أقلام حرّة

د.مني صبحى نور الدين تكتب:الكورونا تأثيراتها الإقتصادية وإعادة التوازن العالمى

 

لقد عانى العالم وما زال يعانى من أزمات إقتصادية وبيئية عابرة للحدود على مراحل زمنية متعاقبة تركت أثرها على الشعوب وإعادة رسم خرائط حركة الإعانات والمساعدات الدولية ففى الوقت الذى تعانى فيه كثير من الدول من الفقر المدقع كانت تعيش دول أخرى كثيرة الثراء الفاحش والرفاهية غير المتناهية .
ولما كان الكوكب قائم على التوازن وهو الأصل حدث اختلال بيئى و إقتصادى واجتماعى ففى الوقت الذى تنادى فيه الدول الكبرى بالديمقراطية كانت تمارس الديكتاتورية بأبشع صورها وجبروتها لدى الدول والشعوب الأخرى فى عملية غير متزنة على الإطلاق .
وافتتح المقال بعنوان الكورونا وتأثيراتها الإقتصادية و إعادة التوازن العالمى .
وسيتم التركيز على قطاع النقل الجوى والطيران العالمى .
للكورونا تأثيرات كبيرة وتداعيات عظيمة على ركود الاقتصاد العالمى قد تؤدى فى النهاية إلى حدوث كساد عظيم وإن كانت بدأت بوادره تلوح من قرب بتوقف النمو الاقتصادى العالمى .
وفى الحقيقة لم يكن عام ٢٠٢٠ هو العام الوحيد الذى شهد ركود إقتصادي بل حدثت أمور مشابهة فى الأزمة التى اجتاحت العالم أجمع فى عام ١٩٢٩ وكذلك فى عام ٢٠٠٨ أعقبها عولمة سريعة متطورة ومتلاحقة نتج عنها ضعف كيان وهشاشة النظام الرأسمالي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وصراعاتها الإقتصادية من أجل بقاءها القطب الأوحد فى العالم .
ومن ثم ظهر الغضب الأمريكى فى صور متعددة ومنها الحرب التجارية على الصين بعد أن توسع المارد الصينى فى علاقاته المتشابكة مع كل دول العالم والذى كاد أن يعلن نهاية الرأسمالية وبداية نظام جديد مبنى على الاشتراكية واحترام الشعوب ولما ذاع صيتها من خلال طريق الحرير ومبادرة الحزام والطريق الذى أصبح صاروخا موجها نحو الولايات المتحدة الأمريكية ومهددا إياها بنظام عالمى يكفله ويدعمه حتى من قبل دول رأسمالية أخرى أوروبية .
ولما كان الناتج المحلى فى الصين قارب من خمس الناتج المحلى العالمى وجاء فى المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة التى قاربت من الربع وكذلك تحقيق الصين لأعلى معدل صادرات على مستوى العالم وإمكانية وصول منتجاتها إلى كل دول العالم ، وكذلك سلسلة الاجراءات الحمائية التى اتخذتها الولايات المتحدة من رفع التعريفات الجمركية على الواردات منها وممارسة الضغوط على الحكومة الصينية وخفض قيمة اليوان الصينى مقابل الدولار الأمريكي وتراجع معدلات الإستثمار الأجنبى المباشر للصين فى الولايات المتحدة الأمريكية من ٤٦ مليار دولار عام ٢٠١٦ إلى ١٣ مليار دولار عام ٢٠١٨ ، وما أجبرت عليه الصين من توقيع اتفاقيات تجارية وعلى الرغم من ذلك ففى ظل إنتشار الكورونا جاء ذلك فى مصلحة الصين من خلال تأجيل ورفع رسوم جمركية مفروضة .
وذلك امتدادا لأزمات الولايات المتحدة الأمريكية المفتعلة دوما كقوى عظمى كما حدث فى الأزمة المالية العالمية عام ٢٠٠٨ أصبحت الصين مستهدفة .
إلا أنه ثبت بالتجربة فى مواجهة الفيروس التخلي الأمريكى عن قيادة العالم وقت الأزمة ومن ثم كشف الحقيقة وتغير وجه العالم .
ومن عولمة طريق الحرير إلى عولمة الكورونا سوف يقاد العالم رغما عنه من قبل الأقوى مواجهة والأقوى استدامة وفى مقابل الوقت اليسير الذى أخذته الصين فى مواجهة الكورونا نجد كثير من الدول فى التلاشى والانهيار تماما والاستسلام .
وأن العزلة الإقتصادية والاجتماعية للدول إذا زادت حدتها ستنذر فى القريب العاجل عن إنهيار للقوى العظمى وتسليم رايتها ايذانا بمولد كيان جديد قد تسوده قيم العدالة بين الشعوب ويحيى القيم الإنسانية فى مقابل التوغل الموحش وربما بيئة أقل تلوثا و أكثر أمانا وأكثر تحضرا و يعيد إلى العالم توازنه الحقيقى .
ولقد عانى العالم من خسائر إقتصادية كبيرة فى معظم القطاعات ولعل أبرزها قطاعات النقل والطاقة والتجارة والسياحة وخاصة بعد إنتشار الفيروس عبر معظم دول العالم.
ففى مجال النقل كان النقل الجوى هو الأكثر تأثرا على مستوى العالم وقد حددت منظمة الطيران الدولى ( ICAO ) توقعاتها بأن تتراوح خسائر شركات قطاع الطيران بسبب إلغاء الرحلات الجوية ما بين ٤.٥ _ ٥ مليار دولار ، ومن المتوقع وصولها إلى ٣٠ مليار دولار ، وفى منطقة الشرق الأوسط بلغت الخسائر ١٠٠ مليون دولار .
وقد أعلنت منظمة الإتحاد الدولى للنقل الجوى ( إياتا ) أن فيروس كورونا سيكلف قطاع النقل الجوى ٢٥٢ مليار دولار فى عام ٢٠٢٠ وقد طالب الاتحاد بخطة طوارئ لتوفير ٢٠٠ مليار دولار لإنقاذ صناعة الطيران حيث تضم ٢٩٠ شركة طيران و أعلنت أن السياريو الأسوأ هو خسارة ١٩ % من العائدات العالمية لنقل الركاب بينما وضحت أن انخفاض أسعار النفط سوف يقلل من النفقات بواقع ٢٨ مليار دولار عام ٢٠٢٠ .
وأشارت منظمة الطيران الدولى إلى ضرورة الإلتزام بمعاييرها إلى جانب معايير منظمة الصحة العالمية المتعلقة بالحفاظ على الأنفس والوقاية من المرض وذلك بالتعاون مع الإتحاد الدولى للنقل الجوى ( IATA ) ومجلس المطارات الدولى ( ACI ) لتوجيه شركات الطيران والمطارات على مستوى العالم .
وحث المنظمات ذات الصلة للإنضمام إليها لإدارة أحداث الصحة العامة فى الطيران المدنى .
أما بالنسبة لقطاع النقل البحرى فلم تتأثر إلا سفن الكروز السياحية والخاصة بالسائحين والتى تتميز بتعدد طواقمها العاملة وتعدد جهات السائحين، كما تأثرت بعض سفن المواد الخام وسفن الطاقة والتى انخفضت تكاليف تشغيلها ، بينما ما زالت سفن الحاويات هى الأكثر أمانا وما زالت تمخر عبر البحار والمحيطات إذ تتعلق بالتجارة الدولية لكثير من دول العالم وكذلك تم أخذ إجراءاتها الاحترازية داخل الموانئ وتتميز بقلة العنصر البشرى تماما سواء على السفن أو داخل الموانئ البحرية .
وبالنسبة لبعض القطاعات الأخرى فما زالت بعضها مستمرا داخل الدول كل على حدة فيما يتعلق بالسكك الحديدية أو الكهربائية أو على الطرق البرية وإن كان بشكل قليل فى غير مواعيد الحظر الذى انتهجته كثير من الدول .
وكما كان للكورونا تأثيرها على النقل جاء تاثيرها السلبى على شكل ونمط من أنماط المراكز التجارية العالمية وتوقفها تماما كما هو الحال فى مصر ولم يتم التيقن بعد من ممارسة الانشطة التجارية بنفس الشكل فى حالة فرض حالة الحظر العالمى وعزلة الدول وربما ينهار مثل هذا النمط الذى يتميز بزيادة حجم استثماراته بالمقارنة بانماط أخرى من المراكز التجارية الوطنية والتى تتميز برخص أسعارها .
لننتقل من ذلك إلى الضربة الإقتصادية التى اجتاحت اسواق المال فى العالم وظهرت تأثيراتها على قرارات البنوك المركزية فى كثير من دول العالم ومنها تخفيض سعر الفائدة.
والتساؤل هل ما يحدث هو إعادة توازن العالم مرة أخرى من الدول التى شهدت نموا فى قطاع الخدمات التجارية وحققت رفاهية عالية من خلال الاستثمار فى المشتقات المالية وشراء الأسهم التجارية ونماء نوع من الاقتصادات الهشة وما أحوجنا اليوم إلى العودة لنظام إقتصادى قوى يقوم على الأنشطة الأولية الملموسة وظهور فئة أخرى واستعادة قوتها من أصحاب الياقات الحمراء والزرقاء وياقات أخرى التى تحدث عنها الكسندر فى كتابه Economic geography وظهور نمط الانتاج المادى بمختلف أشكاله والذى انهارت أمامه بعض الأنظمة الأخرى التى صاحبت العولمة بل فاقت حدود العولمة .
بينما ظلت إقتصادات المعرفة والرقمنة واقفة بكل قوة حيث اعتمدت عليها الدول فى ظل المواجهة وذلك بتطبيقها فى مجالات عديدة منها الأنظمة الإليكترونية الحديثة فى التعليم وجميع القطاعات عن بعد ، ولعل هذا القطاع يحقق أرباحا وفوائد جمة قد تظهر بعد فترة من جراء الضغط على هذا القطاع وتحقيق مكاسب إقتصادية ضخمة للشركات .

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. شكرا ليكي ياأستاذتنا علي القاء الضوء علي هذه المواضيع المهمة جدا التي يجب ان يذكرها الجغرافي للوقوف علي واقعها وتحليلها لمعرفة تاثيراتها الحالية و المستقبلية
    بما أن تأثير الكرونا سلبي علي الاقتصاد ولكن ازداد معه استخدام وسائل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق