أقلام حرّةأهلا رمضان

ناهد الزيدي تكتب : أبصر بنورك .!.. الجليل النبي أيوب عليه السلام

 

أبصر بنورك .!..
الجليل النبي أيوب عليه السلام

1 – يا للسفر الحبري المشتهى:

إلى أرض “حوران” في الشام، أشد رحال قلمي.

لا زاد لي غير (زاد الإعجاب) بساكن “البثنية”، ذاك المتسم بنورانية، وطهر، وعرفانية يعز نظيرها.

كلما اقتربت أكثر..

يخفق العمر بأسره وهو على (مرمى حبر) من عالم (سماوي الأرض)..!!

أينما تلفت القلب، يعثر على بغيته، هنا في هذه البقعة من أرض شرفها النبي أيوب بسكناها.

هلموا معي..

تعالوا جميعا إلى نور يهدي سواء القلب.

2 – سيد الأنبياء الصابرين:

نور ينبعث..

لا حد لرحاب شسعه، وعاطر طيفه، وشمولية انتشاره أيان قادتك الخطى، وآل بك الوجدان.

– هنا عاش أيوب.

– هنا جابه الابتلاء.

– هنا صبر صبره حد العجب العجاب.

أجل..ونعم..وبلى.

ها هنا عاش نبي الابتلاء العظيم، وسيد الأنبياء الصابرين أيوب عليه سلام الله والدنيا بأكملها.

3 – آية حاوية لكنوز عرفانية:

ما من مرة استغرقت – لا أقول قرأت – في تدبر هذه الآية العظيمة، الحاوية لكنوز (المعرفة العرفانية)، إلا وشعرت بكل كياني يخر ساجدا لله:

– “وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين.فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين”.

إنه – بلغة القرآن – ابتلاء يبلغ حد العذاب من أجل بلوغ غاية لا تدرك إلا بوثوق النبوة.

إنها آية تغترف من (شهد الملكوت).

تتبدى بنيتها الدلالية، تعبيرا ورؤية وإعجازا، في أجل وأنضر صورة للذة الابتلاء / الألم.

– أليس الألم رديف للإبتلاء، كما يؤكد المتصوفة..!؟؟

4 – قلب نبوة ولسان رسالة:

إلا قلبه.

إلا لسانه.

استثناءان يقدمهما المفسرون كنموذج ل (أعضاء) ظلت في منأى عن عذاب الألم / المرض في جسد أيوب.

إنه – كما يبدو لخشوعي – :

– أولا: استثناء يشي للغاية برحيب حكمة.

– ثانيا: قاعدة تجهر بحكمة تشي بأقاصي استثناء.

ولنلج معا دوائر تمثلات هذه التجليات المتعددة في بعدها الواحد الثري، عبر ما يلي:

أ – القلب وعاء الوحي / النبوة.

ب – اللسان مناط الجهر بالرسالة.

فانظر وتعجب – مثلي – لحكمة ترك قلب أيوب ولسانه في منأى عن الابتلاء.

سبحان ربي المتعالي العظيم.

5 – احتساب الله وآلام النهار:

نبي كان ذا مال وفير لا يعد ولا يحصى.

وشاء ربه – لحكمة غميسة – أن يقوده إلى فقد أملاكه كلها على نحو يجل عن الوصف.

ثم أصابه مرض معد، جعل أبناء قومه ينأون عنه نأيا جارحا ومتطاولا في الزمن والمكان.

ولأنه نبي..

لأنه صالح..

لأنه من أهل السماء..

صبر واحتسب وقبل ابتلاء الله بشكر وحمد كان يشرك بهما ليله الطويل، ونهاره الأليم.

أ – أكان في مكنته، هو النبي، أن يتمرد على الصبر، ويذهب سريعا صوب الشكوى..؟؟!!

ب – أم أن نبوته – هو الإنسان – آلت به صوب امتلاك الصبر في انتظار فرج الرحمة..!!؟؟

ما هو بسؤال، إن هو إلا جواب متجل.

6 – معادلة النبوة / الألم / الصبر:

“يا صبر أيوب”..!!

عبارة يرددها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، ومنذ أزمان وعصور رحيبة.

فأي صبر كان صبر النبي أيوب..؟!

أزعم – منطلقة من إيمان يسكن ويقود دواخلي – أن (الصبر الأيوبي) هو مزج خلاق بين طاقة إنسان وطاقة نبي.بمعنى أن معادلة النبي / الإنسان، والأرضي / السماوي، تمثل جيدا ذاك الشسوع من (صبر أيوب).

ذلك أن النبوة – في إحدى تجلياتها المنظورة – هي حمولة مرادفة لثنائية الألم / الصبر.

بدليل أن صبر أيوب، إزأء امتحان المال / الصحة، كان في عمقه امتحان لعمق نبوته ومداها.

ويمكن هنا أن نجعل ذواتنا، وهي تعيش في ظل نبي أواب صابر ومحتسب، تتدثر بثلاثية:

النبوة / الألم / الصبر.

7 – قلب لنظام التحكم الشيطاني:

عجز (الشيطان) أن يقتر شبرا من محضر أيوب.

ليس – فقط – لأن النبوة حصانة تقي من أحابيل الشياطين، بل لأن الإنسانية – كذلك – يتجلى حصنها من الوسوسة في بلوغها سدرة الصفاء الروحي.

من هنا..

بلغ (الشيطان) دواخل (امرأة أيوب) من أجل أن (ينسف) البعد السماوي في أرضية النبي..!!

وما أفلح من حيت أتى.

فقد كان رسول الله أيوب – الباقي ما بقي الكون – قد بلغ معراجا لا يطاله سوى الإشراق الموهوب للملائكة في أعلى الأعالي.

وإنه لمشهد مبهر رؤية شيطان مدحور أمام (رجل مريض) وإزاء (نبي يتألم)..!!

– ولم العجب..؟!

– أليس النبوة قلب لنظام (التحكم الشيطاني)..!!

8 – رباعيات الذكر والرمز والتجلي:

جاء ذكر نبي الله أيوب – عليه النور إلى يوم البعث – في أربعة مواضع من القرآن الكريم.

رقم أربعة له رمزية بعيدة الدلالة، عميقة الرمز، متجذرة في التأويل ذي العلائق الوثقى مع الروح.

يمكن إبراز هذه الرمزية الرباعية في الآتي:

أولا – البرزخ / تجل في الحضور.

ثانيا – الملكوت / تعبير عن الصمود.

ثالثا – المعراج / إسراء نحو الحق.

رابعا – سدرة المنتهى / رحاب تطوى صوب العرش.

هي ذي رباعيات:

أ – الذكر.

ب – الرمز.

ت – التبدي.

ج – التجلي.

9 – جماع العمر في برهة نبي:

بين شعاب التاريخ..

وفي (أفنان البعث) وقبيل (النشور)..

حيث لا محيد عن (طيوب النبوة)، وحيث تطوف أرواح آتية من الملإ حول (كعبة الأزل)..

هنا ينبثق الزمن، يبزغ، ويتخصب مشتلا لزرع جماع العمر في برهة نبي.

هي برهة تعادل آلاف السنين من (النبوة المكابدة)..تلك التي لا ترتاح إلى على صوت آذان الحق المبين.

10 – يا لزمن أرض حوران:

“حوران”..

أيتها الأرض التي (رأت) بعثة أيوب في ازدواجيتها ذات العجب، أي عجب:

– من ابتلاء نبوته.

– إلى نبوة ابتلائه.

و”حوران” هنا شاهدة على قبر التاريخ.

شاهدة لا تقول بل تجهش.

ولا تحكي بل تنبهر.

فسلام أزكى على نبي الله أيوب.

وسلام أجلى على رسل الله تعالى حتى مطلع الجنة.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق