ثقافة وقراءة

الجواب الماهر/ قصة قصيرة

 

بقلم.. إيمان ماهر

دخلت إميلي في عجاله من الباب الرئيسي المؤدي إليّ قاعة المطالعة و أسرعت في التخلص من قبعتها الكبيرة و معطفتها المبتلين عن آخرهم بماء المطر قبل أن تتسلم نوبة العمل من زميلتها ثم جلست في انتظار رواد المكتبة الراغبين في إستعارة أو إرجاع الكتب .
لم يكن الإقبال شديد في عصر ذلك اليوم علي المكتبة الكبيرة -القابعة بحي من أقدم أحياء لندن -نظراً لهطول الأمطار الذي منع الناس من مغادرة منازلهم فكاد المكان أن يخلو إلا من بعض الباحثين الذين جاءو من أجل الدراسة .
فجاءة انفتح باب القاعة و دخل زائر لم تتوقع “إميلي ” قدومه في ذلك اليوم و لكنها ما أن راته حتي انفرجت اساريرها و اتسعت عيناهاو حاولت جاهدة ان تخفي تلك الابتسامه العريضه التي انارت وجهها
-“مساء الخير آنسة إميلي ”
قالها و هو يخلع قبعته و ينحني في أدب شديد.
-” مساء الخير أستاذ انطوان ،لم أتوقع حضورك اليوم
-“كنت مضطراً للحضور لكي أعيد هذا الكتاب”
– “شكرًا لك ،ألن تقوم بإستعارة كتاب أخر ؟”
-“ليس الأن ،فأنا علي عجلة من أمري .اراكِ لاحقا .طاب يومك .”
السيد ‘أنطوان ‘ هو أحد رواد المكتبه الدؤوبين و هو صديق شخصي ل’إيميلي ‘ و كانت تستشيرة في الكثير من القضايا العامة و الشخصيه نظراً لثقافته الواسعة و أيضا لعمله بسلك القضاء لسنوات طويلة .
و كانت ‘إيميلي’ قد احست مؤخراً بميل شديد تجاه هذا الصديق و لكنها لم تكن تملك الشجاعة الكافية لتخبره بذلك الشعور الذي أخذ يتضاعف مع مرور الوقت .

تناولت الفتاة كتاب أنطوان بإحباط شديد لكي تُعيدة الي حيث ينتمي و ما أن أقتربت من أحد الرفوف حتي سقطت منه ورقه مطوية بإحكام و بداخلها وردة حمراء جافة ،التقطتها ثم فضتها و قلبها يحدثها أن بها سرا خطيرا يخصهما :
“عزيزتي إميلي،
اسمحي لي ان أُناديكي بهذا الإسم العزيز علي قلبي دون ألقاب .لقد مر وقت طويل علي صداقتنا و أعتقد أننا أصبحنا مقربين جداً و لا أُخفي عليكِ أني أصبحت شديد التعلق بكِ ،و أرجو من كل قلبي أن يحظي شعوري بالقبول منكِ بل و أطمح أن يكون متبادلاً .
بأي حال سأنتظر منكِ رداً .
المحب،
أنطوان .”
عندما انتهت من قراءة الرسالة ،كانت عيناها قد اغرورقت بالدموع و قلبها ينبض بعنف و لما لا و قد بات حلمها علي بعض خطوات منها .ثلاثة ايّام مضت منذ تلك الحادثة لم يأتي حبيبها الي المكتبة و أصبحت الفتاة في حالة يرثي لها من الحزن و اليأس ،تتقاذفها الأفكار في كل اتجاه.في ذلك اليوم أنهت ‘ايميلي ‘عملها سريعا و توجهت الي مكان عمله و ما ان وصلت الي البنايه القابعة بأحد ضواحي لندن الهادئة حتي طرقت الباب ففتح لها احد العاملين و اخبرها ان أنطوان سافر في مهمه عمل ستستغرق وقت طويل و لا يعلم متي سيعود و انه ترك لها رسالة .
وصلت الفتاة بعد وقت طويل الي منزلها و أشعلت الضوء و أطلقت تنهيدة ملؤها اليائس قبل ان تفض الرسالة و تقراءها:
“صغيرتي العزيزة ،
كنت في انتظار ردّك حين فاجئني صاحب العمل بفرصة للسفر لإنجاز بعض المهام بدولة مجاورة .ساحاول ان لا أتأخر و سأعلمك فور وصولي ”
بعد هذا الحدث بنحو أسبوعان تقريبا اندلعت الحرب العالميه و لم يتمكن أنطوان من الوفاء بوعده بل لقد انقطعت اخباره تماما .
ثلاثة أعوام مرت و لم يتسرب اليأس الي قلب الفتاة بل كانت عاطفتها نحوه تكبر كل يوم.وكانت تبتعد عن كل من أراد التودد اليها أو التقرب منها .رافضة الاستماع الي نصائح الصديقات بان تتزوج و انه ربما لا يعود و ان عاد فمن المحتمل ان يكون قد نسيها واتخذ زوجه غيرها.
و في صبيحه احد ايّام العطلة ،خرجت إميلي في نزهة علي الأقدام حتي و صلت إليّ الحديقة العامةثم جلست في مقعدها المفضل امام البحيرة و أخذت تتأمل الطبيعة حولها .
مر وقت طويل و هي علي تلك الحالة حتي سمعت صوتاً محبباً إليّ نفسها يناديها من خلفها :
“كنت اعلم أني سأجدك هنا .”
استدارت الفتاة في لهفه
“أنطوان!متي جئت ؟و كيف عرفت أني هنا ؟ حمدلله علي سلامتك .”
“فقط اهدائي .لماذا كل هذا الاضطراب؟”

“أين كنت ؟”
أخذ يتأمل وجهها لمدة دقيقة قبل ان يبتسم
” انتابك القلق بشأني ؟”
” نعم ….لا …أقصد بالطبع فأنت صديق عزيز و قد غبت لسنوات و ….”
” الأن جأني الرد.”
“أي رد ؟”
“الرسالة .ألم تقرايها؟”
“بلي .و لكنك لم تكن تعرف و انا لم أرسل لك أي رد ”
“بل و قد تركت لك رسالة اخري في مكتبي اخبرك فيها بسفري المفاجيء .علي كل حال وصلني ردّك”
“ردي أنا ؟كيف؟”
” أنظري الي حمرةوجهك ،إبتسامتك ،قلقك ،أنفاسك المتلاحقة،برودة يديك ،وهل يوجد رداً ابلغ من ذلك ؟”
تمت

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق