سياسة

إيران كلمة السر(إسرائيل) .

بقلم: يحي سلامة

بقلم: يحي سلامة

احيانا تحصل من عدوك علي مكاسب تفوق كثيرا ماتحصل عليه من صديقك.

وهذه المقولة أراها صحيحة تماما لتوصيف وتوظيف العداء بين إيران وأمريكا ذلك العداء الذي بدأ عام 1979 بعد ثورة الخوميني والإطاحة بحكم الشاه محمد رضا بهلوي (الموالي لأمريكا والغرب) وأزمة الرهائن الذين تم احتجازهم في السفارة الأمريكية بطهران في ذلك الوقت لتدخل العلاقات الإيرانية الأمريكية مرحلة اللاعودة والعداء العلني للحد الذي وصف به الإمام الخوميني أمريكا بأنها الشيطان الأعظم.

ولم تنتظر أمريكا طويلا للإنتقام من إيران فأدخلتها في حرب مع العراق (الحليف الأمريكي وقتئذ) استمرت ثمان سنوات من عام 1980الي عام 1988 وفي نفس الوقت استغلت أمريكا حالة العداء التاريخي والطائفي بين إيران (دولة فارس القديمة وصاحبة المذهب الشيعي بعد الإسلام) وبين الدول العربية وخاصة دول الخليج (العرب وأصحاب المذهب السني بعد الإسلام) وعملت الألة الإعلامية الغربية علي تخويف العرب من أطماع إيران التوسعية ومن تصدير الثورة الإيرانية لدول المنطقة ونشر المذهب الشيعي بين في معاقل المذهب السني ونجحت تلك الألة الإعلامية في استبدال عداء العرب مع إسرائيل بعدو جديد هو إيران خاصة بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد بين مصر واسرائيل عام 1979.

لتكون إسرائيل هي كلمة السر في تحديد مسار العلاقة بين إيران وأمريكا ودور كل منهما في الشرق الأوسط واستفادة كل منهما من الأخر وتحقيق أقصي حد من المكاسب السياسية والإستراتيجية والعسكرية علي الأرض والذي يتحقق بضمان أمن (إسرائيل) الحليف الأقوي (أو الذي يجب أن يكون الأقوي) لأمريكا في المنطقة.

وبمنتهي الذكاء السياسي الذي يحسد عليه الطرفين (إيران وأمريكا)تم تخدير العرب وإدخالهم في غيبوبة سياسية لم يفيقوا منها حتي كتابة هذه السطور وتم تقديم هذا المخدر في شكل جرعات متتالية

وتمثلت هذه الجرعات فيما يلي

1اظهار عداء علني ومتبادل بين النظام الإيراني من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة أخري

2دعم حركات المقاومة السنية (حركة حماس) والشيعية (حزب الله) في عملياتهما العسكرية ضد اسرائيل وقد أرادت إيران كما يقال (ضرب عصفورين بحجر) فمن ناحية تطمئن العرب أنها تتبني قضيتهم وتشاطرهم العداء التاريخي مع الإحتلال الإسرائيلي ومن جانب أخر تضغط في الوقت نفسه علي أمريكا وتسبب لها القلق علي أمن إسرائيل خاصة بعدما وضحت قدرات إيران العسكرية خلال حرب الثماني سنوات مع العراق وأنها قوة لا يستهان بها.

3إرتكبت أمريكا خطأ كارثي مازالت تعاني منه حتي الأن (سياسيا) وهو غزوها للعراق عام 2003 وربما ظن وقتها جورج بوش الإبن في لحظة تهور وعصبية أن غزو العراق سيطوق إيران ويخنقها سياسيا وعسكريا واستراتيجيا غير أن العكس كان هو الصحيح فقد إحتاجت أمريكا إلي إيران في مساعدتها علي إحتلال العراق وبقاءها الأمن (عسكريا وسياسيا) وقد انتهزت إيران هذه الفرصة ودعمت الوجود الأمريكي في العراق لما لمرجعيات قم الروحية والدينية من تأثير كبير علي المرجعيات الشيعية العراقية وكان ثمن هذه المساعدة هو غض الطرف عن برنامج إيران النووي وحصره في إطار مباحثات شكلية وعقوبات إقتصاديةتحفظ ماء الوجه السياسي لأمريكا وحلفائها الأوربيين

لتكون إيران قوة إقليمية كبيرة يحسب لها ألف حساب

4وللإنصاف لم يكن الخطأ الكارثي لأمريكا وحدها فقد إرتكب النظام السوري هو الأخر خطأ كارثي في استعانته بالقوة العسكرية الإيرانية لإخماد ثورة الشعب السوري ضد نظام بشار الأسد فبدلا من أن توجه هذه النيران والقذائف والبراميل المتفجرة إلي قوات الإحتلال الإسرائيلي في الجولان المحتل منذ عام 1967 تم توجيهها إلي الشعب السوري في حلب وأدلب وحمص وحماه لحماية نظام بشار وضمان بقائه في كرسي الحكم لتدخل أمريكا وتحالفها الأوروبي هي الأخري حتي لا تنفرد إيران بالوجود والنفوذ في الأراضي السورية.

ليكون الوجود الإيراني في سوريا تحصيل حاصل أو تأكيد علي قوة إيران في المنطقة تماما كما يدل علي ذلك وجودها في اليمن ودعمها جماعة الحوثي إلي جانب تواجدها في العراق ودعمها لحزب الله اللبناني.

كان لابد من هذا العرض التاريخي الموجز للنشاط السياسي والعسكري وتعاطي إيران مع قضايا المنطقة لتفسير وقراءة ماهو جاري علي الأرض الأن .

فإيران حاضرة منذ اللحظة الأولي لأحداث 7 أكتوبر 2023 وماتلاها من عدوان اسرائيلي علي غزة سواء في تصريحات القادة الإيرانيين أو الإسرائيليين أو الأمريكيين والأوربيين وتدور هذه التصريحات في إطار المناورات السياسية المحسوبة بدقة والتي مهما تصاعدت فلن تصل في أي لحظة إلي المواجهات العسكرية المباشرة فالأطراف جميعها لا تحتاج للحرب فإيران أصبحت قوة إقليمية وأفلتت بالمفاعل النووي الخاص بها دون حرب أو قتال والحرب الوحيدة التي خاضتها كانت حربها مع العراق (دولة عربية) وكذلك أمريكا وحلفاءها لا يريدون هم الأخرين مواجهة عسكرية مع إيران والتي بالتأكيد لن تسمن ولا تغني من جوع عسكري أو إستراتيجي أو أمني طالما بقيت إسرائيل وأساطيل الناتو في مأمن عن الصواريخ والأسلحة الإيرانية بل الأكثر من ذلك أن تعاظم الدور الإيراني يخدم أمريكا في إحكام قبضتها علي الأنظمة العربية ودفعها نحو تبني السياسة الأمريكية والتعاطي مع مفرداتها في التطبيع مع اسرائيل والتمسك بالحليف الأمريكي الذي يحميهم من التغول الإيراني في المنطقة.

وفي ضوء هذا الواقع الإستراتيجي يمكننا فهم وقراءة خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله والذي ألقاه الجمعة الماضية

والذي لم يلبي الطموحات الشعبية التي طمعت في إعلان حزب الله الحرب علي إسرائيل مباشرة تضامنا مع غزة وبالغ البعض في طموحاته أن تعلن إيران الحرب مباشرة علي إسرائيل بالوكالة عن الدول العربية والتي هي الأخري تعاطت مع أحداث 7 أكتوبر والعدوان الإسرائيلي علي غزة بتبني الأجندة الأمريكية المفروضة منذ كامب ديفيد وهي إعتبار إسرائيل دولة شريكة في المنطقة قابلة للتعايش السلمي والتطبيع ومفاوضات السلام علي المدي الطويل والتي يمكن أن تأتي بثمرة الإعتراف بدولة فلسطينية إلي جانب الإقرار والتسليم سياسيا وأمنيا أن كل من حزب الله وحركة حماس حركات إرهابية بالمعني الأمني للكلمة وأنهما مجرد أدوات لإيران لإثارة القلاقل وتعكير جو التطبيع والسلام في المنطقة وهذا مايفسر سر الصمت العربي ازاء مايحدث في غزة

لنتساءل في الأخير سؤالا مشروعا

ماذا ربحت إيران من عداءها مع أمريكا

وماذا خسر العرب من صداقتهم وتحالفهم مع أمريكا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق