أسرار وحكاياتالمميزة

حاصد الأرواح 12

 

بقلم. د.. أسماء كارم

 

لم يكن من السهل على كل من الثلاثة تقبل المفاجئة التي وجد نفسه بها .. عادة الحديث عن الأموات يكتم الأنفاس .. فما بالك بالحديث معهم .. وما الحال هنا إذا لم تكن تعرف هل أنت حي … أم أنك مع الأموات الذين ذهبوا ونسوا أن يأخذوك معهم…

قام مجدي بالاتصال بإبراهيم ليخبره بأنهما ينتظراه بغرفتهما… ثم نظر لطارق وقال :

  • أنا كلمت ابراهيم .. هانعمل ايه بقى ؟
  • بص يا مجدي .. عم سيد اقدم حد نعرفه في المستشفى .. يمكن يوصلنا لحاجة .

قاطع حديثهما ابراهيم وهو يطرق على الباب ويدخل ثم قال ..

  • صباح الخير .
  • اقعد اقعد .. هو خير ان شاء الله … بس ده لو حد فينا غمض عينه أصلا….. ( ابتسم مجدي حين لمح نظرة الرعب على وجه إبراهيم ) .. ياعم ماتخافش كده .. بهزر .. هاجيبلك قهوة.

ثم فتح الباب لينادي عم سيد ويطلب منه القهوة .

قاطع طارق صمت إبراهيم قائلاً:

  • بقولك إيه .. هاتتعود ..
  • هاتعود على إيه يا دكتور إني اشوف الميتين مثلاً؟
  • ههههه بقولك إيه التعامل مع الميتين أسهل بكتير من التعامل مع المجانين .. لا بجد … عم سيد أقدم حد نعرفه هنا .. يمكن يقولنا أي حاجة.

عشر دقائق من الانتظار مرت .. لا حديث … صمت مقبع يقتحم الغرفة .. ويخيم عليها … تفكير يغلب على كل واحد منهم … حتى قاطع هذا الملل قرع الباب… وعم سيد يخل بثلاثة أكواب من القهوة تتزاحم للبقاء ثابتة على تلك الصينية الصغيرة التي يصمم عليها عم سيد ويحملها ببراعة مهما اختلف عدد ما عليها من أكواب .

  • القهوة يا دكاترة .
  • تسلم إيدك يا عم سيد يا جميل … بقولك ايه يا عم سيد انت أقدم حد هنا مش كده؟
  • أيوة يا دكتور طارق أنا أقدم حد في القسم ده ..بقالي هنا 35 سنة ..قبلها كنت في المبرة واتنقلت هنا.. لكن عطية التمرجي هو أقدم واحد في المستشفى كلها 70 سنة بيشتغل هنا …حضر بنا المبنى الجديد .. والهدد والحريق اللي كان هنا .. وعاش أيام الشمع ولمض الجاز قبل ما المستشفى يدخلها كهربا .. وياما حكالنا عن الدكاترة اللي اتكررت والمجانين اللي فضلوا هنا وماتوا ورجعوا تاني والحيطان اللي بتنشع دموعهم اللي مابتفارقش المكان .. أصله بيقول لامؤاخذة ان المجنون اللي كان بيموت زمان هنا ومالوش أهل يسألوا عليه كانوا بيقطعوه ويعملوا عليه تجارب وبعدين يحرقوه ..
  • يحرقوا مين يا عم سيد .. مفيش الكلام ده طبعا .
  • والنبي يا دكتور مجدي عطية بيحلف .. حتى لما الغاز بتاع المحرقة علي وسرب في المبنى وجم بعد كده يولعوا في واحد مجنون النار مسكت المبنى كله ..وبيقولك قال كانت محرقة ولا محرقة اليهود…. بس احنا كلنا بنسمع ونضحك .. انت عارف الناس لما بتكبر عقلها بيخف .
  • تسلم ايدك يا عم سيد .. القهوة تحفة .
  • الله يسلم عمرك يا دكتور طارق … استأذنكم أنا.

نظر مجدي وإبراهيم لطارق ثم قال إبراهيم:

  • عم سيد بيقول الدكاترة اللي بتتكرر.. تفتكروا عطية يعرف حاجة ؟
  • الحقيقة يا إبراهيم غالباً عطية يعرف حاجات كتير .. نشع الحيطان اللي مابيبطلش … الحريق وسببه .. صحيح يا ابراهيم .. هو انت عمرك سألت نفسك ليه الأرشيف فيه حوض وبلاعة ؟
  • سألت يا دكتور طارق .. لكن قالوا ان الأوضة دي كانت أوضة عمليات … بعدها نقلوا العمليات فوق وبعدين بقت مستشفى امراض نفسية وعصبية .
  • نظر طارق ومجدي لبعضهما باندهاش ثم قال مجدي :
  • مين اللي قالك كده .. المستشفى دي اتبنت علشان تكون للأمراض النفسية والعصبية .. عمرها ماكانت مستشفى عادية .. ثم إن حتى لو مستشفى عادية أوض العمليات مش ممكن تكون معقمة في درجة الرطوبة بتاعت البدرون .. لا يمكن طبعا .

قاطعه طارق قائلاً:

  • ثم إن أوضة العمليات لا فيها حوض ولا فيها بلاعة .. ومستحيل تكون متصممة بالشكل ده …. على العموم احنا لازم نقابل عم عطية …
  • صحيح يا طارق .. تعرف ان عم عطية التمرجي الوحيد اللي مسموح ليه يدخل لست بشرى … الحالة بتاعتك .. اللي في اوضة 13

صمت طارق قليلاً ثم نظر لمجدي قائلاً:

  • يمكن علشان هو الوحيد اللي يعرف مين اللي جاب بشرى هنا.
  • بس بشرى جت بنفسها.
  • طيب نقول الجملة بطريقة تانية  .. يمكن هو الوحيد اللي يعرف السبب اللي خلى بشرى تيجي بنفسها هنا .
  • بقولك ايه .. أنا هابعت عم سيد ينده لعطية ده أما شوف اخرتها وبعدين نبقى نشوف الست بشرى.

في أثناء ما كان مجدي يحدث عم سيد ..طرأت فكرة لذهن إبراهيم فسأل طارق سؤال مباشر :

  • بشرى دي الحالة اللي جت هنا بنفسها ودفعت فلوس لأكتر من خمس سنين مش كده؟
  • تعرفها ؟
  • لأ … لكن أعرف إن مش هي الوحيدة اللي عملت كده .. قبلها كان فيه واحدة .. اسمها هدى وقبلها محاسن .. وغيرهم .. كلهم دفعوا فلوس وماتكلموش  وماتوا هنا .. في نفس الأوضة ….. ومن خمسين سنة ..كان فيه مكانهم ست اسمها غريب أوي … فضلت تقول كلام غريب .. دي أول واحدة كانت تدخل الأوضة بعد ما قسموا استراحتكم دي لاوضة واستراحة .. فبقت الأوضة الأخيرة رقم 13 مش 12.

جلس مجدي ينصت ويتابع في هدوء حتى وتره سؤال طارق لإبراهيم :

  • انت قلت الست اللي من 50 سنة كان اسمها غريب ؟
  • اه مش متذكره أوي بس كان مش إسم اصلا.
  • رسالة ؟
  • أيوة رسالة .. كان اسمها رسالة السيد.

ارتعب مجدي وهب واقفاً وهو ينظر لطارق وعينيه جاحظتان للخارج .. ثم نظر للحائط خلف طارق وكأنه يرى شيئاً حتى سقط فجأة من هول الصدمة مغشياً عليه

…………..يتبع…………….

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق