المميزةتحقيقات وتقارير

تأخر البيانات إهدار للمال العام

“إن البيانات الحكومية الخام أمر أنفقنا عليه الأموال، وبقاؤها في قرص مُدمج في درج أحدهم هو إهدار للمال العالم”.
هذا ما أكده تيم بيرنرز لي، مبتكر الشبكة العنكبوتية “world wide web”.

على جانب آخر، احتلت مصر المرتبة الأخيرة عالميا في مؤشر “الحكومة المفتوحة” من بين 113 دولة شملها تقرير “سيادة القانون” الصادر عن مشروع العدالة العالمي في عام 2016.
ويقيس مؤشر “الحكومة المفتوحة” درجة إعلام الحكومة لمواطنيها بالقوانين وبحقوقهم الشخصية، وجودة المعلومات الحكومية المنشورة، وكيفية التعامل مع طلبات الحصول على المعلومات الرسمية، ويقيم المؤشر أيضا فاعلية المجتمع المدني، ومدى وصول شكاوى المواطنين للحكومة.
الدكتور محمد فؤاد، عضو لجنة البيئة والطاقة بمجلس النواب، تقدم بطلب إحاطة موجه إلى الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، والدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري بشأن توقف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بشكل مفاجئ عن إصدار التقرير الخاص بنسب ومعدلات الفقر بالدولة المصرية في الآونة الأخيرة.
أوضح أن هذا التقرير هو الأوحد الذي يصدر بشكل رسمي عن الدولة المصرية، لتحديد نسب معدلات المواطنين المدرجين تحت خط الفقر، مما يترتب عليه وضع الاستراتيجيات والخطط المنوط بها مجابهة ازدياد تلك النسب أو ارتفاع معدلاتها، مما ينعكس إيجابا بشكل مباشر على المواطن المصري.
وأضاف “أننا نفتح الباب لإثارة حالة من البلبلة والجدال الواسع حول تلك النسب ومسببات ارتفاعها بهذا الشكل الفج، وذلك بسبب عدم وجود تقرير رسمي صادر عن الدولة المصرية يوضح هذه النسب بشفافية وموضوعية”.
وبالفعل قدم الكثير من الصحف قراءة خاطئة لتقرير للبنك الدولي أشار فيه إلى أن نسبة 60% من سكان مصر يقعون تحت خط الفقر أو بالقرب منه، ولكن الصحف أشارت إلى أن الـ60% كلهم تحت خط الفقر.
ولا يمكن للبنك الدولي أن يصرح بهذه النسب المرتفعة، لأنه يعتمد بالأساس على البيانات الحكومية المصرية في تقاريره، وهذه البيانات لم تصدر بعد.
وكانت جريدة البورصة قد نشرت أمس الأول خبرًا بعنوان “جهات عليا تعترض على نتائج بحوث الإنفاق والدخل لارتفاع معدلات الفقر”، وذكرت فيه أنه على الرغم من تحديد جهاز الإحصاء نهاية شهر فبراير الماضي موعدا لإعلان مؤشرات بحوث الإنفاق والدخل، إلا أنه لم يعلنها حتى الآن، نتيجة “اعتراض جهات عليا” على النتائج التي تضمنت زيادة معدلات الفقر.
وقالت الصحيفة إن المؤشرات المبدئية لمعدل الفقر منذ عدة أشهر قُدرت بنحو 30.2% مقابل 27.8% وفقا لبحوث 2015.
وأشارت مصادر للجريدة إلى أنه تم الانتهاء من مراجعة وتدقيق المؤشرات النهائية لبحوث الإنفاق والدخل منذ شهرين، إلا أن ارتفاع معدل الفقر أدى إلى اعتراض جهات عليا على النتائج لتعارضها مع “الإنجازات التي قامت بها الدولة خلال العامين الماضيين”.
وأضافت المصادر أنه طُلب من القائمين على البحث مراجعة النتائج مجددا قبل إعلانها حتى تتوافق مع تلك “الإنجازات”، وأنه تمت مراجعتها بالفعل وقوبلت باعتراضات على نتائجها أيضا.
وقالت الصحيفة إنه تم تحديث خط الفقر الوطني بعد البحث الجديد ليتراوح بين 700 و800 جنيه شهريا، بدلا من الخط الحالي البالغ 482 جنيها شهريا والذي تحدد بعد بحوث 2015. ويحدد البنك الدولي 1.9 دولار في اليوم حدًا للفقر عالميًا.
تأخر نشر البيانات أو تعديلها لا يضر فقط بحقوق المواطنين في المعرفة، ولكنه يعرقل مسيرة النمو والتنمية، فمنذ عقد مضى أطلقت الدول المتقدمة والمؤسسات التكنولوجية مبادرات عدة للبيانات المفتوحة، وقد تمكن كثير من المواطنين والمؤسسات والدول من إصلاح أحوالهم عن طريق البيانات المفتوحة، فمعرفة مشاكل الطرق أدت إلى إصلاحها وتحسين حركة المرور، والتحليل الإحصائي لمشاكل الحكومة عرف الشعب والحكومة والمجتمع المدني بمناطق القصور وتم إصلاحها، وكان للبيانات المفتوحة واستطلاعات الرأي دور في تغيير الأهداف التنموية وصناعة فرص أفضل للإصلاح، ثم إن ثورة التطبيقات الإلكترونية والحلول الذكية في مصر والعالم تقوم بالأساس على البيانات المفتوحة.
في أوهايو عام 2008 ربط محامي “إحصائيًا” بين المنازل المرتبطة بشبكة المياه وعرق صاحب المنزل “أبيض أو إفريقي أو غيره”، ووجد هناك ارتباطا بين الأصل العرقي والحصول على المياه، ورفع قضية وحصل على 10.9 مليون دولار، كتعويض عن هذه العنصرية.
قطعة واحدة من البيانات كانت تساوي هذا المبلغ. إن تأخر البيانات أو تعديلها في ملف شديد الأهمية، مثل بيانات الفقر، لا يجعلنا متأخرين عن الركب العالمي في إتاحة البيانات، فنحن بالفعل في المركز الأخير، ولكن يجعلنا نسير عكس اتجاه العالم، ونقلل بأيدينا من كفاءة خطط التنمية ومدى استفادة المواطنين منها.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق