أسرار وحكاياتالمميزة

حاصد الأرواح 10

بقلم.. د.. أسماء كارم

دخل طارق للحجرة التي تجمعه والدكتور مجدي على الفور .. لم يكن من عادة مجدي أن يرسل في طلبه على وجه السرعة مما أثار رهبة طارق حول ما إذا كان هناك شئ ما…
بقولك إيه ..تعالى بسرعة واقفل الباب وراك.
قالها مجدي بجدية توحي بأهمية الأمر ثم صمت .
مالك يا مجدي فيه ايه ؟
فيه اني غالباً هاتجنن بسببك أو معاك مش مهم .. بص أنا مش مؤمن بجو العفاريت والأرواح ده بس مصدقك …. خصوصاً بعد ما شفت ده.
قال هذه الجمل المبهمة وهو يعطي طارق دفتر قديم ذو جلدة سميكة تكاد تكون أحرفه بالية .. مما يوحي بقدم زمنه.
ايه ده ؟…. ده شكله قديم أوي .
ابراهيم جابهولى وقالي اوصلهولك .. لو كنت بتتكلم بجد ومابتحورش هايفيدك.
ابراهيم مين … آه أرشيف
امال ابراهيم جوز خالتي .. بقولك ايه .. الدفتر ده لقوه في اوضة سارة بعد ما ماتت .. الحاجة الوحيدة اللي طلعت سليمة .. كانت مخبياه تحت بلاطة .. لقوه وهما بيوضبوا الأوضة وبيغيروا البلاط بتاعها بعد الحريق .
هو كمان فيه حريق .. ابراهيم بيقول الاوضة اتحرقت وانا مسألتش ومش هسأل … المهم أنا قريت فيه كام صفحة … من باب الفضول .. اتفضل قابل المفاجأة بقى…. تشرب قهوة؟
لا مش عايز .
هاتحتاجها .. يا عم سيد …
نظر له طارق باندهاش وهو يفتح الباب ليرفع صوته بهذا الشكل المبالغ فيه منادياً عم سيد من أجل فنجانين من القهوة .. ثم وضع عينيه على ذلك الدفتر القديم .. لم يكن شكله مريح بالمرة .. بالرغم من أنه دفتر عادي قديم …اتكأ على كرسي مكتبه ثم قال لمجدي :
مجدي بقولك ايه .. قريت إيه في الدفتر ده .. مش عارف ليه مش عاوز افتحه .
ليه يا حبيبي .. خايف ؟ ..ده انت بالذات لازم تفتحه ….
اشمعنى بقى يعنى.
طارق نتكلم جد شوية بقى؟… الكلام اللي مكتوب هنا مكتوبلك .. او يعنى مش مكتوبلك .. أنا حسيت كده .. بص .. اقرا وانت تعرف .. اللي اقدر اقولهولك اني حسيت اني خايف .. مع اني ماسك في ايدي شوية كلام فارغ كاتباه دكتورة مجنونة وماتت مشنوقة ولا محروقة .. بس انا خفت.

لم يكن هذا الكلام ذو وقع عادي على طارق .. هذه المرة .. الرعب في عيني مجدي حقيقي .. هذا ليس أحد مقالبه الساذجة .. يبدو من حركة عينيه وارتعاشة ساقيه السريعة انه متوتر جداً ….الكلام يخرج من فمه بسرعة ..وببطء في نفس الوقت ..شفتاه ترتعش .. يفرك كفيه ببعضهما بين الجملة والجملة .. نظر له طارق في صمت حتى انتفض كلاهما عندما انفتح الباب فجأة .. ليدخل عم سيد حاملاً كوبين من القهوة وكوب من الماء على صينية مستديرة صغيرة بالكاد تحتمل زحام ثلاثة أكواب فوق رأسها .
هم مجدي بالوقوف ثم وجه الحديث لعم سيد بحدة قائلاً:
إيه يا عم سيد .. حد يدخل كده ؟… ابقى خبط عالباب وانت داخل .
ههههههه.. الله يجازيك يا دكتور مجدي … مش هتبطل هزار … ده انا بخبط ليا عشر دقايق .. ورجعت بالقهوة لما بردت وعملت قهوة جديدة .. وخبطت تاني بس لما سمعت صوتك بتضحك قلت تبقى عامل فيا مقلب زي عوايدك
بضحك ؟ يا راجل يا مجنون انت هاتشتغلني ولا ايه ضحك مين اللي بت.
هههههههههه …معلش يا عم سيد .. كنا بنهزر معاك … سيب القهوة واتوكل على الله .. تعالى يا مجدي بقولك ايه ..
لم تكن مقاطعة طارق لحديث مجدي سوى تشويش لما قاله عم سيد .. نظر له مجدي وفور ما انغلق الباب قال:
انت سيبته يمشي ليه ؟… ده بيشتغلنا …. انا مكنتش بضحك…وانت عارف و
مجدي … اعتبر عم سيد عنده برد … سخونية عملتله تهيئات زي اللي حصلتلي .. كويس انه سمعك بس بتضحك.
بقولك ايه يا طارق .. انا ماليش في الجو بتاعك ده خالص .. انا راجل اعالج حالة شيزوفرينيا .. اضطراب وجداني … انهيار نفسي .. شلل عضوي .. انما جو الانبهارات الفظيع ده مش بتاعي وماليش فيه.
بقولك ايه .. معندكش فضول تعرف ايه اللي جوة الدفتر ؟
لا .. انا فضولي خلاني افر صفحتين تلاتة قلبولي دماغي .. لما تقرا انت ابقى قولي ….. بص
نظر له طارق مبتسماً وهو يكمل حديثه
يمكن عندي فضول اه بس خايف .. يعني انا ممكن اشرب معاك القهوة وانت لو عاوز تقرا وتقولي حاجة براحتك .
ضحك طارق ضحكة عالية وأمسك بالدفتر فيه يديه وقال :
شوف أنا متأكد إنك هاتموت وتعرف اللي مكتوب .. خصوصا انك كنت بتتريأ عليا وفجأة لقيت كل حاجة قدامك .
بص يا طارق لحد اللحظة دي انا مش متأكد انك بتشوف عفريت .. ولا ان روح سارة بتطلعلك .. لكن واثق انك ممكن تحس بوجود حاجة وقناعتك تصورهالك عادي .
زي ضحكك اللي سمعه عم سيد كده؟
عادي … احنا في مستشفى مجانين أصلاً … بقولك ايه افتح البتاع ده وسمعني .
سارة كانت خايفة … خطها فيه رعشة .. الميل مش في اتجاه واحد .. غريبة دي … خدت بالك من تارخ تعيينها اللي هي كاتباه؟ نفس تارخ تعيينى بس
قاطعه مجدي وهو يأخذ رشفة من القهوة :
بس سنة 1967…. صدفة عابرة .. على فكرة ده تاريخ تعييني أنا كمان .. بس انا اتعينت قبلك بسنة عادي .. انت عارف التعيينات بتكون للطلبة المتميزين بعد التخرج بفترة قليلة .. وقت فحص مش أكتر .. طبيعي ان الصدفة دي تتكرر.
مجدي … انت قريت الدفتر ده ؟
لا يابني والله فريت فيه بس .. اول صفحة .. صفحتين في النص .. وصفحة في الاخر .. بس في النص لقيت ان كان فيه دكتور اسمه طارق .. هو اللي بيشرف على العلاج لحالة معينة معاها…. علشان كده قلتلك الدفتر ده كأنه مكتوب ليك .
هو مش دكتور اسمه طارق بس …
قالها طارق وهو يعقد كفيه ويضعهما على المكتي وينظر في عيني مجدي بشكل مباشر ثم أكمل :
ده فيه دكتور اسمه مجدي كمان .
هب مجدي واقفاً من هول الصدمة .. لم يستطع ابتلاع ريقه لدرجة أن صوت نفسه كان واضحاً وضربات قلبه المتسارعة كادت ان تكون مسموعة … لحظات من التوتر خيمت على المكان حتى قرر طارق المقاطعة:
صفحة 2 … سارة بتقول ” لم أكن سعيدة فقط بالتعيين في هذه المصحة بالذات.. ولكن زادت سعادتي بوجود زميلين لطيفين .. دكتور طارق والذي كان يباشر حالة هذه السيدة الغامضة … لطيف .. هادئ.. تحسبه ذو جنسية أوروبية من طلته الوسيمة وبشرته الفاتحه المائلة للحمرة وعينيه ذات اللون الرمادي الداكنو الذي قد يصبح بنياً في الضوء الضعيف .. ودكتور مجدي المرح ذو الملامح المصرية جداً .. والذي تعرفت عليه بعد أحد مقالبه التي علمت أنها معتادة منه للجميع…. حجرتنا لطيفة .. صغيرة نوعاً ولكنها دافئة .. بها مكتب واحد له ثلاثة كراسي .. وأنتريه جلد صغير ..ومنضدة زجاجية مستديرة … هي استراحة أطباء صغيرة وليست حجرة للكشف.. كانت الحجرة لطيفة فعلاً كما ذكرت ولكن باستثناء شئ واحد بها .. تلك المرآة المعلقة في الجانب البعيد من الغرفة .. وكأن أحد علقها ليضعها في مكان لا يمكن لأحد الوصول له والوقوف أمامها .. دائماً ما أجد هذا التفسير شافياً .. احدهم علم عنها شيئاً وأراد ان يخفيه ويبعده عن المارة .. ما من داعٍ أبداً للبحث حولها .. هي في جميع الأحوال غير مريحة”
طارق … دي الأوضة اللي بتتكلم عنها … المكتب.. الانتريه .. المراية اللي محطوطة فوق الشانون جنب الانتريه واللي محدش واخد باله منها أصلاً.
مجدي … شكلك … طريقتك … شكلي… حتى لون عيني .. احنا كنا هنا من اكتر من 50 سنة …. او على الأقل كان فيه ناس بنفس أسامينا وشكلنا.
طارق .. علمياً ومنطقياً ده مستحيل يحصل .. لكن بما انه حصل يبقى قدامنا شخص واحد ممكن يكون في ايده أول الخيط … وإلا نبقى …
……………..يتبع………….

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق