تحقيقات وتقارير

د. مني صبحي نور الدين تكتب: سفن الصحراء وطريق درب الأربعين

يعد طريق درب الأربعين من أهم الطرق التى ما زالت شاهد عيان موقعا وموضعا على الأهمية التاريخية والجغرافية والثقافية عبر إفريقيا ويربط طريق درب الأربعين بين كل من الفاشر فى إقليم دار فور بالسودان جنوبا حتى مدينة امبابة بمحافظة الجيزة شمالا فى مصر ويمر هذا الطريق غرب النيل وأطلق عليه درب الأربعين نظرا لأنه طريق مخصص لتجارة الجمال التى كانت تتوافد من معظم أراضى السودان من كردفان ودار فور حيث توجد قبائل عديدة تهتم برعى الإبل وتجارتها مثل قبائل الأبالة وكانت الرحلة تستغرق أربعين يوما من أقصى غرب السودان حتى مصر وكانت الإبل بمثابة السفن التى تخترق الصحراء وتجوب فيها عبر درب الأربعين التى عبدته تلك التجارة هذا فضلا عن تجارة أنواع اخرى من البضائع مثل العاج والذهب والبخور والتوابل وكان يمر بالعديد من المدن السودانية ومنها قبقبية وكانت تتجمع عند المويلح لتكمل مسيرها إلى دنقلة فى السودان وهى من أهم مدن شمال السودان كما توجد العديد من المزارات السياحية فى السودان مثل قلعة الخندق النوبية وقرية الصحابة التى ترجع تسميتها إلى وصول الصحابة ووجود بعض مدافن الصحابة اللذين أتوا مع عبد الله بن أبى السرح وتوجد بعض المحطات بالقرب من النيل كما يتم وشم الجمال حتى يتم التفريق بينها كما ترتاح بين الحين والآخر على مدار الطريق ثم تواصل سيرها للدخول فى الأراضى المصرية .

وللطريق اهميته التاريخية الكبيرة ليست فقط من الناحية التجارية وإنما الدينية والثقافية حيث ساعد الطريق فى إنتشار الصوفية من خلال دول غرب أفريقيا مرورا بالأراضي السودانية وساهم فى نقل الثقافات بين مصر والسودان ودول غرب أفريقيا كما كان يعد من أهم طرق قوافل الحج الصحراوية لنقل الحجاج من غرب إفريقيا قديما وكان يمر بقرية المكس جنوب واحة باريس وربما ترجع تسمية المكس إلى أنها كانت محط الرحلات التجارية ومنطقة تبادل تجارى تجبى فيها المكوس والضرائب وربما تجبى لتقديم الحماية وتأمين التجارة البرية على الطريق ويوجد بها طابية الدراويش والطابية مكان مرتفع بمثابة حصن للمدينة أما مسمى الدراويش يرجع إلى وجود بعض الطرق الصوفية المارة بالواحة .

ويخدم الطريق دول السودان وجنوب السودان وتشاد وليبيا وكان من العوامل التى ساعدت على انتقال الثقافات عبر القارة وخاصة بعد دخوله الأراضى المصرية وارتباطه ببعض الأودية الجافة التى كانت بمثابة طرق أخرى للقوافل التجارية

وتهتم الحكومة المصرية حاليا بإعادة إحياء الطريق فى ظل الاهتمام بالطرق المحورية الممتدة عبر القارة من الشمال للجنوب وأيضا بعد إنشاء الموانئ البرية التابعة لوزارتي النقل المصرية والسودانية وهى ميناء قسطل المصرى شرق بحيرة ناصر ويقابله فى الجانب السودانى ميناء اشكيت السودانى المتصل بوادى حلفا

وتم افتتاحهما فى ٢٠١٤ وميناءي أرقين السودانى والمصرى غرب البحيرة وتم تشغيلهما فى ٢٠١٦ وتمر عبرهم تجارة الإبل والابقار والتى تحتل أهمية كبيرة فى التجارة بين مصر والسودان .

وفى إطار هذا الاهتمام تعمل الدولة على إحياء طريق درب الأربعين ومد الطرق فى الصحراء الغربية وخاصة فيما بين محافظتي الوادى الجديد واسيوط حيث تعمل تلك الطرق على تنمية حركة التجارة بين البلدين غرب وادى النيل حتى يتم تكامل الطرق كما هو الحال فى شرق النيل .

وفى إطار اهتمام مصر بالظهير الإفريقي ورئاسة الإتحاد الإفريقي وتنمية حركة التجارة بين البلدين مصر والسودان وفى إطار الاهتمام بطريق القاهرة كيب تاون كان لا بد من إعادة إحياء طريق درب الأربعين

وخاصة فى محافظة الوادى الجديد والتى تعد أكبر محافظة حدودية على الحدود بين مصر وليبيا وكذلك على الحدود بين مصر والسودان كما تهتم الدولة فى إطار رغبة بعض الدول الأخرى وخاصة الدول الحبيسة مثل تشاد فى تمرير تجارتها عبر الطرق البرية فى السودان ومصر وصولا إلى الموانئ الساحلية على البحر الأحمر أو للتكملة فى المسير حتى مو انىء البحر المتوسط شمالا .

ولقد ساهم الميناءين البريين على الحدود المصرية السودانية فى تنمية الطرق الجنوبية فى مصر فى الجزء الغربى للنيل عبر ميناء ارقين وهو يعد ميناء بريا ومنفذا شرعيا للتبادل التجارى وخاصة فى ظل وجود زراعات معينة وأهمها الفول والنخيل وكذلك تنمية النشاط السياحى على طول الطريق واستغلال وجود مناطق الحضارات والممالك النوبية القديمة مثل قلعة الخندق ووجود قرية الصحابة ومسجد عبد الله بن أبى السرح الذى يعد أول مظاهر الحضارة الإسلامية فى السودان .

هذا فضلا عن الجانب الشرقى للنيل والذى يعد امتدادا لوادى حلفا التى هجر سكانها مكانها الأصلى الذى كان يقع إلى الشمال على الحدود قبل بناء السد العالى حيث هجر السكان إلى حلفا الجديدة والتى تتصل بطريق برى حتى ميناء اشكيت السودانى ثم ميناء قسطل المصرى على الحدود المصرية السودانية ومنه تنطلق الرحلات عبر الطريق البرى حتى مرسى حجر الشمس فى شرق البحيرة لتعبرها إلى الجانب الآخر ثم تواصل الرحلات طريقها إما شرقا فوق خزان أسوان لتصل إلى شرق أسوان ومنها إلى محافظة البحر الأحمر أو تكمل مسيرها إلى الشمال غرب النيل عبر محافظة الودى الجديد مرورا ببعض مناطق الآثار والقلاع ومنها قلعة الدراويش فى واحة باريس ثم تتصل بطريق أسيوط القاهرة الغربى .

ولا شك أن فى إحياء هذا الطريق طريقا نحو التكامل الاقتصادى بين مصر وبعض الدول الإفريقية وخاصة السودان وضرورة إنشاء مراكز لوجيستية بمحافظتي أسوان والوادى الجديد وكذلك الإنتهاء من كافة الطرق الموصلة للموانئ لتأمين العمق الاستيراتيجى الجنوبى لمصر وتنمية حركة التبادل التجارى عبر القارة الإفريقية وخاصة بعد دخول إتفاقية التجارة الحرة القارية حيز النفاذ فى ٢٠١٩ .

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق