تحقيقات وتقارير

كيف نحمى أولادنا من ذوى الإعاقة من الإساءة ؟

 

 

بقلم دكتور ياسر جمعة

 

تعرف المادة (19) من إتفاقية حقوق الطفل الصادرة من الأمم المتحدة عام 1989 العنف بأنه ” كل أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة أو الإهمال أو المعاملة التى تنطوى على إهمال ، وإساءة معاملة أو إستغلال بما فى ذلك الإساءة الجنسية .

 

تمثل الإساءة الموجهة إلى الطفل ذى الاعاقة أى فعل أو تهديد بفعل من قبل والديه أو القائمين على رعايته أو المحيطين به يؤدى إلى إحداث أذى جسمى أو نفسى أو جنسى ، أو يحد من حريته بسبب إعاقته الجسمية أو العقلية ، أو النمائية أو التعليمية وغيرها من أشكال الإعاقة ، ويدفع به إلى أى من الصور المختلفة للإستغلال ، ويؤدى إلى الإضرار به ، وعرقله نموه وتوافقه .

 

ولا تعنى الإساءة الاعتداء الجسدى أو المعنوى على ذوى الاعاقة فحسب ، بل تعنى جميع أشكال السلوك الفردى والجماعى المباشر وغير المباشر الذى ينال من الشخص ذى الاعاقة ، ويحط من قدره ، ويحول بينه وبين الحصول على حقوقه المشروعة ، بل يسلبه هذه الحقوق عن طريق إهماله وإذلاله ، والحط من شأنه ، وإيذائه جسدياً ولفظياً .

 

تسهم عوامل عديدة فى جعل الأطفال ذوى الاعاقة أكثر عرضه لإساءة المعاملة من غيرهم من الأطفال ، من بين هذه العوامل ما هو راجع الى خصائص الطفل ذى الاعاقة نفسه ، ومنها ما هو راجع إلى خصائص الطفل الأسرية ، وإلى طبيعة وخصائص المؤسسات التى يفترض أنها تقوم على خدمة الطفل ورعايته ، وما يتعلق بالخصائص البيئية والاتجاهات الاجتماعية نحو ذوى الإعاقة

 

من العوامل التى تجعل الأطفال ذوى الاعاقة أكثر عرضة للإساءة والإهمال والإيذاء من غيرهم الخصائص الشخصية للأطفال ذوى الإعاقة وعجزهم عن الدفاع عن أنفسهم ، تدنى المستوى الاجتماعى والاقتصادى والثقافى لأسرهم ، التوترات والضغوط التى تتعرض لها أسرهم نتيجة الاعاقة ، عدم تفهم أسر الأطفال ذوى الاعاقة لخصائص ابنهم أو ابنتهم ذى الاعاقة واحتياجاته ومتطلبات نموه ، الاقامة داخل مؤسسات داخلية ، علاوة على الاتجاهات المجتمعية السلبية نحو الأطفال ذوى الاعاقة ، والمعتقدات الثقافية الخاطئة المرتبطة بالإعاقات ، بالاضافة الى الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالإعاقة ، وإنخفاض مستوى الدعم الثقافى والاجتماعى والاقتصادى لأسر الأطفال ذوى الاعاقة ، بالاضافة الى الافتقار الى برامج الإرشاد النفسى الفردى والجماعى للأطفال ذوى الاعاقة ، والإرشاد النفسى الأسرى لذويهم .

 

تختلف أشكال الإساءة وتتعدد تبعا لكل من البيئة أو الوسط الذى تقع فيه ، والأساليب والمواد المستخدمة فى إرتكابه ، والجانب المضار من شخصية الطفل ، فلو تحدثنا عن أشكال الاساءة وفقا للبيئة فتتعدد ما بين إساءة مدرسية ، أسرية ، مجتمعية ، بيئة العمل ، الأندية .

 

كثيرا ما ترتكب الإساءة بمباركة الأسرة ضد الطفل ذى الإعاقة مبكراً ، كما هو الحال فى قتل الأجنة ، أو ما يُعرف بالقتل الرحيم اعتقاداً منه بأن الموت أفضل بالنسبة إليه لأنه سيعانى كثيراً لو وُلد بإعاقة ما ، واستخدام العقاب البدنى أسلوباً للضبط السلوكى للأطفال ، أو نوعاً من العقاب ، وذلك عندما لا يؤدون واجباتهم المدرسية بشكل ملائم ، وامتهان شخصية الأطفال ذوى الاعاقة وجعلهم هدفا متكرراً للتهكم والسخرية والاستهزاء واللوم والتهديد والنقد المستمر ، والشتم ، والتفرقة والاضطهاد .

 

التمييز فى المعاملة بين الأطفال بسبب الإعاقة ، وعدم العدالة فى تقويم أدائهم ، ويقع هذا النمط فى الإساءة داخل بعض المؤسسات التى يُفترض أنها تقوم على حماية الأطفال ذوى الاعاقة ، وتقديم الرعاية والخدمات خصوصاً لمن لا يستطيعون العيش منهم مع أسرهم ، أو الذين لا مأوى لهم كمؤسسات الرعاية والتأهيل ، والملاجئ ، ومؤسسات رعاية الأطفال الجانحين واليتامى ومجهولى النسب ، ويُلاحظ أن معظم هذه المؤسسات ذو طبيعة مغلقة ومقيدة ، ويخضع لنظام الإقامة الداخلية الدائمة أو المؤقتة ، ومن أشكال الإساءة فى هذه المؤسسات الإساءة الجسدية كالتعذيب ، والضرب بالعصى والجلد ، والتقييد والحبس ، ومنه أيضاً الإساءة الجنسية والاغتصاب من قبل بعض الشباب أو البالغين والمسئولين فى مراكز الرعاية ، فضلاً عن الإساءة اللفظية بالشتم والسباب وإطلاق الألفاظ البذيئة وإهمال الأطفال وعدم تلقيهم صنوف الرعاية اللازمة .

 

أيها السيدات والسادة تمثل التوعية ضرورة لكل من يتعامل مع ذوى الاعاقة ؛ حتى يتعرف كل منهم دوره فى حمايتهم من الإساءة ، وسوء المعاملة ، وفى هذا السياق تمثل التوعية بخصائص هؤلاء الأطفال ، واحتياجاتهم والإيذاء الموجه ضدهم نقطة بداية واجبة ، يضاف إليها تثقيف المتعاملين مع المعوقين بكيفية الاكتشاف المبكر لحالات الانتهاكات من خلال العلامات الدالة على وقوع الإيذاء ، والإبلاغ عن هذه الحالات ، وتستلزم الوقاية التوعية بإعتبارها مطلباً قبلياً ، وتنبع أهميتها من كونها تُحد من الانتهاكات التى قد تُرتكب ضد الأطفال ؛ ذلك أنه من المتوقع ترتيباً على نجاح توعية المتعاملين مع الأطفال ذوى الاعاقة بطبيعتهم وطبيعة الاساءة الموجهة إليهم توافر وسط يجنبهم إياها ، ثم إن هذه التوعية يمكن نقلها من هؤلاء المتعاملين إلى الأطفال أنفسهم ، فينتقل مفهوم الوقاية بدوره إليهم ، ويتعلمون كيف يحمون أنفسهم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق