أقلام حرّة

التحول الرقمي وبيئات الأعمال الرقمية الناشئة

 

بقلم: فتحي ندا

إذا تَبَنَتْ شركةٌ ما التكنولوجيا الرقمية لا يعنى هذا أنها أصبحت شركة رقمية.

أصبح طبيعي أن نعترف بدور التكنولوجيا الرقمية في إحداث طفرات اقتصادية، لكن التحدي الحقيقي أصبح يتمثل في معرفة كيفية تحقيق الاستفادة المُثلى من الأنواع المختلفة من القيمة التي تقدمها تلك التكنولوجيا، وفى حضور دائم لتقييم شامل ومتابعة متطورة لما يمكن أن تقدمه تلك التكنولوجيا الرقمية.

حيث يمر التحول الرقمي بمستويات تطور يرد بيانها فيما يلي:

الأول -كفاءة التشغيل: تتبنى إحدى الشركات إجراء عملية فحص مؤتمتة حديثة تعتمد على الرؤية لمتابعة العمليات التصنيعية في مصانعها من خلال تكنولوجيا الواقع المعزز والواقع الافتراضي وانترنت الأشياء والذكاء الصناعي، ذلك لتحسين اكتشاف الأخطاء أو العيوب وتقليلها في منتجاتها.

هنا تتولد البيانات من التكنولوجيا الجديدة المستخدمة في أصول المصنع ” خطوط الإنتاج”، يَستَخدِم الذكاء الصناعي هذه البيانات في اكتشاف عيوب التصنيع وتقليلها أو منعها بشكل فوري.

الثاني -كفاءة تشغيل متقدمة: إحدى شركات إنتاج معدات الإنشاء والتشييد والبناء تقوم بتركيب أجهزة استشعار على منتجاتها لتتبع كيفية استخدام كل منها في مواقع العمل، فوجدت كمثال أن زبائنها يستخدمون معدات تمهيد الطرق المخصصة لتسوية الأتربة أكثر في تسوية الحصى. بناءا على هذه البيانات ابتكرت الشركة معدات تمهيد للطرق مزودة بمحركات ذات كفاءة أعلى من حيث التكلفة ومصممة لتسوية الحصى.

في كلا المثالين السابقين: كلا الشركتين استفادت من الكفاءة التشغيلية في تحسين وتطوير منتجاتها، مع الفارق في المثال الأول أتت البيانات من أصول الشركة ” خطوط الإنتاج “في عنابر إنتاجها داخل مصانعها، في حين أتت البيانات في المثال الثاني عبر أجهزة الاستشعار التي استمدت بياناتها من الزبائن الذين استخدموا منتجاتها. يفرض هذا البعد الجديد المرتبط بالزبائن تحديا إضافيا حيث تذهب مكتسبات كفاءة التشغيل هنا الى ما هو أبعد وأرقى من مستوى استخدام الأصول.

الثالث -خدمات معتمدة على البيانات من سلاسل القيمة: إحدى شركات إنتاج الطائرات تتعقب بيانات أجهزة استشعار المحركات وتحللها باستخدام الذكاء الصناعي وتقدم نصائح للطيارين بأسلوب استخدام أمثل يوفر كمية من الوقود المستخدم بدون تلك النصائح، مقابل ذلك تحصل الشركة على نسبة من قيمة القود الذي تم توفيره.

هنا يلزم تغيير نموذج العمل السائد من نموذج مُصَمم لمجرد إنتاج منتجات وبيعها فقط الى نموذج يُتيح خدمات -معتمدة على البيانات -الى الزبائن الرقميين، كما يتطلب هذا النموذج أن تكون وحدات البحث والتطوير والتسويق والمبيعات وخدمات ما بعد البيع متصلة رقميا لتلقى بيانات أجهزة الاستشعار وانترنت الأشياء المتولدة من كم هائل من الأجهزة المنفصلة وتحليل تلك البيانات والتوصل الى نتائج مفيدة ومشاركتها والتفاعل معها بشكل فورى.

وبما أن هذا النموذج سيفضى الى مزيد من الإيرادات فبالطبع سيؤدي ذلك الى مزيد من البحث والتطور.

الرابع -خدمات معتمدة على البيانات من المنصات الرقمية: شركة انتاج معدات رياضية تستخدم بيانات أجهزة الاستشعار من منتجاتها لتطوير مجتمع مستخدمي معداتها، وتستخدمها بعد ذلك لتسهيل أنشطة تبادل البيانات بين زبائنها الرقميين والعديد من الأطراف الأخرى ” طرف ثالث ” خارج نطاق سلاسل قيمتها. كما يعمل الذكاء الصناعي هنا على مطابقة “تواصل” مستخدمين محددين مع مدربين مناسبين بناءا على تحليل بيانات المنتجات والمستخدمين. مثلما تفعل شركات نقل الركاب مثل “أوبر” حيث تقوم بتطابق “تواصل” الركاب مع السائقين الذين يستخدمون البيانات من تطبيقاتها الرقمية.

تحقق هذه الشركة إيرادات إضافية من خلال تقديمها خدمات معتمدة على البيانات، ولكن هذه المرة من خلال توسيع نطاق عرض منتجاتها الى المنصات الرقمية.

هذه النقلة النوعية من التحول هي الأكثر تحدى للشركات القديمة من العصر الصناعي، وللشركات قليلة الخبرة بالمنصات الرقمية والتي تعمل وفق نموذج يعتمد على سلاسل القيمة.

• للتفكير في التحول الرقمي يجب الإدراك جيدا أن التكنولوجيا الرقمية الحديثة تقوم على عاملين بارزين للقيمة هما: (1) البيانات بدورها الأشمل الجديد، و(2) وبيئات الأعمال الرقمية الناشئة.

 البيانات بعد أن كانت عرضية (تتولد من أحداث منفصلة)، أصبحت تفاعلية (تتولد بشكل مستمر من أجهزة الاستشعار وانترنت الأشياء) لتتبع البيانات وقد يؤدى تتبع البيانات ذلك الى زيادة الإنتاج وتنوع الإيرادات.

التفاعل الحاصل باستخدام التكنولوجيا الرقمية الحديثة بين المنتجات والمستخدمين يعكس دور المنتجات والبيانات، وبمعنى آخر كانت البيانات تدعم المنتجات في الماضي، على العكس فاليوم تزايد دعم المنتجات للبيانات، فلم تعد المنتجات تقدم فقط قدرات وظيفية أو توليد إيرادات أو تدعم علاماتها التجارية، بل أصبحت اليوم تمثل قنوات للبيانات التفاعلية ومصدر وصول لتجارب العملاء الجديدة.

لتحقيق الاستفادة الكاملة من الدور الأشمل للبيانات التفاعلية فالأمر يحتاج الى شبكات توليد واستلام البيانات، قد تتشكل تلك الشبكات من أجهزة الاستشعار وانترنت الأشياء والذكاء الصناعي التي تُشكِل بيئات العمل الرقمي.

 

 التطورات الحديثة في البيانات والتواصل الرقمي أدى الى ظهور نوعين رئيسيين من بيئات الأعمال الرقمية الجديدة هما:

الأولى: بيئة عمل الإنتاج وتشمل الروابط الرقمية داخل “ضمن” سلاسل القيمة مثال: لو فكرنا في شركة سيارات يمكنها تقديم خدمة الصيانة التنبئية من خلال ربط بيانات أجهزة الاستشعار وانترنت الأشياء المتولدة من السيارة بموردي ومستودعات قطع الغيار وتجار الخدمة.

والثانية: بيئة عمل الاستهلاك وتتضمن الشبكات خارج سلسلة القيمة للشركة، مثال: لو فكرنا في مصابيح الإضاءة الذكية في الشوارع المصممة لاستشعار الطلق الناري والتي تكون أحد مكونات بيئة عمل استهلاك رقمية تضم معها بيانات متولدة من كاميرات وخدمة طوارئ وسيارات اسعاف تعمل مجتمعة على تحسين السلامة في الشوارع.

بيئتى عمل الإنتاج والإستهلاك والتي تغذيها البيانات التفاعلية كلاهما تدعم خلق قيمة جديدة، وينطبق ذلك مستويات التحول الرقمي التي عرضنا لها أعلاه، حيث تعتمد المستويات الثلاثة الأولى على بيئات عمل الإنتاج، والرابع على بيئات عمل الإستهلاك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق