أقلام حرّة

أبوبكر الديب يكتب: مدرسة “الشعراوي”

 

 لا تعبدوه ليُعطي بل اعبدوه ليرضى، ولا تقلق من تدابير البشر فأقصى ما يستطيعون فعله هو تنفيذ إرادة الله”.. هذه بعض من فيض كلمات وتعبيرات وخواطر إمام الدعاة، الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي.. الذي تمر حاليا ذكري ميلاده الـ 108.

الامام الراحل، اجتمع على حبه وعشقه الملايين، داخل وخارج مصر، بما له من أسلوب متميز وبسيط وجذاب فى تفسير القرآن.

الشيخ الشعراوي، لم يقدم نفسه كمفتي، وأسس مدرسة في تعليم “عوام الناس”، وتبصيرهم والإرتفاع بالوعي الديني لديهم، بخلاف علماء كثر، لم يهتموا بهذا القطاع العريض، وركزوا علي النخبة فقط.

يوم أن قدمه الاعلامي الشهير، أحمد فراج في برنامجه المتميز “نور علي نور” بالتلفزيون المصري، استطاع أن ينفذ الي بسطاء الناس، فتعلق به السواد الأعظم من المصريين والعرب والمسلمين أجمع.

ورفض الشيخ الشعراوي، محاولات بعض الجماعات والتيارات، للسيطرة عليه وتوظيفه لتلميع صورتها لدي الناس.

يعد  الشيخ الشعراوي، أحد خريجي المدرسة “الصوفية” وأحد أعمدتها في مصر، والتي كان من أعلامها أيضا عبد الحليم محمود، شيخ الازهر الأسبق، والشيخ اسماعيل صادق العدوي، خطيب الجامع الأزهر، والأستاذ الدكتور أحمد عمر هاشم، رئيس جامعة الازهر الاسبق، والدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية الاسبق، والذين استطاعوا أن ينفذوا لهذا القطاع العريض الذي تجاهله دعاة النخب.

ورغم أن الشيخ الشعراوي، خريج “لغة عربية”، الا أنه استطاع النزول باللغة من الرصانة الي البساطة، وأن يجمع بينهما أحيانا، ونجح في تبسيط المعاني القرآنية للبسطاء قدر الإمكان، فهو بلا شك أشهر مفسري معاني القرآن الكريم، في العصر الحديث، بأبسط الكلمات والمعاني والأساليب.

عاش عمره في خدمة العلم والقرآن والدين، وترك وراءه ثروة علمية كبيرة، ولد الامام الراحل، محمد متولي الشعراوي، في 15 أبريل عام 1911م، بقرية دقادوس مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية .. حفظ القرآن الكريم وهو في الحادية عشرة من عمره، ثم التحق بمعهد الزقازيق الابتدائي الأزهري، وأظهر تفوقا ملحوظا منذ الصغر في حفظ واقراض الشعر، والأقوال المأثورة، حتي اختير رئيسا لجمعية الأدباء بالزقازيق، ثم حصل على الشهادة الابتدائية الأزهرية سنة 1923م، والتحق بعدها بالمعهد الثانوي، وتم اختياره رئيسًا لاتحاد الطلبة.

كان الشيخ يرغب في أن يبقى مع إخوته يزرع الأرض ويأكل من ثمارها، ولكن إصرار والده علي تعلمه،  دفعه لإستكمال المسيرة، فاشترط على والده أن يشتري له كميات من أمهات الكتب في التراث واللغة وعلوم القرآن والتفاسير وكتب الحديث النبوي الشريف، كنوع من التعجيز حتى يرضي والده بعودته إلى القرية، ولكن والده فطن إلى تلك الحيلة، واشترى له كل ما طلب، قائلاً له: أنا أعلم يا بني أن جميع هذه الكتب ليست مقررة عليك، ولكني آثرت شراءها لتزويدك بها كي تنهل من العلم.

التحق الشعراوي بكلية اللغة العربية سنة 1937م، وانشغل بالحركة الوطنية والأزهرية، وكانت ثورة سنة 1919م، اندلعت من الأزهر الشريف، ومن الأزهر خرجت المنشورات التي تعبر عن سخط المصريين ضد الإنجليز المحتلين، ولم يكن معهد الزقازيق بعيدًا عن قلعة الأزهر في القاهرة، فكان يتوجه وزملاؤه إلى ساحات الأزهر وأروقته، ويلقون بالخطب وكان وقتها رئيسًا لاتحاد الطلبة سنة 1934م.

تزوج محمد متولي الشعراوي، وهو في الثانوية بناء على رغبة والده، الذي اختار له زوجته، ووافق الشيخ على اختياره، لينجب 3 أولاد وبنتين وكان الشيخ يرى أن أول عوامل نجاح الزواج هو الاختيار والقبول من الطرفين والمحبة بينهما.

تخرج عام 1940 م، وحصل على العالمية مع إجازة التدريس عام 1943م، بعد تخرجه عين الشعراوي، في المعهد الديني بطنطا، ثم انتقل بعد ذلك إلى المعهد الديني بالزقازيق ثم المعهد الديني بالإسكندرية، وبعد فترة خبرة طويلة انتقل الشيخ الشعراوي، إلى العمل في السعودية عام ،950؛ ليعمل أستاذا للشريعة في جامعة أم القرى.

اضطر الشيخ الشعراوي، الي أن يدرس مادة العقائد برغم تخصصه أصلاً في اللغة، وهذا في حد ذاته يشكل صعوبة كبيرة إلا أن الشيخ استطاع أن يثبت تفوقه في تدريس هذه المادة لدرجة كبيرة لاقت استحسان وتقدير الجميع، وعين في القاهرة مديرًا لمكتب شيخ الأزهر الشريف، الشيخ حسن مأمون، ثم سافر بعد ذلك الشيخ الشعراوي إلى الجزائر رئيسًا لبعثة الأزهر، هناك ومكث بالجزائر حوالي 7 سنوات قضاها في التدريس، ثم عاد ثانية إلى السعودية، حيث قام بالتدريس في جامعة الملك عبد العزيز.

وفي نوفمبر 1976م، تم اختيار الشيخ الشعراوي، وزيرا للأوقاف وشئون الأزهر، فظل في الوزارة حتى أكتوبر عام 1978م، وكان أول من أصدر قراراً وزارياً بإنشاء أول بنك إسلامي في مصر وهو بنك فيصل؛ حيث إن هذا من اختصاصات وزير الاقتصاد أو المالية الذي فوضه في ذلك، ووافقه مجلس الشعب على ذلك، وفي سنة 1987م اختير عضواً بمجمع اللغة العربية “مجمع الخالدين”.

ومن أبرز مؤلفات الشيخ الشعراوي  “الإسراء والمعراج، معجزة القرآن، الإسلام والفكر المعاصر، الإسلام والمرأة، عقيدة ومنهج، المرأة كما أرادها الله”، وذلك ضمن فيديوهات سلسلة أعلام التي تنشرها الصفحة عن العلماء والمفكرين والأعلام في مختلف المجالات، مؤكدة دور وأهمية إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي، في خدمة الإسلام والمسلمين، وتطوير النشاط الدعوي والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.. رحم الله الإمام رحمة واسعة.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق