أسرار وحكايات

من كنوز متحف الفن الإسلامى

كتب : ابوالعلا خليل
تابوت الشريف إسماعيل بن ثعلب الجعفرى ( 613هـ / 1216م ) …
من درر مايقتنيه متحف الفن الإسلامى بباب الخلق من العصر الأيوبى ، ثلاثة جوانب من تابوت خشبى لأمير الحاج ونقيب الأشراف الزينبيين بالديار المصرية الحسيب النسيب الأمير فخرالدين إسماعيل بن حصن الدين ثعلب بن يعقوب بن مسلم بن أبى جميل الجعفرى الزينبى .
ويتألف كل جانب من مناطق مستطيلة تضم بعضها حشوات ذوات زخارف نباتية وبينها كتابات بخط النسخ ، حيث تتكون من ثلاثة أشرطة عرضية ، فبأعلى الحشوة شريط كتابى ضيق بخط الثلث على أرضية نباتية ، وبأسفله شريط آخر أكثر إتساعا به زخارف نباتية تتكون من الأفرع الملتفة التى تنتهى بمراوح وأنصاف مراوح نخيلية ، وأوراق عنب ثلاثية مثقوبة الوسط ، أما الشريط الأخير فهو أوسعهم ومقسم إلى مربعات ومستطيلات تحصر أشرطة كتابية بخط الثلث على أرضية نباتية ، وشغلت المربعات والمستطيلات بزخارف نباتية من أفرع ملتفة وأوراق نباتية ثلاثية ، وهيئات مختلفة من المراوح النخيلية منها ماهو ذو فصين جانبين ، أو أختزل فيه أحد الفصين على هيئة ألتواء بسيط ، أما الزخارف الكتابية التى تشغل المساحات بين المناطق المربعة والمستطيلة فهى تبدأ بآيات قرآنية من سورتى البقرة والأعراف ، ثم يختتم بألقاب وأسماء صاحب التابوت الأمير حصن الدين ثعلب .
أما الجانب الرابع لهذا التابوت والذى يحوى تاريخ الوفاة ” توفى يوم الجمعة مستهل رجب الفرد من شهور سنة ثلاث عشرة وستماية فتغمده الله برضوانه وأسكنه فى مقر جنانه وصلى الله على سيدنا محمد وآله ، فمحفوظ بمتحف فكتوريا وألبرت بلندن .
نقلت هذه الحشوات من تربة الشريف فخرالدين إسماعيل ” والتى أنشأها لنفسه ” بشارع سيدى عقبة بقرافة الأمام الشافعى ، وصارت من بعده مثوى لعقبه وذريته آل ثعالبة .
يذكر شمس الدين بن الزيات فى الكواكب السيارة ( … وإذا أخذت فى الطريق المسلوك قاصدا إلى مشهد السيدة كلثم تجد على يمينك تربة كبيرة بها السادة الأشراف أولاد ابن ثعلب ) .
ولم يتبق من تربة ” السادات الثعالبة ” سوى كتلة المدخل والأيوان المقبى ، ويعد أقدم أيوان مقبى فى عمارة مصر الإسلامية .
يذكر د. أحمد فكرى فى مساجد القاهرة ومدارسها ( وأغلب الظن أن هذه القاعة أو الأيوان كانت هى نفس الضريح المدفون فيه صاحب البناء ، وأن تابوته كان موضوعا فى وسطها ، وأنه ذود بمحراب على غرار المشاهد الفاطمية يحدد به إتجاه القبلة للمصلين من المترحمين على صاحب الضريح ) .
تولى الشريف فخرالدين إسماعيل بن ثعلب – صاحب هذه الحشوات الخشبية بالمتحف – إمارة قافلة الحج المصرى عام 591هـ ، وعن ذلك يذكر العينى فى عقد الجمان فى تاريخ أهل الزمان فى حوادث عام 591هـ ( وفيها حج بالناس من مصر الشريف إسماعيل بن ثعلب الجعفرى من ولد جعفر بن أبى طالب ) .
وكذا عام 592هـ ، وهى السنة الرابعة من ولاية العزيز عثمان بن صلاح الدين يوسف على مصر . يذكر الشيخ أحمد الرشيدى فى حسن الصفا والأبتهاج ( وفى سنة إثنتين وتسعين وخمسمائة كان أمير الحاج الشريف إسماعيل ابن ثعلب الجعفرى ، ووقع بعد خروجه من مكة هبوب ريح أسود عم الدنيا ، ووقع على الناس فيها رمل أسود ، وسقط من البيت الشريف قطعة من الركن اليمانى ، وتجرد من كسوته مرارا لتمزيق الريح لها وإلقائها بالمسجد الحرام ) .
كانت إمارة الحج تشريف لمن يتولاها ، ورغم أن الشريف فخرالدين إسماعيل بن ثعلب لم يتولاها سوى عامين فقط – 591هـ ، 592هـ إلا إنه حرص على أن يسجل على تابوته الخشبى ” … ركن الدولة وناصرها أمير ألحاج والحرمين … “.
ومن المناصب الجليلة التى تولاها الشريف فخرالدين إسماعيل بن ثعلب صاحب هذه الحشوات ” نقيبا للأشراف الزينبيين بالديار المصرية ” وفيها قام على إعمار مشهد جدته رئيسة الديوان السيدة زينب بنت الأمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه ، يذكر الإمام محمد زكى إبراهيم فى مراقد أهل البيت فى القاهرة ” ” ( وفى القرن السادس الهجرى أيام الملك العادل سيف الدين أبوبكر بن أيوب أجرى بالمشهد الزينبى عمارة أمير مصر ونقيب الأشراف الزينبيين بها الشريف فخرالدين بن ثعلب الجعفرى الزينبى صاحب البساتين المعروفة ” بمنشأة بن ثعلب ” وهناك شارع بهذا الأسم فى المنطقة ، ومنشئ المدرسة الشريفية التى تعرف الآن ” بجامع العربى بالجودرية ” ) .
وعن ” منشأة ابن ثعلب ” يذكر المقريزى فى الخطط ( وأما منشأة ابن ثعلب فاءنها بالقرب من باب اللوق ، وحكرت فى أيام الشريف الكبير فخرالدين إسماعيل بن ثعلب الجعفرى فعرفت به ، وكان بستان ابن ثعلب بستانا عظيم القدر مساحته خمسة وسبعون فدانا ، فيه سائر الفواكه بأسرها ، وكان على بستان أبن ثعلب سور مبنى وله باب جليل . وانتقل البستان من بعده إلى ابنه الأمير حصن الدين ثعلب ، فاشتراه منه الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل محمد بثلاثة الاف دينار مصرية فى شهر رجب سنة ثلاث واربعين وستمائة ) .
وعن ” المدرسة الشريفية ” التى ذكرها صاحب مراقد أهل البيت فى القاهرة يذكر المقريزى فى الخطط ( المدرسة الشريفية هى بدرب كركامة على رأس حارة الجودرية ، وقفها الأمير الكبير الشريف فخرالدين أبونصر إسماعيل ابن حصن الدولة فخرالعرب ثعلب بن يعقوب ابن مسلم ابن أبى جميل دحية بن جعفر بن موسى بن إبراهيم بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن على بن عبدالله بن جعفر بن أبى طالب رضى الله عنه الجعفرى الزينبى أمير الحاج والزائرين وأحد أمراء مصر فى الدولة الأيوبية ، وتمت فى سنة أثنتى عشرة وستمائة ، وهى من مدارس الفقهاء الشافعية ) .
وعن جامع العربى يذكر على مبارك فى الخطط التوفيقية ” ( زاوية العربى هى على رأس حارة الجودرية قرب الفحامين ، كانت مدرسة تعرف بالشريفية تخربت فجددها السيد أحمد بن الشيخ عبدالسلام المغربى سنة خمس ومائتين وألف وغير معالمها فجعلها زاوية للصلاة ، ثم عرفت بأبن العربى لدفنه بها ، ولها مطهرة وأوقاف جارية عليها تحت نظر الديوان وشعائرها الإسلامية مقامة ) .
وبلغ كرم الشريف إسماعيل بن ثعلب وجوده ، أنه خرج عن كل مايملكه ، وكان من جملة ذلك المدرسة الشريفية لأنها كانت مسكنه ، ووقف عليها أملاكه ، وكذلك فعل فى غيرها . .
وفى شهر ربيع الأول عام 592هـ نكبت البلاد بالأمراض ، وعزت الأقوات ، وكثرت الطرحى من الأموات على الطرقات ، وأكثرهم مات جوعا . يذكر المقريزى فى السلوك ( وعدم القمح إلا من جهة الشريف إبن ثعلب ، فاءن مراكبه تتواصل وتبيع بشونه ) .
ومن جميل شعر الأديب النفيس القطرسى فى الشريف إسماعيل بن ثعلب الجعفرى صاحب التربة بالأمام والمدرسة بالجودرية والحشوات الخشبية بالمتحف :
مدحت الجعفرى فما أثابت يداه فظن مدحى للثواب
وماكان إحتساب الأجر فيه على كذب المدائح فى الحساب .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق