المميزةثقافة وقراءة

عصر التشهير بالعرب والمسلمين: “جريمة نيوزيلاندا” بدأت من هنا

صوت الوطن

لم يكن الحادث الإرهابي في نيوزيلاندا، بقتل أحد اليمينيين المتطرفين لعشرات المصلين في مسجدين خلال صلاة الجمعة مجرد حادث يجب أن يمر مرور الكرام، بل هو تطور بالغ الأهمية، يعكس ما وصلت إليه صناعة الكراهية في العالم تجاه العرب والمسلمين.

وهذه قضية كبيرة تحتاج إلى الكثير من التحليل والفهم، فإدراك ما يجري في عالم اليوم يتطلب العودة قليلا إلى الماضي، ومعرفة كيف آلت الأمور إلى ما هي عليه اليوم.
واحد من الكتب المهمة التي تقدم إحاطة فكرية شاملة بحقيقة صناعة الكراهية تجاه العرب والمسلمين في العالم، وأدوات ووسائل تلك الصناعة البغيضة، يقدمها كتاب “عصر التشهير بالعرب والمسلمين”، نحن والعالم بعد 11 سبتمير 2001 ‘ للمفكر الراحل الدكتور جلال أمين، وقد صدر من هذا الكتاب العديد من الطبعات من دور نشر مختلفة.
ورغم مرور عدة سنوات على إصدار هذا الكتاب، إلا أنه لا يزال صالحا للقراءة، بل إنه يحمل من الرؤى العميقة لجذور صناعة الكراهية تجاه العرب والمسلمين، والتي وصلت ذروتها في أعقاب أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١، ما يجعله واجب القراءة ممن يريد أن يفهم حقيقة ما يجري في عالم اليوم.
ويشرح الكتاب كيف تعرض العرب والمسلمون على مدى عقود عديدة إلى حملات تحقير واعتداء معنوي، شأنهم شأن ما تعرضت إليه بقية الشعوب التي خضعت للاستعمار الغربي، إلا أنه منذ الإعلان عن الدولة الإسرائيلية تضاعفت حملات التشهير واشتدت قوةً وضراوة، وبالأخص في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، وما صاحبها من حملات تشهير ممنهجة عبر إصدار كُتب، كان هدفها الأول والأخير النيل من سمعة العرب والمسلمين، والقضاء على أي مشاعر قد تتعاطف معهم.
ويوضح الكتاب أنه صاحب التغيير في النظام العالمي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي تغير موازٍ في الخطاب المستخدم لتجميل القبيح وإبراز أحقر الغايات كأنها أنبل الأشياء، فبينما روَّج الاستعمار القديم القائم على الاحتلال العسكري لأن أوروبا تتحمل مسئولية نشر الحضارة، وشكَّك في قدرة الشعوب الخاضعة للاحتلال على تحقيق النهضة، بسبب صفات راسخة فيها تعود إلى الجنس أو الدين أو الثقافة والمناخ، فإنه تزامنًا مع فترة الانفتاح رفعت الشركات متعددة الجنسيات شعارات العولمة والقرية الواحدة ونهاية التاريخ.
ومن بين أساليبها في الترويج لتلك الأفكار: اختراع عدو تُوجه إليه نقمة الشعوب المراد كسب تأييدها، وذلك لضمان تعبئة الناس وراء هدف معين، فتحول العدو بعد أن كان في صورة الدولة المحتلة أو الدولة الاستعمارية المنافسة إلى عدو غير واضح المعالم أطلقت عليه اسم “الإرهاب”، وخاصة الإرهاب العربي والإسلامي.
ويشير الكتاب إلى تعرض المسلمين والعرب في عصر العولمة جراء تصدير تلك الفكرة إلى حملة من التشهير والتحقير امتدت من أمريكا غربًا إلى الصين شرقًا، مرورًا بأوروبا الغربية والشرقية، علاوة على إسرائيل.
ويستشهد على ذلك بأنه لم تمضِ شهور قليلة بعد أحداث 11 سبتمبر حتى صدر كتاب بعنوان “أين مكمن الخطأ” للكاتب “برنارد لويس”، قصد في العنوان أن يتساءل عن أسباب ارتكاب المسلمين لأحداث 11 سبتمبر، والتجرؤ على تفجير البرجين.
تم اتباع كل الأساليب لضمان نجاح ذلك الكتاب والتسويق له من أجل إيصال رسالة مفادها أن هناك أشياء متأصلة وعميقة للغاية في نفسية وعقلية المسلمين، تجعلهم يتصرفون على هذا النحو الذي شهدناه في 11 سبتمبر.
وبالفعل تصدر الكتاب قائمة الكتب الأكثر مبيعًا، لأن الجميع كان يريد معرفة السبب وراء ارتكاب هذا الفعل الجنوني، روَّج ذلك الكتاب للرواية الرسمية التي أذاعتها الإدارة الأمريكية، بأن المخططين والمنفذين كلهم مسلمون وجنسياتهم كلها إما سعودية أو مصرية، وأن سبب ارتكابهم لهذه الأعمال كراهيتهم لأمريكا، وأن الهدف منه الانتقام من أمريكا.
وفي حين شكَّك كتاب فرنسيون وألمان في القصة برمتها، لم يكتفِ لويس بذلك، بل أصدر كتابًا آخر بعنوان “أزمة الإسلام: حرب مقدسة وإرهاب غير مقدس” احتوى على مجموعة من المبادئ العامة التي تصلح كدليل ممتاز لأي شخص يستهدف تشويه سمعة الإسلام والمسلمين.
ويوضح الكتاب أن الغرب استخدم بحرفية شديدة وسائل الإعلام لبث أفكاره، سواء لجمهور الغرب أو العرب والمسلمين أنفسهم، خاصة أن بعض شعوبنا يعتقد أن مجرد التقدم التكنولوجي الذي تتسم به وسيلة من وسائل الإعلام الغربي يُضفي على خطابها درجة أكبر من الحياد وعدم التحيز، وهو ما جعلهم يُصدقون ما يلقيه الغرب على العرب والمسلمين من تهم الإرهاب بشكلٍ دائم. ويضيف: في مقابل كل حملات التشويه والتشهير هذه، لم يتبنَ العرب سوى موقف دفاعي ضعيف، دون أن يكون هناك رد قوي وحقيقي وموازٍ بالرد على الشبهات وتفنيدها وتوجيه الرأي العام عبر إعلام يخاطبهم بنفس لغتهم.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق