أسرار وحكاياتالمميزة

حاصد الأرواح 3

 

بقلم.. د. أسماء كارم

كان طارق جالساً على كرسي مكتبه منكباً في قراءة ملف تلك الحالة الغريبة .. رسالة السيد .. ترى كيف تأتي لشخص ما فكرة تسمية ابنته بهذا الاسم الغريب ؟ .. عائلة مختلة وربما شخص يعاني من شعور بالنقص بشكل أو بأخر كان يأمل بأن تكن مولودته رسالة حادة لكل من هم حوله ، .. أو ربما شخص بالغ الأهمية بشكل غير معتاد .. أو .. قد يكون أب نرجسي الطباع .. عدد من الاحتمالات ولكن في النهاية لم يكن هذا الاسم يوحي بأي من الأحوال بأنه شخص متزن التفكير .

حدث نفسه قائلاً:

  • مش مهم اللي قالته .. احنا في مصحة .. مستشفى للأمراض العقلية .. ممكن نسمع حاجات كتير مالهاش معنى .. كلام مجانين.
  • أو كلام عاقلين يا دكتور بس عاقلين زيادة عن اللزوم.

فاجأ طارق هذا الرد .. حقيقة لم ينتبه لوجود شخص معه بالغرفة .. كما لم ينتبه لأنه يتحدث بصوت مسموع .

  • دكتورة سارة .. ايه المفاجأة دي .. انتي بتشتغلي هنا؟
  • طبعاً.. انا الحمد لله ولا مجنونة ولا عاقلة أوي .. ماشية عالنظام .

قالتها سارة وهي تبتسم ابتسامة مريحة نوعاً ثم أردفت قائلة :

  • بس طالما انت بقى ابتديت تكلم نفسك تبقى قابلت الحالة اياها.. الست رسالة.
  • ست غريبة جداً .. الحقيقة مفهمتش منها ولا كلمة بس حسيت انها مفتقدة ولادها جداً..تخيلي؟… مارديتش بشكل مباشر وواضح على ولا سؤال سألته .. إلا لما سألتها على ولادها .. قالتلي كتير … بس مالحقتش أوحشهم.
  • اه .. بس اللي أنا عاوزة اقولهولك اننا نزلنا إعلان في الجرايد .. على مواقع كتير .. مفيش مخلوق واحد قال انه يعرفها … دكتور على كمان بلغ الشرطة كإجراء احترازي .. مالهاش أي سوابق .. ماعملتش فيش وتشبيه في حياتها .. مالهاش ورق في أي مكان .. وبالتالي حتى فكرة انها تكون جاية من أي دولة تانية مش واردة .

 

  • اه بس انتي عارفة فيه قرى كتير في الريف أو الصعيد الستات مابيفكروش يعملوا اي ورق .. يعني جواز قبايل عائلات .. أعراف خاصة يعني .
  • بس عالأقل أي حد من الريف أو القرية هايكون عنده موبايل فيه نت .. وعموماً هي مغطية وقت طويل بمصاريف مقدماً .. خوف دكتور على كله كان من انها تكون هربانة من جريمة أو حاجة تورطنا احنا معاها ,, وعلى كل حال احنا متابعينها سوا انا وانت .. وشكلها ارتاحتلك .. تعرف انها طول السنة اللي فاتت ماتكلمتش ولا كلمة غير اللي مكتوبين في ملفها دول .

قاطع حديثهما رنة هاتف طارق .. قال وهو يتجه للخارج:

  • أسف يا سارة لازم ارد .. دي المستشفى اللي فيها جدي .
  • ألو .. مساء الخير يا دكتور طارق .. محتاجين حضرتك ضروري.
  • مساء النور .. فيه ايه ؟
  • جد حضرتك تعبان جداً وطالب يشوفك.
  • أنا جاي حالاً.

أنهى طارق المكالمة سريعاً ثم نظر خلفه ليعتذر لسارة عن انهاء حديثهما فجأة ولكن ربما انتبهت لأهمية المكالمة واتجهت لعملها .

اتجه طارق لسيارته وانطلق سريعاً لمقابلة جده .. ليس من السهل إضاعة الوقت حين يطلبك جدك المريض البالغ من العمر الثالثة والثمانون الملازم غرفة العناية المركزة بإحدى المستشفيات… ربما كان اضطراب في ضربات قلبه المريض .. فثلاثة دعامات تحيا معك في هذا السن ليس بالشئ البسيط .. ربما تذكر شياً ما يريد طلبه .. ربما يشعر بقرب النهاية .

وصل طارق لغرفة العناية المركزة سريعاً .. أو ربما لم يشعر بالوقت هذه المرة أيضاً، حتى شعر بتلك اللمسة على كتفه فانتفض ناظراً بجواره ليجد الطبيب المتابع لحالة جده فقال :

  • مساء الخير يا دكتور .. ايه اللي حصل ؟
  • مش عارف اقولك ايه يا دكتور طارق بس اللي حصل معجزة.
  • ارجوك ماتلعبش بأعصابي يا دكتور .. فيه ايه ؟
  • جدك ببساطة مات .. وصحي .
  • أفندم؟
  • مات وصحي .. ده اللي حصل … اجهزة جسمه توقفت بالكامل وضربات قلبه سكتت تماماً… الحقيقة بمجرد ما وصلتله لقيته كويس جداً وبحالة غريبة .. طلب نقله لغرفة عادية لوحده وهو واقف على رجله .
  • واقف على رجله ازاي يعني .. جدي مشلول من سنتين يا دكتور .
  • بقول لحضرتك واقف على رجله .. وصمم يتنقل غرفة عادية لوحده.. وبمجرد ما وصل طلب نكلمك وقال نبلغك ان فيه حد بيدور عليك وهايوصلك .. خلى بالك دي ممكن تكون صدمة عصبية شديدة من المخ عملت انتعاشة للأعصاب الطرفية .. بس كمان ممكن يكون فيه تشويش في الذاكرة أو مبالغة في بعض كلام .
  • دكتور لو سمحت كفاية .. ممكن اشوف جدي الأول .

دخل طارق لغرفة بها شرفة تطل على النيل المقابل للمستشفى التي بها جده في منطقة المعادي.. وانطلق سريعاً نحو جده الجالس بالشرفة .. لم يكن يصدق عينيه وهو يرى جده في هذا الوضع .. رجل في الثالثة والثمانون .. لا تبدو عليه أي من معالم المرض.. يرتدي بدلة رياضية باللون الأزرق الزاهي .. يحتسي كوب من الشاي المنكه بالنعناع الطازج.

جلس طارق بجانبه وترتسم الدهشة على كل ملامحه حتى بدا ذلك جلياً في صوته وهو يقول :

  • جدو .. الحمد لله على سلامتك يا حبيبي.
  • ماتفرحش أوي .. أنا كنت أتمنى أموت .. وانت تعيش.
  • ايه يا جدو الكلام ده .. بعد الشر عليك يا حبيبي .. هاتعيش يا عم .. ده انت بقيت شباب أكتر مني .. وازرق وبتاع .
  • بقولك ماتفرحش .. ده مجرد وقت .. واللي عاوزك فيه ماينفعش يستنى.

ثم نظر للطبيب الواقف خلفهما قائلاً:

  • لو سمحت يابني .. تسيبنا لوحدنا شوية.

ابتسم الطبيب وخرج تاركاً اياهما يتحدثان وهو غير مستوعب حتى هذه اللحظة تلك المعجزة التي حدثت لهذا الشيخ الكبير.

نظر طارق لجده باستغراب ولكنه لم ينطق بكلمة .. بعض الصمت للحظات قاطعته يد جده وهي تمسك بيده ثم :

  • طارق يابني .. السر اللي هاقولهولك دلوقتي مش بسيط.. سر خبيته عمر بحاله .. مكنتش اتمنى أبداً أضطر اقوله .. خصوصاً ليك انت .. لكن مفيش وقت .. انت في خطر .. ما تسمعش حد .. ماتصدقش حد.. ماتحكيش كل حاجة توصلها .. اسمع أكتر ما تتكلم .. شبك الحروف.. ربط الأسامي .. كون الجمل اللي تفهمك و اوعي ت..

قاطع طارق حديث جده قائلاً:

  • جدو .. استنى انا مش فاهم حاجة .. وانت تعبان ومحتاج تنام .. الموقف كله صعب عليك .. لازم ترتاح وبعدين نتكلم .
  • يابني انا مرتاح .. وهارتاح اكتر لما تسمعني وتحفظ كل كلمة بقولهالك .. أنا غلطت غلطة كبيرة .. دورت عليه .. وفتحتله الباب .. دلوقتي هو مش عاوزني .. انت شايل دمي .. زي مانت شايل إسمي.. أنا بقيت راجل عجوز .. مش هانفعه في حاجة .. انت شاب وقدامك كتير .. اوعى تفتح الباب .. لما تسمع سبع دقات .. إوعي تفتح .. وزي ما قلتلك .. ماتصدقش حد .. كل حاجة هاتوصلها .. رسالة .. رسالة هاتفتحلك طريق نجاة .. لكن إوعى تصدق الرسايل المباشرة .. اللي هايدلك قلبك .. واللي هايضيعك قلبك .. خلي دايما قلبك وعقلك سوا .. الأيام هاتعدي بسرعة .. والوقت مش محسوب بالأيام .. دي الحكاية كلها مجرد ساعات.

…… يتبع

دكتورة أسماء كارم مؤلفة الرواية

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق