما كان يعانيه أبناء مصر وقتئذ من ضيق في الصدور، بل كان مرجعه هو ذلك الغضب الجارف الذي اجتاح نفوس الشعب من فرط ما يراه من عبث واستهتار بمقاديره، فأضحت النفوس بركان مكبوت لا تنتظر الا الإشارة لكي تنطلق الحمم من اعماقها، واستقبل المصريون صحف الصباح بقلة اكتراث رغم تعاقب ثلاث حكومة خلال الستة الأشهر الأخيرة، وهو ما جعل الناس تدرك ان لعبة تغيير الوزارات باتت هواية جديدة لمليكهم العابث.
ونشرت الصحف بيان من رئاسة الديوان الملكي بتحديد بعد ظهر الثلاثاء 22 يوليو موعدا لتشريف دولة نجيب باشا الهلالي ووزرائه لحلف يمين الولاء والإخلاص، وهو ما يعني ان هناك حكومة جديدة تحلف اليمن قبيل قيام الثورة ببضعة ساعات.
لكن المساحة الأكبر من صحف ذاك اليوم كانت اخبار عن اصطياف الزعماء والكبراء، وكان سر الأسف هو ان معظم زعماء مصر ورجالاتها قد تركوها في تلك الآونة العصيبة للاصطياف في الخارج والترويح عن النفس، فنشرت “مجلة المصور” خبرا تحت عنوان “الوفد يسافر” جاء فيه سفر ثلاثة اقطاب الوفد الي اوربا.
بينما كان باقي الزعماء السياسيين الذين لم تسعدهم ظروفهم بالسفر للخارج، يمضون الصيف في الإسكندرية بعيدا عن حر القاهرة، وهو ما جعل من الإسكندرية مركز للحركة والنشاط في ذاك اليوم الموعود، فالملك فاروق واسرته ينعمون بإقامة هنية في قصر المنتزة، والمكاتب بالقصر تموج بالحركة استعدادا لحلف اليمين للحكومة الجديدة التي تحدد لها الساعة الرابعة عصرا.
وعلي العكس كانت القاهرة عاصمة البلاد يظللها الهدوء والسكينة، بعد ان ابتعدت عنها الأضواء فالقصور الملكية مغلقة ودور الوزارات شبة خاوية، لتبقي القاهرة بدون أي مسئول ذي سلطان من رجالات الدولة يمكنه اتخاذ القرار ولديه الصلاحيات لاتخاذ قرارات فورية باستثناء رجلين تركزت لديهم جميع الاتصالات بين القاهرة والإسكندرية هما الفريق حسين فوزي رئيس هيئة اركان حرب الجيش، والرجل الثاني هو اللواء احمد طلعت حكمدار بوليس القاهرة.
بينما رصد المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعي “8 فبراير 1889 – 3 ديسمبر 1966″، في كتابه “ثورة 23 يوليو 1952 تاريخنا القومي في سبع سنوات”، ما كان يحاك في نفس اليوم 22 يوليو علي الجانب الاخر، حيث اجتمع الضباط الاحرار في صباح هذا الثلاثاء بمصر الجديدة، وقرروا ان تكون ساعة الصفر بدء الثورة الليلة، أي ليلة الأربعاء 23 يوليو، واتفقوا ان يكون مركز شبوب الثورة في منطقة ثكنات الجيش في نهاية شارع العباسية الي مصر الجديدة، ويشترك في تنفيذها وحدات من جميع أسلحة الجيش.
فالثورة كما يقول “الرافعي” كانت ثورة علي الفساد وثورة علي فاروق الذي اشاع هذا الفساد في محيط الجيش وفي أداة الحكم عامة، ويقيننا ان هذه العوامل هي بعض أسباب الثورة لا كلها وان أسباب الثورة اعم واعمق من هذه العوامل، ونتبين حقيقة الأسباب التي دعت اليها، فهي ثورة عامة واسبابها أيضا عامة ولئن كان القائمون بها من ضباط الجيش فانهم في أسباب الثورة كانوا يعبرون عن احاسيس الشعب واتجاهاته، ويترسون خطواته في تحديد أهدافه، ولا تختلف هذه الثورة عن الحركات الشعبية التي سبقتها الا في انهم جعلوا قوة الجيش أداة العمل والتنفيذ، وقد كانت هذه القوي فعلا هي السبيل لنجاح الثورة ولولاها لانتهت بالنكسة والاخفاق.