أهلا رمضانالمميزة

ناهد الزيدي تكتب: الخليل يسكن غدير القلب..لا يبرحه

 

النبي إبراهيم

1 – شوق إلى مبعوث السماء:

هو نبي فذ بين أنبياء الله الميامين.

بعث في زمن كان يتوق إلى رسالة ربانية، وكان يتحرق شوقا إلى مبعوث من السماء.

كان النور شحيحا لا تكاد تراه عيون المتقين في الأرض من فرط تفاحش واشتداد الظلمات فوق بعض..!!

وجاء نبي الله إبراهيم.

جاء فتبددت الحلكة المقيمة، وعم الإشراق كل أرجاء وكل بقاع، وآن للدنى أن تتدثر بدفء الإيمان بالواحد الأحد الذي ليس كمثله شيء.

2 – تلك النورانية الفاقة الذهول:

إبراهيم، وتلفظ بالعبرية “أقراهام”، وتعني (الأب الرفيع) كما تعني (الأب الجليل المكرم).

وصف من قبيل:

– “الرفيع”.

أو من مثال:

– “المكرم”.

هو وصف لا يمكن أن يجسد عظمة هذا النبي المختار، كما لا يعكس حجم تلك (النوارانية المذهلة) التي اتسم بها سيدنا إبراهيم عليه سلام الله والبشرية أجمعين.

مجمل الكتب التي تناولت سيرته النضرة، العلوية، الموغلة في السمو، وضعته في مصاف الأنبياء والرسل الذين بصموا تاريخ الأديان منذ بداية الكون.

كيف لا…

وهو نبي جعل كلمة الله هي العليا في مجتمع كان سادرا في الغي إلى أبعد الحدود..!؟؟

3 – النبي الرائد التوحيدي:

ثمة مؤرخون كثر يصفون إبراهيم بأنه:

“الرائد الأول لديانة الإسلام”.

فقد نادى هذا النبي / الرائد ب (وحدانية الله تعالى) في عوالم الشرك، قبل أن يأتي خاتم الرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

وقبيل بعثة خير خلق الله محمد بن عبد الله، رسول الإسلام الخالد، كانت الجزيرة العربية كلها، وبخاصة ما أطلق عليه إسم “الحنفاء”، يهجسون بكرة وأصيلا ب “حنيفية إبراهيم” و”الوحدانية لله”.

وعلى رأسهم كان ورقة بن نوفل.

من هنا…

اعتبر إبراهيم النبي الذي جسد إرهاصا جليا بمقدم الرسول محمد عليه أزكى صلوات الله وسلامه.

4 – تمثلات ممهورة بألق الوحدانية:

ما التوحيد هنا – في سياق سيرة إبراهيم – سوى جعل السماء / العلو، مفتاحا للأرض / الهبوط.

التوحيد هو أس (الدعوة الجهيرة) التي حملها إبراهيم على عاتق نبوته زهاء عقود من زمن الظلال.

هنا نبرز تمثلات التوحيد، كما نادى به هذا النبي الذي اتسم بما لم يتسم به نبي آخر.

أ – التوحيد بمعناه الحرفي، وهو اتصاف الله بالربوبية على الكون كله بجماع ما فيه.

ب – التوحيد بحسبانه الدلالي، وهو الفاصل بين وهم الشرك وحقيقة الوحدانية المعقودة للخالق الأعظم.

ت – التوحيد باعتباره سنة من سنن العقل لكل من يفكر في تناسق الكون وخضوعه لمشيئة واحدة لا شريك لها.

5 – معجزة نار تحولت إلى برد وسلام:

“قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم”.

أوقدوا لإبراهيم نارا ليحرقوه، ثم ألقوه فيها، فرفع قلبه قبل وجهه إلى فاطر السماوات والأرض، وجهر بتضرعه العظيم الباقي أبد الدهور:

“اللهم أنت الواحد في السماء.

وأنا الواحد في الأرض.

ليس في الأرض أحد يعبدك غيري.

حسبي الله ونعم الوكيل”.

فكانت النار بردا وسلاما على نبي “ذنبه” الوحيد عند قومه، أنه قال إن الله واحد أحد لا شريك له في ملكه.

وما كان ذلك هو الابتلاء الوحيد.

بل جاءه ابتلاء آخر بذبح ابنه إسماعيل، فهم بذلك لولا أن أتاه (خلاص) ربه المتعالي.

6 – رموز النار وتأويل دلالاتها:

ل (النار) هنا رموز شتى تتناسل في إبهار مبين.

تلك (النار) التي فقدت (خاصية الإحراق)، أبدا لم تكن مجرد (معجزة) كباقي (معجزات الأنبياء) الذين خلوا في عمر البشرية من قبل النبي إبراهيم.

أجل..وبلى.

ثمة هنا دلالات ورموز عجيبة، وسامية، يمكن اختزال بعضها عبر التأويل الصادر عن القلب والعقل معا:

أ – النار / المصير، كناية عن دين الإسلام الذي سيأتي لاحقا ويضع ثنائية الجنة / النار.الأولى لمن يسلم وجهه وقلبه لله تعالى مسلما.والثانية لمن يشرك بالله.

ب – النار / السلام، حيث لا يصبح فعل الإحراق مناظرا لفعل الإطفاء بقدرة الله.

ت – النار / البغي، لأن الجمر هنا لا يحرق نبي الوحدانية، بل يحرق الطغمة التي تآمرت على نبي الله.

7 – دفق الاصطفاء وماهية الصلاح:

يقول الله جل وعلا في كتابه المبين:

– “ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين”.

إنه (الاصطفاء).

وإنه (الصلاح).

منبعان موسومان بثراء، ودفق، وماهية لا ينتهي لها غور، ولا خبء، ولا عمق عميق.

سرائر الاصطفاء تشي بمخبوء الصلاح، كما تشكله في أفق تأويلاته المتراحبة.

وسريرة صلاح تتمركز في بنية اصطفاء، وكلاهما يضيء الآخر في متوالية ذات رواء منظور.

8 – مركزية النبوة عند إبراهيم:

ثمة في الفرقان / الحق:

بسط دلالي / رمزي ل (مركزية النبوة).

مركزية راسخة كما جسدها وتمثلها وبلغها هذا النبي السامي إبراهيم.

نقرأ في كتاب الله الآية المطهرة:

– “وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين”.

نفتش في سياق الكلمات / الآيات، ونستغرق في ثنائية / بنية متنها وهامشها، فنجد أنفسنا إزاء أمرين كلاهما سفر إلى البرزخ:

الأمر الأول:

– الإمامة مسلك يؤول صوب (عرفانية الرسالة).لا في اتجاه الغلبة والسيطرة،إلى آخر أبجديات البغي.

الأمر الثاني:

– الإمامة المعقودة لرشاد / رشد الناس.ذلك أن إمامة هذا النبي، حسب النص القرآني، متعالقة بالناس.

9 – الكعبة وعلائق رمزيتها بإبراهيم:

(الكعبة المشرفة) رمز ديني / إسلامي يتعالق بكثير وشائج وأواصر مع نبوة إبراهيم.

إنها شاهدة على مساره في مجابهة الحياة والبشر من أجل نيل (ملكوت صفاء التوحيد).

ها هنا في جنبات الكعبة، تمارس (الروح الإبراهيمية) جماع تطوافها النوراني، معلنة عن (أزلية الرسالة).

ثم…

ها هي علائق إبراهيم ب (كعبة الإسلام) تسمو، تتوهج، حتى لتبلغ عنان (الملكوت الأعلى).

ذاك بعث في التجلي.

وهذا التجلي في صنوف البعث.

وذاك نور يأتي سريعا ليطهر الزمن من كل أوشابه، ما عدا شيء واحد وأوحد:

رمزية كعبة مثلى بنبي مصطفى.

10 – عرفانية اليقين الداخلي:

ب (لغة عرفانية)، يستطيع يراعي أن يقول، وهو مشمول بأكبر (يقين قلبي):

لنبي الوحدانية الهادية / المهتدية، سيدنا

إبراهيم، جماع الصفات التي تفرقت في البشرية جمعاء.

أجل..

هو من البشر جاء، وإلى البشر آل.

بيد أنه نبي طراز وحده.

ليس في تاريخ البشرية وحدها.

بل في تاريخ الأنياء أيضا.

فطوبى لقلم يقترب من هذا النور الآسر والجذاب.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق