أسرار وحكاياتالمميزة

السحر عند المصري القديم والبحث عن الخلود

 

 

علم السحر :-

 

يمكننا تعريف السحر فى مصر القديمة (حكا) بأنه الطاقة الأزلية/الأولية” التى تتخلل العالم الالهى/السماوى و عالم البشر و تصل كلا منهما بالآخر .

فى مصر القديمة لم يكن هناك حدودا فاصلة بين عالم الأحياء و عالم الموتى .

و اذا كان هناك معيار يمكن أن نقسم به البشر الى فريقين فهذا المعيار هو القدرة على الاتصال بالعالم الالهى .

هناك كائنات لديها القدرة على أن تستقطب الطاقة الكامنة فى أسماء ال “نترو” (الكيانات الالهية) ,

و هناك كائنات أقل قدرة على القيام بذلك . يكمن سر الأسماء و سحرها فى اللغة المصرية القديمة .

ان تعلم اللغة المصرية القديمة هو السبيل الوحيد لمعرفة أسماء ال “نترو” و التواصل مع القوى الالهية التى تعبر عنها تلك الأسماء ,

و لذلك أطلق قدماء المصريين على لغتهم اسم “مدو نتر” أى الكلمات الالهية/المقدسة .

لم يكن المصرى القديم ينظر للكون نظرة عقلانية مادية تفصل بين العالم المادى و العوالم الماورائية .

فأى شئ فى عالمنا يمكن أن تسكنه قوة روحية ماورائية ,

حتى و ان بدا للأعين شيئا جامدا لا يتحرك .يمكن لأى شئ مادى أن يكون وعاءا تسكنه القوى الالهية .

و من أمثلة ذلك تيجان ملوك مصر و التى لم تكن مجرد أدوات للزينة , و انما أدوات للتواصل مع العالم الالهى .

فالمادة و الروح من أصل واحد , و لذلك ليس من العجيب أن تتحول أبسط الأشياء المادية الى كيانات روحية واعية يمكن للانسان أن يتواصل معها .

و أهم شئ فى ممارسة السحر هو ادراك الخيط الرفيع الذى يربط كل الأشياء و يصهر كل الكائنات فى وحدة كونية أشبه بالجسد الواحد .

و هذا التعريف لعلم السحر يكفى لاثبات أن السحر فى مصر القديمة لم يكن مجرد شعوذة أو ممارسات بدائية ,

و انما هو علم مقدس يقوم عليه متخصصون أمضوا سنوات طويلة فى البحث و الدراسة لكى يصلوا أخيرا لمعرفة القوى الالهية التى تنظم الكون

 

أشهر السحرة فى مصر القديمة :-

من أشهر السحرة فى مصر أيضا الأمير “خا ام واست”

و هو الابن الرابع من أبناء الملك رمسيس الثانى (أسرة 19 , دولة حديثه , حوالى 1300 سنه قبل الميلاد) ,

وكاهن بتاح الأكبر

و عمدة مدينة منف .

قام الأمير “خا ام واست” بتشييد و ترميم العديد من الصروح المعمارية و كان مولعا بالهندسه المعمارية و بدراسة النصوص القديمة و منها كتب السحر علم السحر ,

و قد عرف عنه الحكمة و الشغف بالعلوم الماورائية , و نسجت حوله مجموعة من أشهر قصص السحر فى مصر القديمة و تعرف باسم حكايات

الساحر “ساتنى” .

تدور أحداث واحدة من هذه الحكايات حول مباراة للسحر بين ساحر مصرى يدعى “سى أوزير” و ساحر كوشى أتى لمصر قاصدا الحاق الخزى و العار بها فى شخص ملكها

و لكن الساحر المصرى ينتصر على الساحر الكوشى و يلقى عليه تعويذه سحرية فيحرقه أمام ملك مصر و حشد من نبلائها و أشرافها , ثم يتبين للجميع أن هذا الساحر عاش فى مصر قبل 1500 سنه

و أنه عاد و تجسد مرة أخرى ليحمى مصر من شر الساحر الكوشى .

و من أشهر السحرة فى تاريخ مصر أيضا الساحر “اس آتوم”

الذى عاش فى العصر المتأخر (فى عصر الملك نكتانبو الثانى (حوالى 359 سنه قبل الميلاد) ,

و اليه يرجع الفضل فى الحفاظ على واحدة من أهم اللوحات السحرية فى مصر القديمة و تعرف باسم لوحة “مترنيتش” ,

و هى تحوى أحد النصوص السحرية التى تستخدم لأغراض العلاج

و خصوصا علاج لدغات الحيات و العقارب .

كان الكاهن “اس آتوم” ذات يوم فى زيارة لموقع دفن عجول “مر ور” المقدسة بمدينة “ايونو” (هليوبوليس) و لاحظ وجود بعض النقوش السحرية الهامة التى بدأت تتعرض للتلف .

و لكى يحافظ على النص المقدس قام الكاهن “اس آتوم” باعادة نسخه فوق لوحة كبيرة و هى التى عرفت فيما بعد لدى الأثريين باسم لوحة “مترنيتش” .

و هناك أيضا الساحر “حارنوفيس”

و هو آخر السحرة المعروفين فى تاريخ مصر .

شهد حارنوفيس معركة موردافيا سنة 172 ميلادية مع قوات ماركوس أوريليوس ,

و عندما بدأ الجيش الرومانى يعانى من نقص فى المياه ,

قام الساحر المصرى حارنوفيس بطقوس سحرية أدت لسقوط الأمطار و بذلك أنقذ جيش ماركوس أوريليوس من الهلاك و برهن على قوة السحر المصرى .

تشكل القرابين أحد الركائز الأساسية التى تقوم عليها الطقوس السحرية ,

بحيث يمكننا أن نقول أن ألف باء السحر هى قديم القرابين للنترو (الكيانات الالهية) فى موعدها و بالطريقة الصحيحة .

من خلال القرابين يمكن لطاقة الحياة أن تجدد نفسها .

و على رأس كل القرابين كان تقديم الملك قربان الماعت

(النظام و التناغم) لرب الماعت (الاله الخالق)

كانت الفوضى هى أكثر ما يخشاه المصريون القدماء ,

و لذلك كان الحرص الشديد على اقامة النظام ,

و هى مسئولية الملك فى المقام الأول .

ان النوايا الطيبة وحدها لا تكفى لازاحة قوى الفوضى و الظلام و منعها من التدخل فى النظام الكونى و افساده و تهديده بالانهيار أو من افساد النظام الجتماعى و تهديد الحضارة الانسانية بالانهيار .

لذلك كان علم السحر هو سلاح المصرى القديم لحماية المجتمع و حماية النظام الكونى كله .

فالسحر هو الذى يحمى قارب الشمس فى مداره الفلكى

و يساعده ليكمل رحلته بسلام ,

و هو الذى يساعد أرواح الموتى فى الحصول على الطعام فى العالم الآخر ,

و هو الذى يحمى النظام الذى تقوم عليه الدولة ,

و يضمن عودة الأعياد التى يحتفل بها الشعب المصرى .

بدون الطقوس السحرية التى يقيمها الكهنة فى المعابد

(و هى مؤسسات ترعاها الدولة)

لا يأتى الفيضان فى موعده

, و لا تروى الحقول فى موعدها ,

و لا يجد الصيادون صيدا وفيرا من الحيوانات و الأسماك ,

و لا يتمكن الصنايعية من انجاز عملهم ,

و لا تستطيع المعابد أن تقوم بدورها .

فالسحر ملازم للنظام و النور ,

و هو الذى يزيح عوامل الفوضى و الفساد و التحلل و يمنع كل أسباب العطب

 

علم السحر لا يعرف الارتجال :-

لم تكن كتب السحر المصرية مجرد شطحات خيال أو شعوذات هواة

و انما هى نتاج مؤسسات علمية قامت تحت رعاية الدولة تعرف باسم مدارس بيت الحياة .

تشكل مكتبات بيت الحياة جزءا هاما من الأرشيف الملكى الذى يحوى العلوم الكونية المصرية .

و من أهم أهداف علم السحر فى مصر القديمة حماية الملك من الطاقات السلبية .

يصف عالم المصريات الفرنسى “جان يويوت” (Jean Yoyotte) السحر المصرى بهذه العبارات :-

*** ان السحر المصرى هو علم ترعاه الدولة ,

و أول ما يلفت الانتباه عند دراسته هو تجانس الممارسات السحرية

و بعدها عن الارتجال و العشوائية ,

و تصالحها مع العقل بحيث يمكن دراستها كأى علم يقوم على مبادئ و قواعد يمكن للعقل استيعابها .

كما يسترعى انتباهنا أيضا تلك السكينة التى تحيط برموز السحر

و هى سكينة تنبع من رؤية المصرى القديم للكون و التى تقوم على مبدأ وحدة الوجود ***

من الخطأ أن ننظر للسحر المصرى على أنه ممارسات شخصية , فتلك رؤية سطحية جدا لعلم السحر المقدس .

و اذا كانت هناك ممارسات سحرية شخصية ظلت حية فى الموروث الشعبى

فان هذه الممارسات ليست سوى برهان على التدهور الذى أصاب علم السحر على مر الزمن و جعله يفقد مغزاه الأصلى .

كان السحر فى مصر القديمة علما مقدسا ترعاه الدولة ,

فكل طقس من طقوس المعابد هو جزء من الممارسات السحرية .

و بعبارة أخرى ان كل طقس دينى هو فى الأصل طقس سحرى

بدون “حكا” (السحر) لا يمكن للانسان أن يصل للحياة الأبدية .

فعند الانتقال من بوابات الموت تمنح النصوص السحرية روح المتوفى الشجاعة و تمدها بالمعرفة التى تحتاجها لاجتياز العقبات

و الخروج الى النهار بسلام . يطوف الساحر فى السموات ,

و عندما يمر بمجموعة نجوم أوريون (أوزير) يقف أمامها و يخاطبها قائلا :

أنه ابتلع قوى الحياة

و أنه ملأ جوفه بأرواح الأرباب الأزليين الذين شاركوا فى خلق الكون و أنه يعرف أسماءهم .

يسمع أوريون نداء الساحر ويعرف أنه قد عرف سر اسم كل قوة من القوى و أنه لم ينس أيا منها ,

و عندئذ يولد الساحر من جديد على هيئة نجم يضئ بنوره فى السماء

تلك هى غاية الساحر و الهدف الأسمى من رحلته فى الحياة :

أن يتحول الى نجم يضئ الطريق لغيره من البشر

 

السحر و الزمن الأول :-

يؤكد سحرة مصر القديمة (و هم جميعا من الكهنة) أن أسرار علمهم المقدس تعود للأزل ؛ لبداية البداية .

و هذا ليس مجرد ادعاء و انما هو أساس علم السحر الذى يعتمد على فكرة العودة للنماذج الأزلية و لعالم الصور الأولية الذى تدور حوله أساطير الخلق .

على الساحر أن يظل فى حالة “اتصال/وصل” دائم بمهندس الكون و خالقه .

كل طقس من الطقوس التى يقوم بها الساحر هو اعادة تكرار لفعل من أفعال الخلق

يقوم الساحر فى ممارساته اليومية باعادة أحداث النشأة الأولى بشكل طقسى

و بذلك يأتى بالزمن الأول

(الزمن الذى وقعت فيه أحداث قصة الخلق) و يصله بالزمن الحاضر,

وبذلك يصل عالمنا المادى الزائل بعالم الصور الأولية الخالد ,

و يعيد عالمنا مرة أخرى الى صورته النقية التى كان عليها فى البدء .ان الزمن الذى يحيا فيه الساحر و ينتمى اليه هو الزمن الأول

(الزمن الذى وقعت فيه أحداث نشأة الكون) .

عند دراسة السحر يصل الانسان الى تلك الشرارة الأولى أو القبس الالهى الذى انبثقت منه معجزة الخلق ,

و هو “حكا” , رمز الخلق من النور الالهى .

لا مجال للحديث عن سحر أبيض و سحر أسود عند قدماء المصريين

ففى مصر القديمة لا يوجد سوى سحر واحد فقط :

سحر الشمس التى تحمل لنا النور الالهى الذى يستمد منه الساحر علمه و نوره .

و ما عدا ذلك فهو شعوذه و حيل خداعة و سعى وراء القوة

 

السحر و النظام الكونى :-

كان السحر فى مصر القديمة علما بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانى

لا ننكر بالطبع أن الممارسات السحرية شهدت على مر العصور ظهور هواة قاموا باستخدموا بعض الأكواد السحرية البسيطة فى طقوس شعبية ساذجة ,

الا أن السحر بمعناه الحقيقى (كما عرفه كهنة مصر القديمة) كان علما مقدسا و سريا ,

و كانت أسرار ذلك العلم لا تكشف الا لنخبة من الكهنة العلماء الذين يمكن مقارنتهم بعلماء الذرة فى عصرنا الحديث .

ان الهدف من وجود علم السحر فى الأصل هو حماية النظام الكونى من عوامل الفوضى و الهدم .

فالسحر المصرى ليس له علاقة بالارتجال أو الحيل الخداعة ,

و انما هو علم يقوم على اتباع خطوات محددة يعرفها الساحر ويعرف كيف يتحكم فيها .

ان وجود الانسان مرهون بقوانين الاتزان الكونى ,

و هذا الاتزان الذى يعتمد عليه وجود الانسان ليس بمأمن من المخاطر

هناك دائما عوامل تهدد هذا الاتزان .

تتمثل هذه العوامل الهدامة فى الأرواح الشريرة

و الزومبى (جثامين موتى بمقدورها التحرك و ايذاء الأحياء)

و العين الشريرة مثل عين الحسود ؛

باختصار كل طاقة سلبية يمكنها أن تدمر أى شئ أمامها .

و واجب الساحر فى المقام الأول هو …

أن يتصدى لهذه القوى الهدامة و الطاقات السلبية

و يقوم بتحجيمها و تقليل تأثيراتها السلبية على حياة البشر .

و على الساحر أيضا …

أن يمنع قوى الفوضى من التدخل فى اللحظات الحاسمة فى حياة الانسان

مثل لحظة الولادة و الزواج و الموت ,

و لحظة انتهاء عام و بداية عام جديد

 

السحر : هدية “رع” للانسانية :-

جاء فى أحد نصوص الحكمة المصرية

و يطلق عليه تعاليم “مرى كا رع”

أن رع وهب البشر علم السحر ليكون سلاحهم اذا أصابهم مكروه

أو رماهم القدر بسهامه .

فهناك أقدار محددة مسبقا تحكم حياتنا ,

و من وقت لآخر تفاجئنا الأحداث بحلوها و مرها

و تجعلنا نشعر أننا لسنا المتحكمين فى مصائرنا .

لم ينكر قدماء المصريين هيمنة الأقدار على حياتنا

و أن “المكتوب ع الجبين لازم تشوفه العين” ,

و لكنهم فى نفس الوقت اعتقدوا أن الانسان بامكانه أن ينجو من سهام القدر باستخدام علم (أو فن) السحر .

بممارسة فن السحر يمكننا أن نتغلب على أسوأ ما تأتى به المقادير , سواء على المستوى الفردى أو الجمعى (أى الشعب المصرى كله) ,

و بسلاح السحر يمكننا أن نحول سهام القدر و أن نتقادى الفخاخ و الحفر قبل الوقوع فيها .

 

السحر مخيف

يبدو السحر شيئا مخيفا فقط لمن يجهل ذلك العلم

ينظر علماء العصر الحديث لانسان الحضارات القديمة باستعلاء ويصمونه بالبدائية لأن عقل الانسان فى تلك الأزمنة لم يعرف أى حواجز بين المادى و الماورائى .

وقف الانسان القديم أمام الظواهر الطبيعية فى رهبة و خشوع لأنه رأها تجسيدا لكيانات ماورائية .

و فى الحقيقة ان هذه النظرة المتعالية التى ينظر بها علماء العصر الحديث لانسان الحضارات القديمة ليس لها ما يبررها .

فمن المدهش أن نفس العلماء الذين يدعون امتلاك الحقيقة يقفون مرتبكين أمام علم السحر

و لا يعرفون تفسيرا للظواهر الماورائية التى حيرت أعظم العقول و أكثرها ذكاءا .

و ما زال العلم الحديث يبحث عن اجابات لأسئلة وجودية طالما حيرت عقل الانسان منذ أقدم العصور ,

مثل السؤال عن بداية و نهاية الوجود

كان سحرة مصر القديمة مطلعين على الكثير من أسرار الكون ,

و نستطيع أن نتعلم الكثير من حكمتهم

.ان القوة الالهية التى تمد المخلوقات بطاقة الحياة ليست فوق مستوى عقل الانسان كما يظن البعض

و ليست بعيدة عن مداركه .

يمكن للانسان أن يدرك هذه القوة الالهية و أن يتصل بها مباشرة , لأنها فى الحقيقة تسكن بداخله ؛ فى محراب قلبه .

عند قيام الساحر باكتشاف هذه القوة و التواصل معها يكون مدركا تماما أن كل ما يفعله فى هذا العالم له مردود فى العوالم الأخرى ,

و كأنه لا توجد أى حواجز تفصل بين عالمنا المادى و بين العوالم الماورائية .

ان معرفة رب السحر ( و يطلق عليه فى مصر القديمة اسم “حكا” ) و التواصل معه هى التى تكشف للساحر سر الأسرار و تجعله يدخل فى صحبة ال “نترو” (للكيانات الالهية) و يصير فى معيتهم .

و عند الموت , يحتفظ الساحر بقدراته السحرية التى تساعده فى الوصول للحقيقة المطلقة و للخلود ,

و تعينه على اختراق كل الحدود ,

و اجتياز كل العقبات الى أن يصل للغاية و المنتهى ,

و ينتقل للعالم السماوى/الالهى .

 

جعران القلب :-

يلعب جعران القلب…

(و هو جعران يوضع فوق قلب المومياء بعد تحنيطها)

دورا هاما فى انتقال الانسان من الحياة الدنيا للحياة الآخرة .

يرمز الجعران للتحولات التى تطرأ على وعى الانسان

و التى تنتهى بالبعث أو الولادة الروحية .

عن طريق جعران القلب كان الساحر فى مصر القديمة ينقل للمتوفى جزءا من طاقة “حكا” (السحر الأزلى/الكونى) التى تساعده على عبور أكثر المناطق ظلمة فى العالم السفلى ,

و هى المناطق التى تتعرض فيها أرواح الموتى لهجوم من قوى الفوضى و الظلام التى تسكن تلك المناطق .

بعد ارتحال روح المتوفى فى مختلف مناطق العالم السفلى تصل فى النهاية الى شواطئ حقول أو الايارو .

فاذا كان المتوفى من المبجلين (الصالحين) تعلن الكيانات الالهية أنه أتى بقلب سليم .

تبدأ أولى خطوات هذه الرحلة فى الحياة الدنيا ,

حيث يضع الانسان فى قلبه أول بذرة للنور الذى سيضئ له طريقه فى العالم الآخر .

و الهدف من علم السحر هو ايقاظ البصيرة و الوعى الروحى لدى الانسان .

 

ذكاء القلب (الحدس) :-

السحر فى الأصل هو البصيرة , و مركز البصيرة هو القلب .

و القلب المقصود هنا ليس العضو المادى الذى يضخ الدم فى الجسم , و انما قلب آخر .

يمتلك الانسان قلبا آخر يبقى بعد موت الجسم المادى ,

و هذا القلب هو مركز الوعى الروحى .

اعتقد المصرى القديم أن قلب المرء هو الشاهد عليه ,

و لا يمكن الكذب عليه أو خداعه .

ان ذكاء القلب يتخيل و يفكر و يصدر الأوامر للأعصاب و العضلات و الجوارح , و يمكن الحواس من العمل بالشكل الأمثل .

كل شئ ينبع من القلب و يعود اليه مرة أخرى .

فالقلب يرسل و يستقبل المشاعر و الانطباعات التى تعود اليه مرة أخرى لكى يمزجها جميعا و يستخلص المعرفة من المعلومات التى يحصل عليها من العالم الخارجى .

جاء فى مذهب “منف” للخلق أن “بتاح” بدأ خلق الكون حين قدر المشيئة بقلبه قبل أن ينطق بها لسانه .

كل كائن حى لديه قلب هو قبس من قلب الاله الذى قدر المشيئة فى الأزل .

فى محراب القلب يسكن الاله ,

و لذلك نجد أن القلب هو الذى يشهد على المرء حين يقف أمام قضاة الماعت يوم الحساب ,

و هو أيضا دليله و مرشده فى حياته الدنيا .

يعتمد نجاح الساحر على نقاء قلبه و قوة اتصاله بالاله .

على الساحر أن يغذى ذكاء القلب ,

لأن هذا الذكاء هو الذى سيمكنه من اكتشاف ما خفى من أسرار الكون

 

النصوص السحرية :-

ترك لنا كهنة مصر القديمة آلاف النصوص التى تتناول الطقوس

و الممارسات السحرية .

قام علماء المصريات بجمع هذه المصادر تحت عنوان “النصوص الدينية – السحرية” .

تبين لنا القراءة السريعة لهذه النصوص الأهداف التى كان المصريون القدماء يسعون لتحقيقها من الطقوس السحرية ,

و يمكننا أن نوجزها فى النقاط التالية .

*** البركة و الصحة وطول العمر للأحياء

*** تزويد الموتى بالطعام فى العالم السفلى

*** حماية الأحياء من الموت بلدغة حية أو عقرب

*** مساعدة المتوفى على الدخول و الخروج من البوابة الشرقية للسماء (أى امتلاك القدرة على الطواف فى أنحاء الكون) .

*** مساعدة الموتى على معرفة سكان الغرب (العالم السفلى) من الأجداد و الأسلاف .

مما سبق يتبين لنا أن الطقوس السحرية فى مصر القديمة كان لها أهداف بعضها دنيوى و الآخر روحى (دينى) .

و فى الحقيقة ان المزج بين عالم الأحياء و عالم الموتى ,

و بين الدنيا و الآخرة ,

و بين عالم المادة

و عالم الروح يعتبر من أهم سمات الفكر المصرى

.لم يكن هناك أى حواجز فاصلة بين الحياة الدنيا و الحياة الآخرة فى نظر المصرى القديم ,

فالاثنان وجهان لعملة واحدة , و أحدهما يكمل الآخر .

جاء فى أحد النصوص المدونة على جدران مقبرة “بتوزيريس” العبارات التالية :-

*** احرص على أن لا تحيد عن طريق الاله ,

فمن يفعل ذلك يهبه الاله غبطة القلب و الرضا و يبارك له فى رزقه وفى عمره ,

و يحظى باحترام أهل بلدته ,

و يتمتع بالحيوية و نضارة الشباب

فيصير جسده كجسد صبى عفى ,

و يبارك له الاله فى ذريته ,

و يرى أطفاله يكبرون أمام عينه الى أن يصيروا من النبلاء والأشراف فى بلدتهم ,

و تتبعه ذريته وتسير على خطاه و تحيى ذكراه جيلا بعد جيل …

و حين تنتهى حياته على الأرض يذهب الى الجبانه بعد أن يقوم نوبيس بتحنيط جثمانه فى بيت الجمال (بيت التحنيط) ,

حاملا معه غبطة القلب التى ترافقه فى حياته الأخرى ,

كما رافقته فى حياته الدنيا ***

 

السحر الأزلى (حكا) :-

كان المصرى القديم يعتقد فى وجود عوالم أخرى ماورائية بخلاف عالمنا المادى .

و هذه العوالم لا تتواجد كجزر منعزلة عن بعضها البعض .

فعالم الأرض ليس منفصلا عن عالم السماء ,

و انما هناك طاقة روحية منبعثة من السموات تخترق عالمنا المادى و تتخلل كل شئ فيه .

أطلق المصريون القدماء على هذه الطاقة الروحية اسم “حكا”

لا يعرف اللغويون على وجه الدقة الأصل الاشتقاقى لهذه الكلمة ,

و لكنها تترجم عادة بمعنى “السحر” أو السيطرة على القوى الكونية , بمعنى معرفة كيفية التعامل معها و استخدامها فى تنظيم الحياة على الأرض .

اذا أراد المرء أن يصبح ساحرا فعليه أن يكون مدركا لكل القوى التى تنظم الحياه فى العالم المادى و يتعلم كيف يتعامل معها .

و لكن تعلم السحر ليس شيئا سهلا ,

فلا يمكن للمرء أن يتعلم السحر من تلقاء نفسه ,

و انما عليه أن يتلقى ذلك العلم فى المدارس المتخصصة الملحقة بالمعابد .

أطلق المصريون القدماء على هذه المدارس اسم بيوت الحياة ,

و فيها يتلقى التلميذ علم السحر على أيدى أساتذة متخصصين لا يسمحون للطالب باستخدام هذا العلم المقدس لأهوائه الشخصية .

كان الحكماء فى الماضى يدركون أن هناك حقيقة واحدة أزلية ,

و هى “السحر” أو بمعنى أدق “السحر الأزلى/الكونى” ,

و هى الطاقة الكونية الأزلية التى قامت بالمعجزة الكبرى ؛

معجزة “خلق الكون” .

ليس هناك معجزة أكبر من معجزة الخلق ,

و هذا هو السبب فى الارتباط بين مفهوم السحر و المعجزة .

آمن المصرى القديم بفكرة “الكون الحى” ,

فلا شئ فى الكون يخلو من طاقة الحياه .

ان مجرد التفكير فى أن هناك شئ ما “جامد/هامد” فى الكون يدل على عمى البصيرة .

لا شئ ميت أو جامد فى الكون .

الكون كله حى .و الانسان كغيره من المخلوقات هو نتاج تفاعل بين عدة قوى كونية .

فهل يخضع الانسان لهذه القوى و يستسلم لها ,

أم يحاول فهمها و التعامل معها ؟

يتوقف مصير الانسان على الاجابة عن هذا السؤال .

فمن يخضع للقوانين بدون فهم يصبح عبدا ,

و من يسعى للفهم يصبح سيد مصيره

مقدم من قصص حقيقيه مضحكه و مبكيه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق