أقلام حرّة

الحرب النفسية … وذخيرة الكلمة

بقلم: فتحي ندا

الحرب النفسية: نعنى بها ممارسة التأثير النفسي (السيكولوجي) بغرض تقوية وتدعيم الروح المعنوية لأفراد الأمة ” تأثير إيجابي “، وتحطيم الروح المعنوية لأفراد العدو ” تأثير سلبي”، وهي ليست حرب بالمعنى التقليدي (الكلاسيكي – أسلحة وذخائر وجنود وقادة …الخ)، هي حرب تندلع أوقات السلم وأيضا أوقات الحروب ” التقليدية ” وتلعب فيها الكلمة – العلنية أو الخفية سواء كانت شفهية أو مكتوبة – دورا هاما في التأثير على الاتجاهات النفسية للإنسان حيث تستهدف الجانب السيكولوجي للفرد (أي: ميوله، اتجاهاته، دوافعه، عواطفه، انتماءاته) ولا تستهدف عقله أو جسده.
الحرب النفسية تؤثر على الإنسان وقد تصل الى أعماقه إن تمكنت -بأساليبها السوية وغير السوية، المرئية وغير المرئية -من التأثير على عاطفته ومشاعره إذ أنها تخاطب أحاسيس الفرد وعواطفه والتأثير عليها ولا تخاطب عقله الذي يفكر به ولا تسعى اليه، فهي حرب الكلمة والدعاية.
تلعب الدعاية بوسائلها المختلفة والتي توجه الى فئات معينة من الأفراد دورا هاما في الحرب النفسية، والشائعات كذلك تلعب دورا خطيرا في تحطيم الروح المعنوية.
استخدام الحرب النفسية قديم قدم الإنسان مع اختلاف وتطور المحتوى والأهداف والأساليب والفنيات، هذا النوع من الحرب تطور كثيرا واتخذ اشكالا فنية وتطبيقية متقدمة جدا ويعتمد في تقدمه على معطيات عدة علوم منها:
(1) علم الاجتماع Sociology (2) علم النفس Psychology
(3) علم الأنثروبولوجيا الثقافية cultural anthropology
(4) علم النفس الاجتماعي Social Psychology (5) علم القياس الاجتماعي Sociometry
(6) وعلم السكان Demography (7) علم النفس الحربي Military Psychology
مفهوم الحرب النفسية هو أحد أهم المفاهيم الاجتماعية وهي تحتل مكانة بارزة في مجال علم النفس الحربي Military Psychology، وعلم النفس الاجتماعي Social Psychology وأصبحت الحرب النفسية علماً قائما بذاته له متخصصين وعلماء يعملون على تطويره وابتكار الطرق والأساليب التي تجعل منه سببا قويا في كسب الحروب أو خسارتها.
وتتلخص أهم أهداف وأساليب الحرب النفسية فيما يلي:
• إضعاف الجبهة الداخلية للعدو وإحداث ثغرات بها، وذلك بتشجيع الجماعات والطوائف المناوئة والمعارضة لنظام الحكم على الإنشقاق وتشكيك جماهير العدو في قيادته السياسية وقواته المحاربة.
• إحداث حالة من فقدان الثقة بين أفراد العدو وقياداتهم، عن طريق تضخيم وتهويل أخطاء القادة أو اختلاقها وتضخيمها.
• السعي لفقد الثقة بين المدنيين والعسكريين من أبناء البلد العدو، وذلك بالعمل على تفتيت الوحدة بينهما.
• بث اليأس والإحباط في نفوس أفراد العدو، وذلك بالتهوين من إمكاناتهم وأسلحتهم وعتادهم.
• تحطيم الروح المعنوية الدفاعية والهجومية لجنود العدو المحاربين والأفراد المدنيين من أبناء العدو، عن طريق أساليب الحرب النفسية الحديثة.
كما يمكن تلخيص أسس ومبادئ الارتكاز للحرب النفسية فيما يأتي: –
• الأفعال لا الأقوال، الاعتماد على حقائق الأعمال فهي أعلى صوتا وأقوى تأثيرا من الأقوال الجوفاء، وأن عملا صحيحا واحدا يخدم أ كثر من آلاف الأقوال الغير مرتبطة بعمل.
• المنطق الرصين القوى أقرب الى الناس وأبلغ في التعبير من اللهجة الغوغائية المعتمدة على الصوت العالي والشتائم والسباب والنيل من خصوصيات الناس.
• الهجوم أكثر فائدة من الدفاع، وأن السلام يرتكز على الاستعداد للحرب. كما يقول المثل اللاتيني (إذا أردت السلام فاستعد للحرب).
• إبراز الحقائق، والارتكاز عليها كأسلوب للهجوم السيكولوجي على العدو، فذكر الحقيقة يؤدى الى نجاح الحرب النفسية خاصة مع التسليم بأن الحقيقة يتم ذكرها بأساليب وطرق وفى توقيتات مختلفة ومتباينة لخدمة نجاح هذه الحرب.
هذا ولا يقتصر دور الحرب النفسية فقط على التأثير السلبي على العدو، بل هناك دور إيجابي يتمثل في تدعيم ورفع الروح المعنوية الدفاعية والهجومية لدى أفراد الجيوش التي تستخدم الحرب النفسية ضد العدو، فالحرب النفسية تعتبر أن الجيش قوة جمعية وطاقة يمكن استغلالها الى اقصى حد إذا أُحِسنَ توجيهها اجتماعيا وسيكولوجيا وتربويا، وأن القضاء على ما يراود أفراده من مشكلات وعلاقات سيئة تتسم بالمد والجزر والتجاذب والتنافر، والقضاء على المشكلات التي تربط الأفراد بأسرهم وبالمجتمع، والترفيه والخدمات الاجتماعية ووسائل الدعاية والإعلام والترشيد وربط القوة الحربية المقاتلة بالغايات الاجتماعية ينعكس كل ذلك إيجابيا بشكل واضح على الروح المعنوية لأفراد هذه الجيوش ويدعم روحها المعنوية الدفاعية والهجومية ومن ثم الروح القتالية.
هدف الحرب النفسية ليس الوجود المادي (البناء الجسدي) لأفراد العدو، بل هدفها هو الجانب السيكولوجي لهؤلاء الأفراد، وتعمل على هدم الكيان النفسي والروح المعنوية لأفراد العدو مستخدمة في ذلك أسلحة معنوية رهيبة مثل: الدعاية والشائعات وغسيل المخ، وذخيرة كل تلك الأسلحة هي الكلمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق