المميزةتحقيقات وتقارير

حروب الإعلام العربية لن تضع أوزارها

 

بعض الملفات السياسية الساخنة في المنطقة تبدو اليوم كأنها تدخل مراحلها الأخيرة، فها هي الأزمة السورية تتسارع وتيرة الحلول فيها بأسرع من التوقعات، وتوشك ملفات أخرى مثل الملفين اليمني والليبي على أن تشهد تحركا مشابها نحو تسويات تنهي سنوات الصراع، وتضع المتصارعين على طاولة تفاوض، بعيدا عن مواجهات الشوارع وحروب الميلشيات.

في المقابل إذا كانت موجة “تبريد” الصراعات الساخنة يمكن أن تؤتي ثمارها في بعض الملفات، فسيبقى ملف واحد على الأقل قد لا يقترب من الهدوء المنشود، وهو ملف “الحروب الإعلامية”.

قد يتصالح المتخاصمون، أو يتهادن المتصارعون، لكن حروب الإعلام ستبقى عاملا مساعدا على الاشتعال في أي وقت، ولن تسلم القوى التي ذاقت طعم النفوذ باستخدام الإعلام ذلك السلاح بسهولة، ومن تلك القوى دولة قطر، التي ساهم الإعلام في تضخيم دورها وتوسيع مساحة نفوذها، بأكثر مما تسمح به رقعتها الجغرافية أو قدراتها الجيواستراتيجية.

ورغم ما تعانيه قطر من أزمات وهزائم في الملفات التي حاولت تأجيجها لكي توسع من نطاق نفوذها، سواء فيما بات يعرف بـ”ثورات الربيع العربي”، إضافة إلى انحسار نفوذها الإقليمي بفعل المقاطعة العربية، والانكشاف الإقليمي والدولي للكثير من أدوارها المريبة سياسيا وأمنيا.

وسط كل ذلك التراجع والضربات المتوالية للمشروع الإسلاموي المدعوم قطريا، وافق مجلس الشورى القطري على مشروع قانون لإنشاء مدينة إعلامية، وقرر إحالته للحكومة، وهو مشروع لا تخفي الدوحة أهدافه السياسية، وإن تخفى وراء ستار الاستثمار.

وتستهدف المدينة “استقطاب الإعلام والشركات والمؤسسات البحثية في المجال الإعلامي والإعلام الرقمي” ومن بين صلاحياتها منح تراخيص البث التلفزيوني والإذاعي وتراخيص النشر والتوزيع للصحف والمجلات والكتب للشركات المرخص لها.

وتضمن القانون تسهيلات كبيرة في محاولة لاستقطاب وسائل الإعلام للمدينة المزمع إنشاؤها، حيث استثنى جميع المعدات والآلات ووسائل النقل وغيرها المستوردة إلى المدينة الإعلامية، أو المصدرة منها، من الخضوع للرسوم الجمركية، مع منح الشركات المرخص لها حرية تعيين العاملين لديها، وتنظيم وضعهم واستيراد المستلزمات دون الحاجة لقيدها في سجل، مع إعفاءات ضريبية لمدة 20 عاما.

وبحسب مراقبين، فإن المدينة ستكون مظلة توفر مزيدا من الدعم لبعض وسائل إعلام الظل التي ستنقلها قطر للمدينة بوصفها استثمارات أجنبية، مع العمل على استقطاب وسائل إعلام دولية وعالمية، ومحاولة استمالتهم بشكل مباشر (عبر إغداق الأموال عليهم)، وغير مباشر (إعفاءات ضريبية)، وذلك للدفاع عن وجهة نظرها، أو تحييدهم في صراعات الدوحة مع جيرانها العرب.

كما تعتزم قطر إطلاق مجموعة من القنوات التليفزيونية الجديدة الناطقة بلغات غير عربية، إضافة إلى عدد من المواقع الإلكترونية الموجهة بلغات أجنبية، وبالفعل بدأت إجراءات التأسيس والتوظيف لتلك المشروعات الإعلامية، التي تحظى بإنفاق مالي سخي، وهو ما يكشف عن أن سلاح الإعلام لم يفقد بريقه، وأن تاريخ صلاحية استخدامه في المنطقة العربية لم يصل نهايته بعد. كل ذلك يطرح سؤالا جوهريا فيما يتعلق بالإعلام المصري، الذي يبدو اليوم بكل ما يعانيه من أزمات تمويلية ومهنية، في حالة لا تمكنه من المشاركة كطرف فاعل في تلك الحروب الإعلامية، فضلا عن تحقيق أي انتصار فيها.

وهو ما يمثل خطرا حقيقيا، لا تبدو القاهرة راغبة أو قادرة على مواجهة تبعاته، وهو ما يتطلب في الحد الأدنى تغييرا جوهريا في استراتيجية إدارة الإعلام المصري، ودوره داخليا وإقليميا، وإعادة بناء الترسانة الإعلامية المصرية كواحدة من أهم أدوات حماية الأمن القومي.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق