المميزةتحقيقات وتقارير

إصلاح الأجور .. أسئلة صعبة تتجاوز “عصا العلاوات”

صوت الوطن – محمد عيد:

الترحيب الواسع بتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بشأن إصلاح منظومة الأجور وزيادة المعاشات، يكشف بوضوح حجم الضغط الذي باتت تعانيه تلك الفئات المستهدفة بالقرارات الرئاسية، فقد واجهت طبقات الموظفين ومستحقو المعاشات، وأغلبهم ينتمي إلى الطبقة المتوسطة – وفق الاعتبارات والمعايير الاقتصادية والإجتماعية – ضغوطا بالغة القسوة جراء الإصلاحات الإقتصادية مع انطلاقة البرنامج الاقتصادي الراهن بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي قبل أربعة أعوام.

فمع ثبات الدخول تقريبا، والتصاعد غير المسبوق في معدلات التضخم، وخفض مخصصات الدعم، عانت الطبقة المتوسطة على وجه الخصوص مأزقا حقيقيا، بات يهدد بانزلاقها إلى شرائح دنيا من الطبقة المتوسطة، أو حتى الدخول تحت مظلة الفقر.
ورغم أهمية الإرادة السياسية كأحد أهم مكونات العملية الإصلاحية المنتظرة لهيكل الأجور في مصر، لكن الأمر لا يبدو بتلك السهولة التي يتصورها البعض، فهيكل الأجور المختل في البلاد منذ عقود، يتطلب جراحة دقيقة بمشرط اقتصادي ماهر كي يتحقق الهدف المأمول، فقد اعتمدت سياسات الأجور طيلة العقود الماضية على “عصا العلاوات” كوسيلة “سحرية” لموازنة الأجور ومعدلات التضخم، لكن غالبا لم تحقق تلك السياسة الفاعلية المطلوبة، وباتت الازدواجية بين الدخل الرسمي والدخل الحقيقي بمثابة “ثقب أسود” يلتهم كل جهود الإصلاح، بل ويفتح بابا واسعا للفساد الإداري، فتدفع الدولة فاتورة أعلى بكثير مما كانت ستدفعه لو قدمت زيادات حقيقية للأجور، وخاصة للعاملين بالجهاز الإداري للدولة.
ومنذ إصدار قانون الخدمة المدنية الجديد ولائحته التنفيذية اتجهت الحكومة إلى إعادة النظر في هيكل المرتبات والأجور ضمن برامج الإصلاح المالي والإقتصادي. وقد نتج عن ذلك تراجع نسبة الأجور والمرتبات من إجمالي المصروفات العامة، وتراجع نسبتها كذلك من إجمالي الناتج المحلي. وكانت الظاهرة الأهم تتمثل في أن معدل الزيادة في الأجوروالمرتبات يتحرك بمعدلات أقل وأبطأ من معدل التضخم ومن معدلات الزيادة  في الإنفاق العام للدولة، وهو توجه يتناقض مع الشعار الذي رفعته الحكومة بشأن إصلاح الجهاز الإداري للدولة، وهو ما يتطلب ضرورة إصلاح هيكل الأجور بما يحقق رفع كفاءة العمل والإنتاج ويأخذ في اعتباره معايير العدالة الإجتماعية.
وتتضمن هذه المعايير ضرورة المحافظة على قيمة الأجر الحقيقي على الأقل من غول التضخم، والعمل على زيادة الدخل الحقيقي للعاملين بما يحقق الرضا الشخصي والاجتماعي ويوفر حافزا للعمل على زيادة الإنتاجية.
وتشير الدراسات الاقتصادية والاجتماعية التي أجريت خلال الفترة منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي حتى الآن إلى أن نصيب الأجور من إجمالي النانج المحلي اتجه للتراجع تاريخيا حتى وصل الآن إلى أقل معدل له على الإطلاق، فقد انحدرت هذه الحصة لتسجل ٥٫٨٪ من إجمالي الناتج المحلي في الميزانية العامة الأخيرة (٢٠١٧-٢٠١٨).
كما تعتبر خريطة الأجور في مصر واحدة من أكبر عشوائيات النظام الاقتصادي والإداري، فالأجور تختلف إلى درجة التباين الشديد داخل أجهزة الحكومة المركزية، كما تختلف بصورة كبيرة حتى داخل الجهاز الواحد، كذلك تتباين الأجور والمرتبات بشدة في الهيئات العامة الخدمية والاقتصادية، وتتباين إلى درجات أشد حتى في داخل الهيئة الواحدة.
فعلى سبيل المثال تختلف قيمة المرتبات والأجور الكلية التي يحصل عليها الموظف في وزارة البترول بشدة عن تلك التي يحصل عليها الموظف من الدرجة نفسها في وزارة التربية والتعليم، كما أن الدخل الشهري الكلي الذي يحصل عليه الموظف في قطاع الوزير في أي وزارة يزيد كثيرا على ذلك الذي يحصل عليه الموظف المربوط على الدرجة نفسها في الوزارة نفسها، ناهيك عن فروق الدخل التي يحصل عليها الموظفون الذين يستفيدون من موارد الصنديق الخاصة.
ويدخل كذلك ضمن مظاهر الخلل أن الأجر الأساسي تبلغ نسبته في المتوسط 20% تقريبا من الأجر الكلي (الذي يشمل الحوافز والمزايا والبدلات والمكافآت)، وهو ما يضمن تخفيض مساهمة الحكومة في صندوق التأمينات والمعاشات التي تحتسب على الراتب الأساسي فقط، فضلا عن استخدام ذلك التفاوت الكبير في ضمان خضوع المرؤوسين لرؤسائهم الذين يمتلكون اليد الطولى في تحديد تلك العلاوات والمكافآت.
وإذا أضفنا إلى كل ما سبق، ضعف الرقابة على الأسواق وما تتسبب فيه من التهام لأية زيادات موسمية بالأجور، فسرعان ما تتسرب أية زيادات – مهما بلغت – في شقوق الارتفاع غير المبرر وغير المراقب للأسعار، وهكذا تبقى الدائرة المفرغة بلا نهاية، لا الأجور تكفي الموظف، ولا الدولة تتوقف عن تكبد الخسائر.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق