المميزةتحقيقات وتقارير

ثورة 1919.. 100 عام من النضال.. إرهاصات الثورة ونشأة الوفد..أحفاد سعد زغلول يرون الجانب الآخر لحياة الزعيم

 

صوت الوطن – محمد عيد

ثورة شعبية تضافرت فيها قوى الشعب من أجل الاستقلال والتحرر من الإنجليز واستغلالهم لخيرات البلاد، الأمر الذى أدى إلى استياء الشعب المصرى، إنها ثورة مصر 1919، والتي نحتفى بها هذا الشهر بعد 100 عام على إندلاعها، والتى كانت بمثابة حركة تطور رهيبة فى التاريخ المصرى الحديث، لكن للعلم فإن الثورة لم تنشب فجأة بل سبقتها أحداث كبرى منها، إعلان المحتل البريطانى الأحكام العرفية على مصر فى عام 1914 بزعم اشتعال الحرب العالمية الأولى.

يقول عبد الرحمن الرافعى فى كتابه الشهير “ثورة 1919 .. تاريخ مصر القومى من 1914 إلى 1921” إنه على إثر نشوب الحرب بين تركيا وروسيا فى أول نوفمبر 1914 أعلن الجنرال السيير جون مكسويل، قائد جيوش الاحتلال فى مصر الأحكام العرفية فيها بموجب القرار الذى أصدره يوم 2 نوفمبر سنة 1914 وهذا نصه:

“ليكن معلوما أنى أمرت من حكومة جلالة ملك بريطانيا العظمى بأن آخذ على مراقبة القطر المصرى العسكرية لكى يتضمن حماؤه، فبناء على ذلك قد صار القطر المصرى تحت الحكم العسكرى من تاريخه”.

ووضعت الرقابة على الصحف لإعلان الأحكام العرفية، وأصدر الجنرال مكسويل إعلانا آخر، حذر فيه الأهالى من تكدير السلام العام ومساعدة أعداء إنجلترا وحلفائها، ودعاهم إلى اتباع جميع الأوامر التى تصدرها السلطة العسكرية وقال:

“أنا جون جرنقل مكسويل لفتنت جنرال قومندان الجيوش البريطانية فى القطر المصرى المنوط بتنفيذ الأحكام العرفية أعلن بهذا ما يأتى:

أولا: إن السلطة التى تستعمل تحت إشرافى بمعرفة الإدارة العسكرية ليس الغرض منها الحلول محل الإدارة الملكية،  بل تعتبر تكميلا لها، وكل الموظفين الذين فى خدمة الحكومة المصرية الاستمرار على أداء واجباتهم دقة فى وظائفهم”.

ثانيا: إن أحسن ما يمكن عمله للصالح العام هو الامتناع عن عمل من شأنه تكدير صفو السلام العام، أو التحريض على التنافر ومساعدة أعداء ملك بريطانيا وحلفائه، والمبادرة باتباع جميع الأوامر التى تعطى لحفظ السلام العام وحسن النظام عن طيب خاطر، ومن اتبعوا ذلك لا يكونون معرضين لأى تداخل فى شئونهم من السلطة العسكرية”.

ثالثا: جميع الطلبات التى ربما تلزم للأحكام العسكرية من خدمات الأفراد أو مما يملكون تكون قابلة للتعويض التام، وتحدد قيمتها بمعرفة سلطة مستقلة إن لم يحصل الاتفاق عليها بين الطرفين”.

وأبلغ المستر ملن شيتهام القائم وقتئذ بأعمال المعتمد البريطانى هذا المنشور إلى حسين رشدى باشا رئيس الوزارة والقائم مقام الخديو بخطاب قال فيه:

“القاهرة فى 6 نوفمبر سنة 1914، إلى صاحب العطوفة حسين رشدى باشا، رئيس مجلس نظار الحكومة المصرية، يا عطوفة الوزير، أتشرف بأن أرفع لعطوفتكم مع هذا صورة المنشور الذى أصدره جناب قائد الجيوش البريطانية العام فى القطر المصرى، وترون عطوفتكم من هذا المنشور أن السلطة فيها يتعلق بالوسائل اللازمة عن القطر المصرى وبالتدابير التى يستدعيها هذا الدفاع أصبحت منحصرة فى يد القائد العام،  وأن حضرات النظار لا يزال كل واحد منهم حافظا للسلطة التى له فى الأمور الملكية الخاصة بنظارته”.

فرد عليه رشدى باشا بالخطاب الآتي:

“القاهرة فى 6 نوفمبر سنة 1914،  إلى جناب المستر ملن شيتهام، نائب معتمد بريطانيا العظمى فى مصر، إلى جناب الوكيل، علمنا ما جاء فى منشور قائد الجيوش البريطانية العام فى القطر المصرى والذى بعثتم به إلينا، ونظرا لغياب سمو الجناب الخديو الذى نستمد منه سلطتنا أتشرف بإبلاغكم بأننا سنستمر أنا وزملائى على إدارة أعمال نظارتنا الملكية تجنبا للمضار التى تلحق بالبلاد إذا تعطلت حركة إدارتها الدخلية”.

وفى 18 ديسمبر سنة 1914 أعلنت إنجلترا حمايتها على مصر، ونشرت (الوقائع المصرية) فى اليوم نفسه إعلان الحماية، وهذا نصه:

(إعلان بوضع بلاد مصر تحت حماية بريطانيا العظمى).

(يعلن ناظر الخارجية لدى جلالة ملك بريطانيا العظمى أنه بالنظر إلى حالة الحرب التى سببها عمل تركيا قد وضعت بلاد مصر تحت حماية جلالته، وأصبحت من الآن فصاعدا من البلاد المشمولة بالحماية البريطانية”.

“وبذلك قد زالت سيادة تركيا على مصر، وستتخذ حكومة جلالته كل التدابير اللازمة للدفاع عن مصر وحماية أهلها ومصالحها”.

وتم خلع الخديو عباس الثانى فى 19 ديسمبر سنة 1914 الذى كان غائبا عن مصر وقت نشوب الحرب، فقد قصد إلى الأستانة فى أوائل الصيف، وبقى بها إلى أن أعلنت الحرب بين إنجلترا وألمانيا، وتردد فى عودته إلى مصر، برغم إلحاح رشدى باشا عليه فى ذلك، ولما اعتزم الرجوع إليها أظهرت الحكومة البريطانية رغبتها فى عدم عودته إذ كانت نيتها مبيتة على خلعه.

 

نشأة الوفد:

في أواخر أكتوبر 1918 عقدت تركيا هُدنة مع بريطانيا وحليفاتها، وفي 11 نوفمبر كانت آثار الضيق السياسي والاقتصادي لدى المصريين، قد تفاعلت مع عوامل الأمل في الاستقلال والتطلع إليه، بالتخلص من الاحتلال البريطاني.

وتمثلت زعامة الحركة الوطنية بمصر في سعد زغلول، وكيل الجمعية التشريعية المنتخب، وزعيم المعارضة بها، ومعه زملاؤه البارزون فيها.

وفي يوم 13 نوفمبر 1918، قابل سعد زغلول وبرفقته عبدالعزيز فهمي، وعلي عشراوي، “السير ريجنلد وينجت”، المندوب السامي البريطاني لدي مصر، فبدأت المواجهة المباشرة بين ممثلي الشعب المصري، وممثل دولة الاحتلال، حيث طالب “سعد” ورفاقه، بإلغاء الأحكام العرفية والرقابة المفروضة على الصحف وسائر المطبوعات، وتحقيق الاستقلال لمصر، وأكدوا له إعطاء بريطانيا الضمانة المعقولة لعدم مساس أي دولة بمصالحها، أو بحقوق أصحاب الديون من الأجانب.

وتحدث المندوب السامي البريطاني عن الفوائد التي جنتها مصر وستجنيها من بريطانيا، وميله إلى إلغاء الرقابة الصحفية والتفات بريطالينا إلى مطالب مصر، مشيرًا إلى عدم كفاءة مصر للاستقلال، واحتمال تعرضها لاعتداء أي دولة قوية عليها.

وعقب المقابلة، اجتمع ممثلو الشعب المصري الثلاثة بحسين رشدي، رئيس الوزراء، وزير الداخلية، الذي أيد مسعاهم.. لكن في اليوم ذاته، أبدى المندوب البريطاني، لرئيس الوزراء المصري، دهشته من أن سعد وزميليه يتحدثون عن أمر أمة بأسرها، دون أن تكون لهم صفة التحدث باسمها. فأسرع سعد إلى تنفيذ ما سبق اتجاه الفكر إليه بتأليف هيئة تسمى الوفد المصري، مهمتها المطالبة باستقلال مصر، على أن تحصل على توكيلات من أفراد الأمة تخولها صفة التحدث باسمها، لدحض الزعم البريطاني، بافتقارهم إلى هذه الصفة.

تألف الوفد، برئاسة سعد زغلول وعضوية علي شعراوي، وعبدالعزيز فهمي، ومحمد محمود، عبداللطيف المكباتي، محمد علي علوية، وأحمد لطفي السيد، وكلهم يعتنقون الفكر الليبرالي، ويُمثل أكثرهم طبقة كبار الملاك.

 

اندلاع الثورة:

مضى الوفد في كفاحه، واشتدت الأزمة السياسية في مصر بقبول السلطان أحمد فؤاد استقالة وزارة رشدي في أول مارس 1919، فقد وافقت الحكومة البريطانية على سفر رئيس الوزراء ووزير المعارف العمومية إلى لندن، في فبراير أو مارس، ولكنهما اشترطا لسخب استقالتيهما وسفرهما أن يُسمن بالسفر لكل المصريين، لكن الحكومة البريطانية رفضت وقبل السلطان استقالة الوزارة، فاستاء الرأي العام المصري من تحول موقف السلطان من مساندة الحركة الوطنية إلى الخضوع للسياسة البريطانية، وعاتب الوفد السلطان على قبول استقالة الوزراة الوطنية المؤيدة للوفد.

المسؤولون البريطانيون، رأوا في كفاح الوفد تحديًا لهم وتشهيرًا بتصرفاتهم، وتحريضًا للشعب على مقاومة السلطات، وظنوا أن سياسية التهديد والعُنف كفيلة بالقضاء على هذه الحركة، واستدعى الجنرال واطسون، نائب قائد القوات البريطانية في مصر، يوم 6 مارس، رئيس أعضاء الوفد، وأنذرهم بالمعاملة الشديدة إذا عرقلوا سير الإدارة.

وفي مساء يوم 8 مارس 1919، ألقت قوات الجيش البريطاني القبض على رئيس الوفد وثلاثة من أقطابه، هم محمد محمود وإسماعيل صدقي، وحمد الباسل، واعتقلوهم في ثكنة قصر النيل طوال الليل، وفي صباح اليوم التالي نُقل قادة الوفد الأربعة إلى بورسعيد بالقطار تمهيدًا لنفيهم إلى مالطة بالباخرة، الأمر الذي أدى إلى اندلاع الثورة في مصر، احتجاجاً على الحمامية البيريطانية التي فرضها الاحتلال، وما صاحبها من ظُلم واستغلال، فامتنع طلبة الحقوق في الجيزة عن تلقي دروسهم، وأكدوا أنهم “لا يدرسون القانون في بلد يُداس فيه القانون”.

وفي اليوم التالي 10 مارس، اتسع نطاق الثورة، وأعلن جميع طلبة المدارس والأزهر الإضراب العام، وألفوا تظاهرة كبرى، وانضم إليهم أفراد من سائر فئات الشعب، ثم تزايدت الأعمال الثورية وامتدت إلى كافة الأقاليم، فتصدى الجيش البريطاني لها بعنف، وسقط الشهداء والجرحى من المصريين، فطغت أخبار الثورة على صفحات الصحف المصرية.

الحركة النسائية الوفدية في ثورة 19:

في يومي 16 و 20 مارس 1919، قامت تظاهرتان نسائيتان لما تنالا حظهما على صحفات الصحف المصري، بسبب قيود الرقابة الصحفية والتقاليد الاجتماعية، قادتها هدى شعراوي، كريمة محمد سلطان باشا، رئيس أول مجلس نيابي مصري، والتي كونت لجنة الوفد المركزية للسيدات فتولت الإشراف على أعمال السيدات المصريات تجاه الحركة الوطنية آنذاك.

الوحدة الوطنية في ثورة 1919:

كانت الوحدة الوطنية بين الأقباط والمسلمين في ثورة 1919، صفة مميزة للثورة وأبرز إنجازاتها، إلا أن المفهوم الشائع عن الوحدة الوطنية في 1919 أحكم الدائرة على هذا التعبير، وهو أنها الوحدة بين الأقباط والمسلمين، لكن الحقيقة، أن المفهوم السليم لهذا التعبير، هو أوسع وأشمل، فالشعب المصري نسيج واحد، وسبيكة واحدة وأمة واحدة، فالوحدة الوطنية هي وحدة الأمة، بجميع أحزابها وطوائفها وفئاتها وأديانها.

وقد عبر سعد زغلول عن أصدق تعبير لمفهوم الوحدة الوطنية الشامل، عندما قال “الحق فوق القوة.. والأمة فوق الحكومة”، لأنه استخدم لفظ الأمة للتعبير عن الشعب بجميع فئاته السياسية والاجتماعية، بعدما كان يُردد المصريون “نحن رعايا السلطان العثماني”، وكانوا يسافرون بجوازات سفر عثمانية.

تكاتف الأمراء والفلاحين جنبًا إلى جنب في 1919، وهي وحدة وطنية، والموظفون والمثقفون والتجار ورجال الدين مسلمون ومسيحيون والأزهر والمثالون ورجال الفن، الرجال والنساء، كبار السن والشباب، والطلائع، كل هؤلاء يُعبرون عن المفهوم الحقيقي للوحدة الوطنية باتحادهم وتعاونهم وإصرارهم المشترك.

غير أن من مفتريات السلطات البريطانية أن الثورة كانت حركة قوامها النعرضة الدينية والتعصب ضد الأوروبيين، إلى أن التفاف الأقباط حول سعد، كان أبلغ تكذيب لهذه الفرية

 

الثورة تنتصر.. والوفد يُكافح في الخارج:

فشلت الحكومة البريطانية وسلطاتها في مصر، في مواجهة الثورة، فاتجهت إلى المهادنة والتخفيف من حدة الثورة، وصدر قرار الإفراج عن قادة الوفد، يوم 7 أبريل 1919، فاتجهوا من مالطة إلى فرنسا ، ولحق بهم باقي أعضاء الوفد المصري، الذين سافروا من القاهرة يوم 11 أبريل، والتقوا في مارسيليا يوم 18 من نفس الشهر.

وسعى الوفد مستغلًا الصحف الأجنبية والوسائل الإعلامية الدولية والجمعيات المصرية في أوروبا للتأثير على الرأي العام الدولي رغم إمكانيات بريطانيا المتعددة ضد الأماني والمساعي المصرية، لكن صدمة الوفد بإصرار الولايات المتحدة الأمريكية بالحماية البريطانية على مصر، لكن قرار البقاء في باريس بعيدًا عن الأحكام العرفي في مصر قد كان، لتكون مركزًا للإعلام بحقائق المسألة المصرية في أنحاء العالم، وإثارة المشاعر الوطنية في مصر، ومن ثم كان الانقسام بين مؤيد ومعارض لهذا القرار، وعاد المعارضون إلى مصر تدريجيًا، وألغوا عضوياتهم في الوفد.

 

انجازات الثورة:

نجح قادة الثورة في الرد على افتراءات رجال الاحتلال البريطاني وصحفه، والاتهامات التي وجهوها للشعب الثائر، لإثارة الشكوك والخلافات بين أفراده، أتباع الديانات المختلفة، وضرب وحدتهم، وكان في مقدمتها صبغ الثورة بصبغة دينية عامة، واتهامها بالتعصب الديني الإسلامي، واتهام الأقباط بالانضمام إليها خوفًا من المسلمين، وإثارة الصراع على الوظائف العامة بين الأقباط والمسلمين لنشر مشاعر الغيرة بينهم.

كما وفقت الثورة في معارضة فرض الحماية البريطانية على مصر، إذ اعترفت الحكومة البريطانية في فبراير 1921 بأن الحماية علاقة غير مرضية، ثم أعلنت إلغائها تماما في تصريح 28 فبراير 1922، واعترفت بمصر “دولة مستقلة ذات سيادة”.

وكان الاعتراف البريطاني باستقلال مصر، إنجازًا سياسيًا كبيرًا، ورغم أنه لم يُحقق الجلاء الفوري لقوات الاحتلال، إلا أنه كان الأساس الذي قام عليه نظام الحكم فيها، فقد صدر الدستورية سنة 1923، مقررًا سلطة الشعب وحقه الشرعي في حكم نفسه بنفسه، وبناء عليه تألف الجلس النيابي سنة 1924 وألغيت الامتيازات الأجنبية، فسيطرة الحكومة المصرية على الأجانب في التشريع والإدارة الأمن العام، سنة 1937 وفي القضاء سنة 1949.

وأطلقت الثورة الطاقة الشعبية كافة، في جميع المجالا السياسية والاجتماعية والفنية، وقوت الشعور بالانتماء للوطن وروح التضحية في سبيله.

وعضد روح الثورة الرغبة في النهوض والاستقلال الاقتصادي، ممثلة في دعوة طلعت حرب إلى إنشاء بنك مصر في أغسطس 1919 حتى تأسس البنك فعلًا في سنة 1920، وأقرت الثورة مجانية التعليم، وحررت المرأة.

 

ثورة 1952 تحظر الوفد:

وعندما قامت ثورة 23 يوليو عام 1952 التي قادها تنظيم “الضباط الأحرار” داخل الجيش المصري، وأُلغيت الملكية ، وأُقر التحول إلى النظام الجمهوري، ألغت الثورة في يناير 1953 الأحزاب السياسية المصرية، وحلت كل الأحزاب القائمة، بما فيها حزب الوفد، الذي قدم زعماءه لمحاكم الثورة بتهم الفساد السياسي، ومنهم مصطفى النحاس وفؤاد سراج الدين، ليسدل الستار على دور هؤلاء الزعماء في الحياة السياسية المصرية، وعلى تجربة التعددية الحزبية المصرية، التي كانت تجربة ديمقراطية تقوم على التناوب الديمقراطي على مقاعد الوزارة المصرية رغم ما شابها من عيوب.

 

عودة الوفد مع السادات:

في أعقاب حرب أكتوبر 1973 وانتصار الجيش المصري على قوات الاحتلال الإسرائيلي وظهور بوادر اتفاق سلام مع إسرائيل بدأ الرئيس المصري الراحل أنور السادات يتجه تدريجيًا نحو السماح بعودة التعددية الحزبية، وذلك بعدما عاشت مصر تجربة الحزب الواحد (الاتحاد الاشتراكي) لمدة تقرب من ربع قرن فشكل السادات حزب مصر العربي الاشتراكي ليصبح الحزب الحاكم ونشأ معه عام 1976 حزبا الأحرار (ليبرالي)، والتجمع الوطني (يساري).

ثم في مرحلة لاحقة شكل السادات “الحزب الوطني الديمقراطي تيمنا بتاريخ زعيم الحزب الوطني الشهير قبل الثورة مصطفى كامل فانتقل أعضاء حزبه السابق مصر العربي الاشتراكي إلى الحزب الوطني الجديد.

ومع وضوح معالم التعددية الحزبية المصرية كان أول حزب جديد يبادر بطلب اعتماده هو حزب الوفد الذي تقدم في يناير عام 1978 بطلب السماح له بممارسة العمل الحزبي العلني الأمر الذي أثار استياء السادات وأجهزة الدولة الأخرى التي شنت حملة ضد الحزب ركزت على أنه حزب العهد البائد والفاسد عهد ما قبل الثورة.

وعلى الرغم من ذلك حصل الوفد على موافقة لجنة الأحزاب لتأسيسه في 4 فبراير عام 1978، إلا أن استمرار الحملة الحكومية ضده، والتحذير من أنه سوف يضر التجربة الحزبية الجديدة، دفعت قادة حزب الوفد إلى إعلان تجميد الحزب طواعية بعدما أدرك زعيم الحزب فؤاد سراج الدين أن المقصود هو تجربة حزبية مستأنسه فتم تجميد الوفد في الثاني من يونيو عام 1978، أي بعد قرابة خمسة أشهر فقط من تأسيسه.

وما إن تم للسلطة التخلص من الوفد حتى سعى السادات إلى تشجيع قيام حزبين آخرين أحدهما اشتراكي (هو حزب العمل الاشتراكي)، والثاني ليبرالي (هو حزب الأحرار الاشتراكيين)؛ ليكون الحزب الوطني هو حزب الوسط، فشجع المهندس “إبراهيم شكري” على تشكيل حزب العمل في 11 ديسمبر 1978 (هذا الحزب مجمد حاليًا وتطالب الحكومة بحله بعدما تحول إلى حزب ذي ميول إسلامية)، كما شجع أحد ضباط ثورة يوليو “مصطفى كامل مراد” على تشكيل حزب الأحرار الاشتراكيين.

 

مرحلة العمل السياسى:

رغم أن قادة الوفد قرروا طواعية تجميد الحزب؛ منعًا لصدام كان متوقعًا مع السلطة، فقد حدثت مضايقات عدة لقادة الوفد، كان أقصاها اعتقال “فؤاد سراج الدين” رئيس حزب الوفد الجديد، ضمن قرارات سبتمبر الشهيرة في عام 1980،التي اعتقل بموجبها عشرات السياسيين المصريين، بناء على قرار من الرئيس السادات.

وفي أعقاب اغتيال الرئيس السادات في حادث المنصة العسكرية الشهير في 6 أول أكتوبر 1980، وتولي الرئيس حسني مبارك (نائب السادات في ذلك الوقت) رئاسة الدولة المصرية بعد استفتاء عام، أطلق الرئيس مبارك سراح المعتقلين السياسيين كافة، واستقبلهم في القصر الجمهوري فاتحًا بذلك عهدًا جديدًا.

وانتهز الوفد الفرصة سريعًا، فأعلن عودته إلى العمل السياسي ووقف القرار السابق بتجميد الحزب، بعد أن رفعت هيئة قضايا الدولة دعوى قضائية بعدم جواز عودة الوفد، على اعتبار أن الحزب حل نفسه، وطعن الوفد في الحكم قائلًا إنه جمد نفسه ولم يحل الحزب، فقررت محكمة القضاء الإداري رفض دعوى الحكومة، والحكم بشرعية عودة الوفد، ليعود إلى ممارسة نشاطه السياسي بشكل رسمي في عام 1983.

 

أحفاد “سعد”

علاء الدين شوالي، أحد أحفاد أسرة “زغلول” باشا، والذي كان والده ابن عمة الزعيم سعد باشا زغلول، قال إن زعامة “سعد” لم تُفرض علينا ولم يفرضها هو على أحد، لكن صنعتها الأمة، مؤكدًا أن حياته الخاصة، كانت مليئة بالبساطة، تزوج زواجًا عاديًا، شأنه شأن كل المصريين، مع اختلاف سلوكياتهم في بيوتهم حسب تنوع الثقافات والبيئة والتعليم.

وأضاف “شوالي” لم يتواتر عنه فى هذه النقطة ما نستطيع الإستناد إليه، فالرجل لم يعاصره أحد، ومن كتبوا عنه كتبوا عن مواقفه وسياساته فقط، وانما رأيت سعد مجسدًا فى أبى وبقبة الأسرة، فالشئ الوحيد عن حياته الشخصية كان ما روته أم المصريين عن طرفة يوم زواجها به، وحتى هذه لا تعتبر حياة شخصية، لكنها إشارة عن صلابته واعتزازه بنفسه.

وتابع: أما عن نفسى فقد أرثت منه شئيين كما كان أبى يقول لى أثناء اختلاف رأيينا: أولا ردائة الخط ثانيا صلابة الرأى فى المبدأ عموما، سعد الذي ولد فى بيئة أحست بأثار الظلم، وإن لم يقع عليها لمكانتها، فنبتت جينات الكبرياء والإستقلال فى وجدانه مع لبن الفطام وعبقرية المكان.

فورث سعد عن أبيه الشيخ إبراهيم، الشجاعة، هذا الأب الذي جذب مفتش الزراعة التركى من على حصانه وضربه بالكرباج، رغم انه شنق احد الكبراء بالأمس القريب لأقل من ذلك، وتدخل فتح الله بركات، صهر الشيخ إبراهيم، لإقناعه بالإعتذار فرفض، فذهب بركات يسترضى المدير التركى ودفع له 10 “مجر”، عملة تلك الأيام.

الموقف الاخر كان لجده لأمه، مريم، الشيخ عبده بركات، حيث أحضروا رجلاً بسيطاً وربطوه فى ساقية ليدور فيها أمام مسئول الرى التركى ثم طلبوا الشخ عبده للحضور، فحضر وقبل القاء السلام قام بفك رباط الرجل المسكين معصية لأمر المسئول التركى وأمام عينيه دون خوف، الا أن ذكاء المدير التركى دفعه لمعالجة الموقف المحرج فحيا الشبخ عبده ووصفه بأشجع الرجال وأنبلهم.

وغير ذلك مما ورثه سعد وترسخ داخله ليثمر سعداً الزعيم فيما بعد، فلاحاً مصرياً يحمل كل صفات بيئته وأمته من عزة نفس وكرامة وحب للحرية، بل وفكاهة وخفة دم ومقدرة لا تبارى فى السخرية السياسية أيضا، وهو جانب من شخصيته ربما يغيب عن الكثيرين.

تلك بعض الجوانب الخفية لحياة الزعيم الوفدي، والوجه الآخر لأبناء الثورة، والتي أثرت فينا تأثيرًا بالغًا، وحولت حياتنا إلى حياة قائمة على المبادئ السليمة.

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق