أسرار وحكاياتالمميزة

حاصد الأرواح 4

بقلم.. د.. أسماء كارم

يوم جديد .. يوم يبدو عادياً .. الشمس مشرقة .. الهواء معتدل نسبياً .. الدفء يأتي إلى داخلك رغم برودة شتاء هذا العام عن المعتاد .. كل شئ بدا طبيعي جداً سوى شئ واحد .. هذه الوصية الغريبة .. التي لم يفهم طارق منها شئ على الإطلاق .

الكل يعلم أنه عندما يصيبك داء التفكير في مجهول يبدو مخيفاً فأنت لن تستطيع أبداً النوم .. تبقى عينيك معلقتين .. جفنان مثبتان للأعلى .. تسمع كل شئ يتحرك بداخلك .. بشكل يدعوك للتوتر .. ورغم كل ذلك .. استيقظ طارق بلا أي شعور بالقلق .. بل كان يبدو عليه الراحة بشكل كبير .. تحرك نحو المرآة لينمق مظهره وهو يبتسم ثم قال :

  • أهم حاجة .. ماتفتحش الباب لو سمعت سبع دقات …ههههههههه.

خرج طارق ليقبل رأس والدته مودعاً إياها وتحرك ليذهب لعمله كالعادة .

  • طارق .. صباح الخير يا معلم .. دكتور علي بيسأل عليك ومستنيك في مكتبه .. فطرت ولا أستناك نفطر سوا ؟
  • صباح الخير يا مجدي .. هاروحله على ماتفطر وأجي أشرب معاك القهوة .. عاوزك استناني .

طرق طارق على باب دكتور علي وهم بالدخول ليجده يشير له بالجلوس وهو منفعل في الحديث في هاتفه ثم أنهى المكالمة سريعاً ونظر لطارق قائلاً:

  • أهلا يا طارق .. سمعت انك قابلت الحالة اللي هاتشتغل عليها في اوضة 13 .. قالولي انها كلمتك شوية… إيه الأخبار ؟.
  • والله يا دكتور تمام .. هي صحيح اتكلمت بس كل الكلام مش مفهوم .. مش مترتب .. من أول إسمها الغريب ده بصراحة كأنها عايشة في مكان تاني …لكن

قاطعه دكتور علي بسرعة :

  • من غير لكن ..مفيش حاجة هنا اسمها حاجة غريبة .ز احنا هنا بنواجه كل حاجة غريبة .. طبيعي يعني .. كونها تتكلم ده شئ كويس يابني .. دي بقالها سنة ماقالتش غير جملتين مرة واحدة وسكتت خالص .. كده نسبياً هي مرتاحة في الكلام معاك وده خط بداية معقول .. حاول تعرف هي مين .. ايه اللي في حياتها .. وايه اللي خلاها تيجي هنا ، عدي عليها وقولي ايه الأخبار .. ودون كل حاجة أول بأول وعرفني.

ابتسم طارق وهم بالنهوض قائلاً:

  • حاضر يا دكتور … بعد إذنك .

اتجه طارق لمكتبه في تلك الغرفة التي تجمعه هو وصديقه دكتور مجدي ليجده منهمكاً في تناول فطوره فقال :

  • لسة ماخلصتش ؟.. أنا قلت هاجي ألاقي القهوة .

رد عليه مجدي متهكماً :

  • معلش يا قلبي والله قلت أفطر الولاد وبعدين أعملك قهوتك على رواقه … انده عم سيد يا عم يعملهالك واطلبلي معاك شاي…انجز يا سيدي انت لسة هاتضحك؟

جلس طارق وهو يكمل حديثه الساخر مع صديقه ثم وضع يده في جيبه وأخرج مفكرة صغيرة اعتاد حملها لتدوين أي شئ هام وبدأ يخبر مجدي عن ما حدث مع جده حتى توقف لبرهة ثم قال :

  • المهم ان بعد كل اللي حصل ده جدي قال كلام غريب أوي .. معرفش كان يقصد بيه ايه ؟
  • بص يا طارق .. أولاً اللي حصل ده معجزة من عند ربنا .. بس طبيعي جداً يعني بعد الحالة دي ان يكون فيه احتمالات تشويش في الذاكرة مثلاً .. أو كلام كده من النوع اللي بنسميه هزي غيبوبة يعني ..

ثم لاحظ مجدي استنكار طارق لهذه الكلمات الأخيره فقاطع نظراته مكملاً:

  • مش هذي اللي هو جنان طبعاً مش قصدي .. الحاجات اللي لحد دلوقتي الطب عاجز عن أنه يعرفها .. يعني جدك كان فين بتفكيره وهو في الغيبوبة .. إيه الأحلام اللي شافها .. ذاكرته فاكرة إيه وناسية إيه .. الحاجات اللي من النوع ده يعني … طب إنت فاكر الراجل اللي كنا بنقابله في عيادة دكتور علي لما كنا بنتدرب عنده السنة اللي فاتت .. الراجل ده اللي كان بيتعالج من أحلام كانت بتجيله من بعد ما فاق من غيبوبة شهرين بسبب حادثة ده …
  • فاكره .. عطية الشربيني .
  • الشربييينييي .. هو ده .. فاكر يا عم فضل يهذي ويقولك بقيت أخاف افتح الباب لما يخبط مش عارف كام خبطة .. ههههه .. أكن العفاريت يعني ولا اللي جاي ياخده ده هايخبطله بالشفرة .. قال كل ما حد يخبط كام خبطه اترعب وافتكر الحلم .
  • سبع خبطات
  • اه مثلاً سبع خبطات يبقى عفريت .. هما مش كانوا خبطة واحدة يعني اه وخبطتين يعني لأ .. طب هو أنا لو حضرت عفريت وقلتله خبطة واحدة يعني اه وخبطتين يعني لأ وسألت فيه حد هنا ولقيت خبطتين هاتطمن ان مفيش عفريت ..هههههه.. ده انا ممكن اروح فيها دي .
  • الراجل ده قال سبع خبطات عالباب .. ومقالش عفريت .. ده كان بيقول القدر .
  • أهو يا عم أديك قلت .. هو فيه قدر بيخبط ؟…ههههه .. كله مجرد كلام .. وهم يعني .. بيهذي .
  • بس أنا كمان جدي قال نفس الكلام … لما الباب يخبط سبع خبطات مافتح….

قاطع حديثهما قرع على باب الغرفة ..

تك ..ت ت تك تك ..تك تك تك .

نظر كل منهما للأخر في محاولة إخفاء توتر ظهر فجأة حتى انفتح الباب وحده ثم ..

  • القهوة والشاي يا بهوات .

ضحك مجدي ضحكة عالية ثم قال :

  • اتفضل يا عم سيد .. قدرنا في الأخر طلع عم سيد أهو وجايبلنا شاي وقهوة .. أحلى قدر ده ولا إيه .

قاطع طارق حديث مجدي موجهاً كلامه لعم سيد عامل البوفيه :

  • هو فين مكتب دكتورة سارة يا عم سيد ؟
  • دكتورة سارة مين لامؤاخذه يا دكتور .. مش واخد بالي .
  • هي دكتورة جديدة هنا .. اللي كانت معايا امبارح لما جيت تاخد الكبايات .
  • والله يا دكتورماخدتش بالي .. العتب عالنظر بقى .. هو فيه كام دكتورة جايين جداد في المستشفى وأنا لسة مش حافظ أساميهم أوي يعني .

قالها عم سيد ثم انصرف وقاطع صمت طارق مجدي قائلاً:

  • مين دكتورة سارة دي طارق ؟ .. أنا بقالي سنة هنا .. مفيش حد جه اسمه سارة .. ولا يمكن تكون جديدة وفي مكان تاني وانا ماقبلتهاش .
  • دي الدكتورة اللي شغالة معايا على حالة الست اللي في أوضة 13 .. رسالة .
  • رسالة إيه ؟
  • الست .. رسالة السيد .. هو إسم غريب شوية صحيح
  • أوضة 13 مافيهاش غير ست واحدة واسمها بشرى .. مش رسالة .
  • يابني الحالة اللي عندها رهاب الجن .
  • الست بشرى
  • حتى مكتوب في الملف بتاعها اهو .

ثم فتح طارق الملف وأعطاه لمجدي الذي سأل بشكل سريع وهو يفتح الملف :

  • انت متأكد ان ده الملف ؟
  • أيوة أهو .. غرفة 13 .. حالة رهاب الجن والعفاريت .. ديمونوفوبيا .. اسم الحالة ..

صمت طارق فجأة ليكمل مجدي

  • بشرى سعيد خير.. إسم الحالة .. بشرى سعيد خير … وعلى فكرة .. الست دي محيرة فعلاً وماتكلمتش كتير .. دكتور علي بنفسه مخدش منها غير الكلمتين المكتوبين هنا .. وبالمناسبة .. مفيش دكتورة تانية دخلتلها .. دكتور علي قال ان انت وهو بس المشرفين على علاجها .. روح اسأله .. يمكن يكون فيه حد تاني معاكم وانا معرفش .. بس ركز علشان ما ينفخكش .. اسمها بشرى .. ها .. بشرى .

اتجه طارق مسرعاً لمكتب دكتور علي وفي رأسه كل ما حدث منذ جاء إلى هذا المكان .. غطى كل تفكيره أفعال مجدي الصبيانية .. كان محباً للمقالب الهزلية والسخرية دائماً ولكنهما الآن يعملان سوياً .. كيف له أن يغير بيانات مريضة من باب الهزل .. فقط ليسخر منه حين يقع في خطأ أمام أستاذهما .

طرق خالد الباب للاستئذان للدخول  ثم قال :

  • دكتور علي بعد إذنك كنت محتاج أسأل على حاجة بخصوص الحالة اللي في أوضة 13.
  • اتفضل يا سيدي .. مانا مش هايبقى ورايا غيرك الفترة الجاية .. دي الحالة اللي قلتلك مناسبة جداً لموضوع رسالة الماجستير بتاعتك .. ها .. عاوز تعرف إيه؟
  • كنت عاوز أشوف كل التقارير بتاعت الدكاترة اللي تابعوا الحالة .
  • طب ما الملف معاك أهو .. وريني .

ناول طارق الدكتور علي الملف وانتظر ليقرأ تعبيرات وجهه…. لوهلة .. لم يظهر على دكتور علي أي من التوتر أو الاستياء لتغيير أي شئ بالملف.. هادئ.. يتصفح الملف بعناية … ثم قال :

  • ده الملف كامل .. مفيش غير التقرير اللي كتبته .. الست دي محيرة شوية .. دخلتلها أنا ومجدي زميلك كان لسة جديد وقتها بقاله بتاع أسبوع ولا حاجة .. قالت الكام كلمة دول .. ورفضت تتعامل مع أي حد بعد كده .. ده لولا الكلمتين دول كنا فكرناها عاجزة ومابتتكلمش .
  • ودلوقتي يا دكتور مين بيتابع حالتها معانا .
  • محدش .. أنا اللي بتابع معاها ودلوقتي أنا وانت .
  • طيب ودكتورة سارة ؟
  • مين سارة ؟.. مفيش حد هنا اسمه سارة .
  • أنا قابلتها وقالت انها دكتورة جديدة وسألتني على الست رسالة .
  • يمكن دكتورة من الجداد .. كل الدكاترة مستغربين انها اتكلمت مع حد وطبعا انت بقيت حديث المستشفى  .. بس استنى رسالة ايه اللي سألتك عنها .
  • الست اللي في أوضة 13
  • طارق انت هاتوهني ليه .. ايه دخل الرسالة بالست بشرى؟

بدا على طارق الاندهاش ..

  • بشرى؟
  • هو انت عملت جلسة واتكلمت معاها وانت مش عارف اسمها ايه ؟
  • لا يا دكتور بس ال..
  • بقولك إيه .. الست بشرى حالتها فريدة جداً .. لو مش عاوز تتعامل معاها سيبها .. أنا هكمل متابعتها وخلي بحثك نظري لكن شغل الطلبة ده مش هاينفع هنا … وبالنسبة لدكتورة سارة بقى اللي شاغلاك دي .. ف مفيش هنا حد اسمه سارة .

ذهب طارق لمكتبه ليجد مجدي منتظراً فقال:

  • طلعت بشرى .. ومفيش حد اسمه سارة
  • آه .. مانا عارف .. يلا أنا هاروح أشوف اللي ورايا .

اغلق مجدي الباب خلفه .. وجلس طارق يقرأ  ملف هذه الحالة مرة أخرى .. كيف تغير كل شئ بهذا الشكل .. الإسم .. التقرير .. الحديث الذي تحدثته هذه السيدة … كل شئ سوى شئ واحد .. أنها تقيم بالغرفة رقم 13.. حتى سمع دقات على الباب ..

  • مين ؟

انفتح الباب ثم :

  • أنا ..ممكن أدخل ولا مشغول ؟
  • أهلا .. اتفضلي طبعاً
  • شكلك مش فاضي .. ممكن اجيلك في وقت تاني .
  • بالعكس .. جيتي في وقتك ..دكتورة سارة مش كده؟

… يتبع

د. أسماء كارم مؤلفة الرواية

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق