أسرار وحكاياتالمميزة

خاص وحصري حاصد الأرواح.. الحلقة الأولي

صورة تعبيرية

بقلم د. أسماء كارم 

في هذا الوقت … لا يعني المرء أي من أشياء الدنيا سوى لحظات متبقية في عمره لا يعلم إن كانت ستأتي ولكنه يتمنى .. لعله يستطع إنقاذ نفسه من مصيره المكتوب..عادة .. عندما يظهر حاصد الأرواح في بداية أوراق التاروت المختارة .. تكن النهاية موت محتوم .. ربما ليس أمامك الآن سوى أن تتمنى نهايةً سهلة .. نهاية لا تشعر معها سوى ببعض البرودة اللطيفة تسري في عروقك ثم يهدأ في لحظة واحدة كل شئ.. قلبك الشاب الذي أصبح منهكاً من سرعة دقاته .. عقلك الذي لا يكف الآن عن التفكير في كل ما مضى .. أعلم ما يدور برأسك حالياً.. أتذكرك وأنت مراهق .. كنت عنيد لأبعد الحدود .. أخفيت عنهم ما كنت تفعله..

رأيتك حين كنت تخفي أشيائك خلف خزانتك .. كنت يومها تستمع لحديثهم بلا اكتراث.. فعادة الوالدين أنهم في مثل هذه الأوقات يعتقدون بأن أي شئ يفعله أولادهم ليلاً قد يجلب الشر… المقص ليلاً يجلب الفقر…. السهر ليلاً يجلب النحس… الغناء ليلاً يجلب الذئاب… الصفير ليلاً يجلب الثعابين… بمناسبة الثعابين هل تذكر أنك حاولت مراراً أن تقنع أمك بأن الثعابين لا تسمع أصلاً ولكن انتهى الأمر بينكما دون جدوى ؟

كنت تعتقد وقتها أنه سيمنحك القوة .. ولم تكن تعلم أنك أنت من تعطه المتعة.. اعتقدت أنك عشت لتبحث عنه .. ولم تعلم أنه هو من كان يبحث عنك … الآن .. قد حضر إليك .. لن يتركك بعد الآن وحدك.. إنه .. صائد الأرواح.

ظل طارق يحاول التقاط أنفاسه رغم كل شئ .. ذلك الصوت المتحشرج الذي يحدثه ..تلك الرائحة التي تبعث على الغثيان وتحفز في عقلك إصدار الأمر لكل جسدك أن يلفظ كل كم ممكن من الأدرينالين الذي قد يؤدي لموتك الفجائي .. حتى انتفض فجأة إثر لطمة على خده الأيسر ليجد نفسه بين يدي والدته تصرخ فيه ليفيق ..

  • طارق فيك ايه ؟.. أكيد ما أخدتش حقنة الأنسولين .. انت هاتموت نفسك

قالتها امه بمنتهى الحرقة والخوف عليه .

تنهد طارق تنهيدة طويلة قبل أن ينظر لها بابتسامة هادئة وهو يقول :

  • لا خدته .. بس كنت بعمل فيكي مقلب ..

ثم قام مسرعاً بينما كانت والدته تطارده ملقية عليه كل الوسادات في حجرته واحدة تلو الأخرى وهو يضحك.

اتجه طارق  لعمله .. هو أول يوم له في عمله في هذه المصحة.. طبيب نفسي حديث التخرج يعمل الآن في أقدم مصحة للطب النفسي .. تحت إشراف أستاذه الذي يشرف على رسالة الماجستير … ظل يفكر كم هو مجنون ليقبل بأن يدرس هذه الدراسة ولماذا اختار هذا الموضوع تحديداً.. ديمونوفوبيا.. رهاب الخوف من الجن والعفاريت حتى الموت..ربما لذلك رأي حلمه .. تنهد بداخله وهو يتذكر أنه لم يكن حلم .. لم يعرف كيف دخل في هذه الغيبوبة المبكرة صباحاً.. حاول أن يتذكر متى صحى وكيف ارتدى ملابسه ولكن لم يكن هذا ما يشغله فعلاً..بل ..

قاطع تفكيره دكتور مجدي .. ذلك الزميل القديم بالدراسة والذي هو الآن زميل عمل قائلاً:

  • نورت المستشفى يا معلم تعالى بقى دكتور علي سايبلي خبر أوريلك الحالات اللي هاتشتغل عليها .. مش هاتتعب الحقيقة موضوع رسالتك مش موجود غير في حالة واحدة بس هنا .. يا بختك طول عمرك محظوظ .. أنا معايا خمستاشر حالة طلعوا عيني .. هايخلوني انا المجنون .

نظر له طارق بابتسامة توحي بقرب علاقتهما قائلاً:

  • يابني ده مش حظ.. دي شطارة .. يلا بينا .

حجرة غريبة .. في نهاية ممر ضيق مليئ بالحجرات .. كانت الأخيرة ..

بها سيدة واحدة .. من هيئتها تشعر أنها شديدة الجنون .. إلا أنها اقتربت من شراعة بالباب بمنتهى الهدوء .. كانت مثبتة عينيها في عيني طارق بالتحديد .. بصوت هادئ أخبرته:

  • أنت اللي اخترت ..انت اللي جيبته هنا .. هساعدك بس لازم تفتكر .. انت ليه اخترت الكارت رقم 13ساعتها .. انت اللي اخترته بمزاجك ولا هو اللي قالك تختاره .. خلي بالك هو مش هايسيبك.

رد طارق بهدوء متسائلاً:

  • هتساعديني ازاي ؟ وايه الكارت ده ؟

انفجر مجدي ضاحكاً وقال:

  • بتسألها تساعدك ازاي ؟ طب اسألها هو مين طيب … وأكمل ضحكاته العالية .

ابتسم طارق ونظر لها قائلاً:

  • كارت ايه ؟ .. انا مابشيلش كروت .

ازدادات ضحكات دكتور مجدي حتى قاطعته تلك السيدة قائلة لطارق :

  • في جيبك اللي ورا ..

بشكل لا ارادي وضع طارق يده في جيب بنطاله الأيمن ليجد ورقة مطوية .. تبدو من سمكها أنها ليست ورقة .. بل شئ ما يشبه كارت من اوراق اللعب .. أخرجها ببطئ وهو غير مدرك كيف جائت لجيبه .. وكيف لم يلاحظ وجودها من قبل .. كانت مطوية لنصفين قاطعته السيدة وهو يفتحها مرة أخرى قائلة :

  • كارت رقم 13 .. ورق التاروت… حاصد الأرواح.

….. يتبع

دكتورة أسماء كارم.. مؤلفة الرواية
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق