المميزةمقال رئيس التحرير

حكاية السيدة نفيسة!!

 

بقلم.. جمال عبد المجيد

كانت عقارب الساعة تشير إلي الساعة الثانية والنصف ظهرا… عندما هاتفني صديقي الكاتب الصحفي محمد نور وطلب مني مقابلته على وجه السرعة..
سألته.. خير يا محمد
يجيبني..انت فين يا صديقي
ارد قائلا.. الحقيقة أنا مشغول جدا..
مؤكدا لي.. سيب كل اللي في إيدك ولازم  تقابلني في وسط البلد ضروري
خير.. قوللي في حاجه حصلت..
أيوة تعاللي وانت هتعرف…
تركت ما في يدي.. وتركت سيارتي عند أقرب نقطة اطمئن عليها واستقليت مترو الأنفاق وعندما أشارت عقارب الساعة الي الثالثة عصرا كنت قد قابلت محمد نور الذي عزم على المقابلة بعد ان انهي عمله بأخبار اليوم وتوجه لمقابلتي…

وبعد تحية اللقاء سألته عن وجهتنا؛ حتي أخبرني أننا نتجه إلي منطقة الحسين للقاء العارف بالله الشيخ إبراهيم الفشني أحد الشيوخ الكبار والقيادي السابق بوزارة الأوقاف وجار الشيخ محمد متولى الشعراوي وصاحب المضيفة الشهيرة بالحسين التي يفد إليها كل قاص ودان..
وصلنا إلي مسجد الحسين، رضى الله عنه وأرضاه قرأنا الفاتحة لسبط رسول الله وآل بيته الكرام الأطهار ثم على بعد ١٠ خطوات كان المنزل الذي يعيش به الشيخان.. الفشني والشعراوي… إنها قطعة مباركة تجاور أرضا مباركة… وما إن دخلنا إلي منزل الشيخ الفشني حتي تم الترحيب بصديقي محمد وضيفه الذي أتي معه للسلام على الشيخ إبراهيم القشني الذي لم يحالفنى الحظ أنذاك التشرف بلقائه..
جلسنا في المضيفة.. وقبل أن نسأل على أحوال الشيخ حتي وجدنا خلية من الناس تسعي إلي مضايفتنا، فوجدنا” الطبلية” وقد ملئت بطيب الطعام ولا مجال ولا مناص ولا مهرب من الاعتذار عند تناول الطعام الشهي الذي يقدم لكل زائر لهذا البيت فضلا عن كرم حاتم الطائي في كل شئ..
حانت إقامة صلاة العصر، نزلنا وصديقي متجهين للصلاة في مسجد سيدنا الحسين، انتهت الركعات الأربع، طفنا في أرجاء المسجد، التقطنا الصور التذكارية.. دعا كل منا بما شاء..
وعندما خرجنا من المسجد استوقفني صديقي موجها كلامه إلي..
تعالي نسلم على ستنا نفيسه
أسأله باستغراب.. السيدة نفيسه عند مجري العيون بمصر القديمة ونحن هنا في منطقة الحسين بالأزهر..
موضحا كلامه لي ومؤكدا أن”ستنا نفيسه” غير السيدة نفيسه… تعالي وهتعرف كل حاجه..
في دروب أجهلها سار صديقي متسارع الخطي وأنا أسير على دربه متأملا أزقة القاهرة الفاطمية حتي وصلنا إلي أثر تاريخي هو” المسافر خانه” وبجواره تقع ساحة الحاجة زكية بنت عبد المطلب بدوي أم السيدة نفيسة بطلة تلك الحكايه..

السيدة نفيسة وجمال عبد المجيد
السيدة نفيسة والصحفي جمال عبد المجيد

دلف صديقي إلي الداخل وهو يعرف أين يضع قدمه.. وانا استوقفتني قطعة من الرخام مكتوب عليها” ساحة الحاجه زكية عبد المطلب بدوي رضي الله عنها وأرضاها” وقبل أن أحاول فك رموز الاسم ومعرفة التفاصيل حتي وجدت من ينادي علي بصوت عال طالبا مني الدخول… فدخلت..
ساحة كبيرة… بها موائد للطعام معدة للضيوف.. وقبل أن أتفوه ببنت شفه حتي وجدت الترحاب والاحتفاء والتقدير من مسؤلي الساحة الذين يجهلوننا ونجهل أسماءهم ووضعوا أمامنا الأطعمة المختلفة بشحومها ولحومها ويجب أن تأكل وتلبي نداء الطعام.. فاكلنا..
طلبنا الدخول  للسلام على صاحبة المضيفة؛

السيدة نفيسة
السيدة نفيسة والصحفي محمد نور

انهاالسيدة الحاجه نفيسه وتبلغ من العمر ما يزيد على الثمانين وهي الابنة الوحيدة للحاجه زكية  عبد المطلب صاحبة الساحة التي تقع بها المضيفة والمسجد والمائدة العامرة التي يفد إليها الأغنياء والفقراء وابناء السبيل وكل من تقطعت به السبل؛ حتي يأكلوا ويميروا اهلهم أيضا..
استئذنا في الدخول على السيدة نفيسه فوجدتها سيدة وضاءة.. تجلس على أريكة بجوار باب المنزل الكبير العامر، سلمنا عليها وذكرها صديقى بنفسه وقدمني إليها وقبل يدها.. وقبلت ايضا يدا يحبها الله ورسوله ممتدة لفعل الخيرات وذلك بعد أن وضعت طرف ردائها على يديها…
أذن لصلاة المغرب.. ونحن في حضرتها.. كانت صائمة.. وكان اليوم الخميس.. إذ تحرص منذ عشرات السنوات على إحياء سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم بصيام يومي الاثنين والخميس، حاولنا الاستئذان؛ حتي تتناول إفطارها فرفضت الإذن لنا وتناولت الماء فقط لكسر الصيام فهي معتادة في أيام الصوم على تناول الماء عقب المغرب والطعام تفضل تناوله عقب صلاة العشاء وما ذلك إلا لكونها تتفرغ للصلاة في وقتها وألا يشغلها شاغل عن الذكر والأوراد التي تحرص عليها..

في حضرتها…

اردت معرفة المزيد عن حضرتها..

فحكت لي..

أمي ولدتني بعد ١٨ عاما… وأنا وحيدتها.. باعت كل ما تملك حتي تشتري تلك الساحة.. وأوصتني بإطعام الطعام.. وزارتها السيدة نفيسة في منامها وبشرتها بمولدي.. فأسمتني أمي.. نفيسة.. تيمنا بنفيسة العلوم..

أعطتها السيدة زينب رضي الله عنها “غربال” في منامها قاصدة من ذلك غربلة الناس فيمن يترددون عليها ويتعاملون معها.. في إشارة إلي حنكة الحاجه زكية في فن التعامل مع الناس…

حجت أمي بيت الله الحرام منذ أن كان الحج على “الجمال” وأكرمها الله بحسن الصحبة وماتت بالقاهرة ودفنت بحميثرة بحوار سيدي الحسن الشاذلي..

أكرمني الله بالأبناء والبنات والأحفاد.. وأفاء علي من نعمه بفضل وبركات أمي التي دائما ما كانت تردد “ما تزعليش مني يا بنتي أنا مسبتلكيش حاجه” رغم أنها تركت لي كل حاجه.”

المقال القادم

الشيخ إبراهيم الفشني… كاتم أسرار العارفين

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق