أسرار وحكايات

محمد خليفة يكتب : سلطان العاشقين في مصر!

 

كانت الصٌدفة وحدها أن أذهب إلي مسجد وضريح سيدي عمر ابن الفارض ،فقد خططت لصلاة الجٌمعة في مسجد السيدة نفيسه بحي الخليفة ،ولكن اثناء عودتي وجدت نفسي أسأل عن ضريح سلطان العاشقين وأنا في الطريق وقفت في منطقة الأباجية وسألت عن ضريح شيخنا ، فتسابق الناس الطيبين لتوصيلي إليه ،فالمنطقة من المناطق الشعبية التي يخرج منها روائح العارفين بالله الذكية، ووسط المقابر التي حملت اسم مقابر سيدي عٌمر،هناك أكثر من مكان أثري فبجواره عدة مساجد منها شاهين الخلواتي ، ومسجد مهجور يسمي ” الأسباط” وآخر معروف بالست لولو وهي سيدة هندية أو باكستانية كما يشاع في أهل المنطقة قام أهلها ببنائه ، وأثناء رحلتي تذكرت قول ابن الفارض: “ولقد خلوت مع الحبيب وبيننا ،سرٌ أرقَ من النسيم إذا سري ،وأباح طرفي نظرة أملتها ،فغدوت معروفاً وكٌنتَ مٌنكرا، فدهشت بين جماله وجلاله ، وغدا لسان الحال مني مجهرا.” فدمعت عيني حين إقتربت من الضريح،وشعرت بقشعريرة هزت جسدي ،وتذكرت ما يجري لحال أبناء الشعب السوري علي أرض مصر بعد حالة الهجوم الشديد التي تداولها ضعاف العقول والمرتزقة والمأجورين ضد أشقاءنا ، وأثناء وجودي لزيارة الضريح علمت أنّ والد سلطان العاشقين من سورية فقد ولد في مدينة حماة التي تحتل المرتبة الرابعة من حيث عدد السكان حاليا وتقع وسط البلاد ، وأنجب سلطان العشق في مصرسنة 576هجرية الموافق 1181م وحين أشتد عوده إشتغل بفقه الشافعية ، وتعلّم الحديث عن ابن عساكر ، ثم ما سلك طريق العشق الإلهي فراح إلي الصوفية ومال إلي الزهد والورع ، وأعتزل في وادِ بعيد في مكة المكرمة وقت أن سافر للحج ، وفي عٌزلته تلك نطّم معظم أشعاره في الحٌب الإلهي حتي عاد إلي مصر بعد عزلة قدرها المؤرخون ب15 عاماً ، ومن أشعاره التي تبكي العيون ، وتحرك القلوب ، في لحظة صفاء مع الله يقول:
قلْبي يُحدّثُني بأنّكَ مُتلِفي… روحي فداكَ عرفتَ أمْ لمْ تعرفِ
لم أقضِ حقَّ هَوَاكَ إن كُنتُ الذي.. لم أقضِ فيهِ أسى ً، ومِثلي مَن يَفي. ما لي سِوى روحي، وباذِلُ نفسِهِ، في حبِّ منْ يهواهُ ليسَ بمسرفِ
فَلَئنْ رَضيتَ بها، فقد أسْعَفْتَني؛ يا خيبة َ المسعى إذا لمْ تسعفِ
يا مانِعي طيبَ المَنامِ، ومانحي ، ثوبَ السِّقامِ بهِ ووجدي المتلفِ
عَطفاً على رمَقي، وما أبْقَيْتَ لي، منْ جِسميَ المُضْنى ، وقلبي المُدنَفِ فالوَجْدُ باقٍ، والوِصالُ مُماطِلي، والصّبرُ فانٍ، واللّقاءُ مُسَوّفي
لم أخلُ من حَسدٍ عليكَ، فلاتُضعْ، سَهَري بتَشنيعِ الخَيالِ المُرْجِفِ
واسألْ نُجومَ اللّيلِ:هل زارَ الكَرَى، جَفني، وكيفَ يزورُ مَن لم يَعرِفِ؟

قال عنه جبران خليل جبران: “لم يتناول من مجريات يومه كما فعل المتنبي، ولم تشغله الحياة وأسرارها كما شغلت المعري، بل كان يغمض عينيه عن الدنيا ليرى ما وراء الدنيا، ويغلق أذنه عن ضجة الأرض ليسمع أغاني اللانهاية” إّنه الشاعر عمرابن الفارض، الذي لقب بـ ” سلطان العاشقين” حيث كانت أغلب أشعاره في العشق الإلهي،فقد كان كاهناً للفكر إلى أن جاء موعد الأجل حيث دفن بجوار جبل المقطم في مسجده. أسمه الحقيقي أبو حفص شرف عمر بن علي بن مرشد الحموي، الشهير بـ “ابن الفارض وكنيته بـ “أبو حفص و أبوالقاسم وشهرته بـ “ابن الفارض” نسبة إلى وهو الذي يكتب الفروض للنساء على الرجال”. وهذا اللقب يعود إلى والده الذي كان يقوم بإثبات هذه الفروض فغلب عليه التلقيب بالفارض وعرف إبنه بابن الفارض، وقد كان والده من كبار علماء مصر في زمانه.
وكان قبل عودته الي مصر يقول: أحن شوقاً إلى ديار وديار رأيت فيها جمال ســــــلمى ..شــــربت منها لمى عقار من كف ساقي الشراب ألمى

تعلم على يد الشيخ أبي الحسن علي البقال صاحب الفتح الالهي والعلم اللدني، كان ابن الفارض إذا حضر مجلساً ظهر على المجلس سكون وسكينة، يتردد عليه في مجلسه جماعة من المشايخ والعلماء وعدد من الفقراء وأكابر الدولة وسائر الناس.
عندما كان يمشي في المدينة تزاحم عليه الناس يلتمسون منه البركة والدعاء ويقصدون تقبيل يده فلا يمكن أحداً من ذلك بل يصافحه، عرف عنه حسن الثياب الرائحة الطيبة، وكان ينفق على من كان يرد عليه من الفقراء والمساكين. وكان يقول في مشيّهِ: فلا عيشَ في الدُّنيا لمنْ عاشَ صاحياً.. ومنْ لمْ يمتْ سكراً بها فاتهُ الحزمُ..على نفسهِ فليبكِ منْ ضاعَ عمرهُ.. وليسَ لهُ فيها نصيبٌ ولا سهمُ

بعث إليه الملك الكامل أن يجهز له ضريحاً عند قبة الامام الشافعي فلم يأذن له بذلك فطلب منه أن يجهز له مكاناً يكون مزاراً له بعد موته فرفض
توفي سلطان العاشقين عام 632 هـ، ودفن” بقبره الحالي بسفح جبل المقطم في منطقة “الأباجية” عند مجرى السيل، بجوار قبر معلمه أبي الحسن البقال كما أوصى قبل موته، وظل ديوانه الذى يجمع قصائد حبه الإلهى يعرفه العامة والخاصة، ويتغنى به المداحون والمنشدون ورجال الطريقة حتي كتابة هذه السطور ..رحم الله سيدنا ابن الفارض ورحم والده السوري الأصل .

.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق