أسرار وحكاياتأقلام حرّة

محمد خليفة يكتب : الأميرة المصرية التي تزوّجها أبو الأنبياء!

 

لم تذكٌر كٌتب التاريخ إلاّ القليل عن هذه الأميرة المصرية فهي شقيقة الملك “سنوسرت أو سيزوستريس الأول ” ثاني ملوك الأسرة الثانية عشرة، اشترك في حكم مصر مع والده الملك “أمنمحات الأول خلال السنوات من 1971 إلى 1926 ق.م وانفرد بحكم مصر بعد وفاة والده وامتدت فترة حكمه نحو 40 سنة أو يزيد، ازدهرت خلالها الحياة في مصر .. .
و قد اتفق المؤرخون حول مسقط رأس السيدة هاجر وأنها ولدت فى مصر بمنطقة تل الفرما التى تبعد عن محافظة بورسعيد بعدة كيلومترات.. ومن خلال زيارتي لدار الكتب المصرية حاولت البحث عن الحقيقة خلف عشرات المراجع التاريخية، ورغم قلة الكتابات التي تحدثنا عن تاريخ السيدة هاجر زوج سيدنا إبراهيم وأم سيدنا إسماعيل عليهم السلام ورغم اختلاف الروايات فإن بعض العلماء يؤكدون أن السيدة هاجر كانت أميرة مصرية وعندما أتى الهكسوس ليحتلوا مصر استحوذوا على بلاط الملك ومن فيه فقتلوا الرجال واستبقوا النساء..

ينقسم اسم هاجر إلى قسمين؛ ها: بالهيروغليفية معناها زهرة اللوتس، وجر: معناها ارض جب، وهي بالمعنى التوراتي ” مصر ” أي اسمها زهرة اللوتس المصرية، أو “الزوجة الثانية للملك. وذكر ابن كثير أنها كانت أميرة من الكنعانيين الذين حكموا مصر قبل الفراعنة وأنها بنت زعيمهم الذي قتلهٌ الفراعنة ومن ثمّ تبناها فرعون مصر وعندما أراد سوءًا بالسيدة سارة عليها السلام زوجة أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم الأولى دعت على الفرعون فشٌلت يداه فقال لها ادعي ربك أن يشفي يديَّ وعاهدها ألاّ يمسها بسوء فدعت سارة ربها فشفيت يداه، بعدها أهدى إليها فرعون الأميرة القبطية هاجر إكرامًا لها وهي ليست خادمة كما يدعي اليهود في كتبهم، فزوجتها السيدة سارة لسيدنا إبراهيم لأنّها كانت تعلم أنّ إبراهيم عليه السلام كان يريد أن يكون له ذرية، وهكذا حقق الله دعوة إبراهيم عليه السلام وحملت هاجر بإسماعيل وكان أبو الأنبياء في سن السادسة والثمانين من العمر كما جاء في كتب السيرة والتاريخ، والسيدة سارة قد بلغت سن اليأس من الإنجاب، فتعاظمت غيرة السيدة سارة، وبات سيدنا إبراهيم عليه السلام في حيرة من أمره، كيف يستطيع التوفيق بينهما وهو في هذا العمر شيخ كبير، وبدأ إبراهيم عليه السلام يناجي ربه ويطلب أن يعينه ويساعده، فبشره الله سبحانه بولد آخر تنجبه سارة: “فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ . قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجٍيب . قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ”، وبعد خمس سنوات من ولادة إسماعيل عليه السلام أنجبت سارة إسحاق عليه السلام، وهكذا صار لإبراهيم ولدان: إسماعيل من هاجر، وإسحاق من سارة. ولحكمة أرادها الله، وتحاشيًا لما قد يقع بين الزوجتين وولديهما من الخلاف والمشاحنات أمر الله سبحانه خليله إبراهيم أن يخرج بإسماعيل وأمه هاجر، ويبتعد بهما عن سارة، التي اغتمت كثيرًا وثقل عليها أمر هاجر وولدها إسماعيل، بعد أن صار لها ولد. وحتى لا نخرج عن موضوعنا نعود مرة أخرى الي السيدة هاجر عليها السلام، حيث يعتقد النوبيون في شمال السودان وجنوب مصر أنهاّ في الأصل نوبية، ويدعم هذا الاعتقاد أنّ اسم هاجر يقابله في النوبية كلمة “هاقجر” ومعناها الجالس أو المتروك في إشارة ربما إلى عملية تركها وحيدة في مكة، وهناك أقوال ثابتة بأنّ السيدة هاجر كانت تلبس ثوبًا طويلا ليخفي آثار أقدامها عن السيدة سارة، وهذا الوصف ينطبق على الجرجار وهو اللباس النسائي النوبي المستخدم حتى اليوم. وهناك اعتقاد بأنّ كلمة زم زم التي نطقت بها السيدة هاجر عندما انفجر الماء عدة مرات وهي تدعو الماء أن يتوقف سم سم وتحوّر النطق زمزم .. ومن المعتقدات أيضا أنّ ابنها إسماعيل عليه السلام كان بارعًا في رمي السهام، وهذه إحدى مميزات أهل النوبة القدماء وقد عرفوا تاريخيًا باسم رماة الحدق في حروبهم مع الآشوريين والفرس والرومان، وحتى مع العرب سنة 41 هجرية.. وتنتقل بنا صفحات التاريخ حين جيء بالسيدة هاجر إلى بلاط ملك مصر، ولكنها كانت مستعصمة ذات شرف ومكانة حماها الله من صغرها فيقال إن الملك حاول النيل منها فسرت فيه رجفة فابتعد عنها وعلم أن هناك قوة ما تحميها. والذي يرجح هذا القول هو تصرف هذا الملك الذي عرف بولعه الشديد بالنساء عندما حاول أن ينال من السيدة سارة زوج سيدنا إبراهيم شلت يده 3 مرات وكأن نفسه أدركت أن هناك صلة ما تربط بين السيدة التي أمامه وتلك التي يعرفها بالمستعصمة الأبية هاجر. فقرر هذا الملك إطلاق سراح السيدة سارة وليبعث معها هاجر تلك التي على نهجها نهج العفة والإيمان والاستعصام.
وأيا كانت هذه الآراء أو الاختلافات عن أصل السيدة هاجر إلا أن اختيار الله سبحانه وتعالى لمعيشة تلك الفتاة المؤمنة في بيت النبوة الإبراهيمية كان لتهيئتها لدور أكبر وتشريفها بمكانة عظمى وتأييدها بمعجزات عظيمة تظل تذكر إلى يوم الدين كما سيتبين لنا من سرد قصة حياة هذه السيدة العظيمة.
البشارة لأم العرب العدنانيين
لبثت السيدة هاجر عمرًا مع السيدة سارة فتحابتا في الله وعلمتها السيدة سارة من أمور الدين والتوحيد والعلم الرباني واستقيتا علمهما من أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي يقول عنه الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران آية 67: <<ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانيًا ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين>>
وكما هو معروف فإن السيدة سارة زوجة إبراهيم كانت لا تنجب وكان سيدنا إبراهيم عليه السلام قد صار شيخًا وابيض شعره من خلال عمر أنفقه في الدعوة إلى الله. وفكرت سارة أنها وإبراهيم وحيدان وهي لا تنجب فماذا لو قدمت إليه هاجر ويأتي منها بولد. وفي روايات أنها قالت لسيدنا إبراهيم “لو تزوجت هاجر رجوتها أن تنجب لك”.
وكان عمر السيدة سارة وقتئذ ستة أو سبعة وسبعين عاما فيما كان عمر سيدنا إبراهيم ستة أو سبعة وثمانين عاما..
وظهرت علامات الحمل على السيدة هاجر وكانت فرحة لما وهبها الله في أحشائها، وربما اختلطت مشاعر الفرح بالخوف أيضًا من أن الغيرة سوف تتحرك في قلب السيدة سارة نحوها، وهنا تقول كتب التفاسير إن هذا قد حدث فعلا وشكت السيدة سارة لزوجها إبراهيم أن هاجر قد تغيرت وربما تعاظمت عليها، وهنا خافت السيدة هاجر فخرجت بسرعة وربما هاربة فجاءتها البشارة بأنها ستلد غلاما وتسميه إسماعيل وأن ولدها هذا سيكون سيدًا للناس يده على الكل ويد الكل به وسيملك جميع بلاد أخوته فشكرت السيدة هاجر ربها عز وجل وامتلأت نفسها إيمانا ويقينا وطمأنينة، وهنا نلاحظ أن بشارة الملائكة للسيدة هاجر إنما انطبقت على ولده سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فهو الذي سادت به العرب وملكت البلاد شرقا وغربا وأتاها الله من العلم النافع والعمل الصالح ما لم يؤت أمة من الأمم قبلها، وما ذاك إلا بشرف رسولها على سائر الرسل وبركة رسالته وعموم بعثته لجميع أهل الأرض.. ومن هنا جاءت تسمية السيدة هاجر بأم العرب العدنانيين التي أنجبت إسماعيل «أبو العرب» أجمعين.
وولدت السيدة هاجر أول ذرية سيدنا إبراهيم، وقد جاء ذكر سيدنا إسماعيل في القرآن الكريم اثنتي عشرة مرة منها مواضع كثيرة تمدح في خلقه عليه السلام. ففي سورة مريم الآية 54 يقول المولى عز وجل “واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا”
وقوله تعالى في سورة الأنبياء الآية 85 “وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين”.
وفي سورة ص الآية 48 “واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار”. ويا بشرى هاجر بولدها الذي مدحه الله تعالى وذكر اسمه في كتاب يتلى إلى يوم القيامة ومدح خلقه وأثنى عليه، وليس ذلك فقط بل كان من نسله أشرف الخلق أجمعين وخاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

وإلى لقاء آخر لاستكمال قصة السيدة هاجر عليها السلام الأميرة المصرية وأٌم العرب العدنانيين.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق