أقلام حرّة

لبنى عادل تكتب: الان نستحق الحياة

 

 

لا تَسعُني ولا اسَعُها، لا تُجديني ولا اُجديها إلا كالظمئان المبتور الأيدي أمام صنبور مياه يجري ولا يبلغ منه إلا
أن يبلل فاه وتظل هي تجري دون فائدة
عن حياتي اتحدث
حين أموت ستعرفوني، تأتوني، تبكوني لبعض الوقت، تنعوني بطيب ذكرى، تمضون معي ساعات قليله تحملون فيها جسدي ليواريه التراب وتنصرفون كل يعمل على شاكلته وانا قد انقضى عملي
اتذكر يوما كنت واقفه في شرفة بيت عتيق كنت اسكنه وقتها، كنت انظر بعمق لشرفة البيت أسفل منه، كنت قد سمعت
بعض الأحاديث عن سكانه القدامى، كانت الشرفة غير محكمة الغلق، بالشكل الكافي لتدفق بصيص من أشعة الشمس داخل البيت، كان يكسوها التراب بشكل يجعلك لا تعرف ماذا كان لونها، اقتات السوس عليها حتى أصبحت أشبه بالمصفاه،
تُرى؟
من أغلق هذه الشرفة على هذه المهيه، فيما كان يفكر وقتها، واين ذهب، هل كان يعلم أنه لن يعاود فتحها وغلقها جديدا؟
لانت روحي لحال هذه الشرفة وكيف أصبحت وحيده، ثم ناجتني بأصوات من خلفها كأنما تشكو لي، اسمعتني أصواتا لأطفال يصرخون، يضحكون، ام تنادي إليهم كي يتناولوا غذائهم، هذه الجدة على المقعد الذي أصبح صديقها وهي تسأل عن مكان خفها الذي أخبأه الصغار كي تتوضأ، وتحث الصغارعلي خفض أصواتهم كي ترتاح، وصوت زوج يعود إلى بيته منهك من التعب، يقبل يد والدته ويحتضن زوجته وأولاده، وزوار في المساء لا ينقطعون؛
أرادت الشرفة أن تريني كيف كان هذا البيت ينبض بالحياه، والان اصبح خاويا على عروشه
، مات البيت بموت سكانه ولم يبقى به أحدا يرى الشمس إلا تلك الشرفة؛
كما مت انا الأخرى حينما تناسيت أن أعيش وتذكرت ذلك بعد أن مضى الوقت، ليتنا ندرك أن كلنا ضيوف لن يتبقى منا إلا ذكرى وبقايا شرفه متهالكة؛
حين أموت قلبوا في دفاتري أو لا تقلبوها أحرقوها فليس لها جدوى، مجرد حروف تشابكت لتنسج كلمات، تروي لكم، (كان هناك قلب كلما حاول أن يفرح سُرقت فرحته وابكته دنياه)
لكني مازلت اتمسك بنفسي اتمسك بروحي لأجل جميع من تعلقوا بها ليس لكوني محور الكون لديهم ولا لأنهم يظنوا هذا لكنها مراره الخذلان التي أخشى أن يرثوها بحياتهم بسببي، كان لزاما عليّ إدراك ماهية الحياة وما يجب أن تسير عليه لكني اقسم اني حاولت بكل قوتي حتى تآكلت نفسي كما تآكلت عصا سليمان ولم يعد أمامها إلا السقوط، ربما استعطفت تلك الدواب الصغيره أن توقف عملها وتمهلني قليلا حتى يدرك من تعلقت مصائرهم بي انه لا جدوى من وجودي ويأذنوا لي بالرحيل؛
إن أمد الله في عمري ساعلم أولادي كيف يسرقوا فرحتهم من الدنيا لأنها لا تمنحها لاحد ولا يقارنوا الا من يهونها عليهم، وان يهبوا الفرحه مادام كان باستطاعتهم وإن لم يكن لا يبدلوها بدمع، وان من أراد اسعادهم سيفعل دون أن يضطر أن يُشقي قلوبهم؛
وسأترك لك أثرا أيضا يا صغيري، لاتسمح لأحد أن
يسرقك أو يتعدى على كينونتك فإنك زائل وهم زائلون، كن جريئا طيب القلب كما عاهدتك دوما، من يحملك على
، الكذب اتركه وراء ظهرك
أخبر ذويك واحبتك اني اتمنى الموت كل لحظه كي أكف عنك عناء لا تتحمله وشقاء ضاقت به اضلعك، وان الدنيا لا تساوي عندي دمعه تقطرها عيناك وإن كانت لأجلي، وان اكفي لاتستحق الحياه إن لم تمسحها عنك؛
ليتني اموت لاتركك باكرا تعتاد الحياة بدوني، وتبحث عن مباهجها، وتحاول إرضاء نفسك وإرضاء من حولك إن وجدت في إرضائهم وسيله لإرضاء روحك
ليتني اموت لأكتب الفصل الأخير في روايتي وارقد بسلام انتظرك؛
والقاك من جديد في عالم موازي،غير عالمنا المادي وبعيدا عن الميتافيزيقيه البغيضة، بدت لي كجزيره بهية، يعلوها النخيل والأشجار الكثيفة، أوراقها تغازل وجه السماء برقه”كانما تحاكيها سرا لا يعرفه غيرنا، ويدنوها أمواج صافيه تتسابق لتعانق شاطئها برفق وتقبله بخفه
ومابين الادني والأقصى، نتقابل، نتعارف بلا ألقاب بلا حدود للزمان أو المكان، لا تزيين لاقصور لا أوراق ولا عناوين، لا ندرك حتى أعمارنا، لانعلم غير اسمائنا، ولانعرف اشكالنا إلا من إنتظار إنعكاس ضي القمر على صفحات المياه، أو إنعكاس ضوءه في بريق عينينا، هي مرايتنا وهي بطاقات تعريفنا، وقتها اقترب إلى اُذنك هامسه(مرحبا بك في عالمنا، الان نستحق الحياة)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق