المميزةثقافة وقراءة

حرب أبي همام

الشاعر الدكتور أحمد بلبولة

يؤذيكَ أنْ لَمْ يَخِفَّ ناعِيها؟
مَهْلا .. فإنّ المُصابَ شاديها

الدّارُ إن لم تَبِتْ على كَبِدٍ
قَرِيحةٍ؛ فالحنانُ لاويها

صَدَقْتَني في الحياةِ لو صَدَقَتْ
فيكَ التي الآنَ لا أُسَمِّيها

مثلُكَ لا ينتهي كعاصفةٍ
جاءتْ ومرَّتْ بكُلِّ ما فيها

مثلُكَ باقٍ لنا وباقيةٌ
أخلاقُهُ الشُّمُّ في أعاليها

يا آخرَ الأنبياء قاطِبَةً
أقولُها قاصِدًا وأعْنِيها

ما الحبُّ إلا المَحْبُوبُ مُنْقَسِمًا
في ذاتِه: أولا، وثانيها:

يُعطي انْبِهامَ الرؤى حقيقَتَها
ويرفعُ الحُجْبَ عن مُريدِيها

ويمنحُ الصِّدْقَ ما يُضَوِّئُهُ
في أعينٍ لم تَبُحْ مآقيها

أَلْقَتْ عَصَاكَ الآلامُ يا رجُلًا
قد علّمَ الكِبْرياءَ ماضيها

ألقت عصاك المُنى، تمرُّدُها،
عِصيانُها، قُرْبُها، تنائيها

وأنتَ – إن شئتَ – كنتَ أسهلَ أو
أخفَّ فيما رَمَتْ مراميها

الشِّعرُ إما قصيدةٌ جَمَحَتْ
أو دابةٌ أتلَفَتْ مراعيها

يا سيدي والمقامُ أعْرِفُهُ
ماذا ستُعْطي الأيَامُ ناسيها؟

وأنتَ – إن شِئْتَ- قلتَها ضَجِرًا
بالحظِّ لا كارهًا لشانيها:

“حضارةٌ إرثُها سلامتُها
وعزُّها أن يعيه بانيها”

أُعْلِي مقامَ القَصيدِ مُتَّخِذًا
من حَرّ نيرانِهِ قوافيها

قصيدتي تنتمي لسابقها
لكنّها مَعْبَرٌ لتاليها

أختارُ ألفاظَها لتُعجبَني
وما انتظرتُ انبهارَ قاريها

إيقاعُها فاقدٌ غوايتَه
إلا لدى ناسِها وأهليها

حربُكَ هذي الجميعُ يَعْلَمُها
لكنَ أخرى الحروبِ أَدْريها

كانت مع الرّومِ حينما هجموا
على البلاد المَلْعُونِ واليها

حاربتَهم بـ”ابنِ حَزْمَ” مُتَّشِحًا
بطَوْقِه لا الرماحِ تَبْريها

مُبَشِّرا بالجَمال مُبْتَسمًا
في وجه كثّ اللّحى ومُرْخيها

مُمازحًا للنقابِ تَسْأَلُهُ:
“ماذا وراء العُيونِ تُخفيها؟”

طبيعةُ النّورِ أنْ يُطِلَّ على
طُلّابِهِ كي يَراهُ ساريها

تَظلُّ كلُّ الجراحِ أَنْدَلُسًا
إلا الجراحَ التي تداويها

يا حاملَ الهمِّ في نواحيها
وأنتَ ماشٍ به تُنَاجيها

مِصْرُ التي أفْسَدَتْ حكايتَها
جراحةٌ لم تَكُنْ ستُجْريها

تحتاجُك الآن في النَّقاهَةِ،
مَنْ لديه مثلُ الذي ستُعطيها؟!

تحتاجُ نُبْلا يكونُ صاحبُه
سَمْحًا رحيمًا بها ليُرْضيها

تحتاجُ صَبْرًا ضَرَبْتَه مثلا
للناس كيلا تُرى مساويها

تحتاجُكَ الأمَّةُ الكبيرةُ في
اللّاسلمِ، يا قطبَها وهاديها

تحتاجُ حَسْمًا كحَسْمِك السّيْفِ
في الأمور أو في اجتثاثِ قاصيها

تحتاجُ هذا البيانَ معجزةً
في الأرض بعد انقطاعِ مُوحيها

تحتاجُك الآن فتيةٌ خَرَجَتْ
للكهف في قلبها أغانيها

أحتاجُك الآن هل ستُقْنعُني
وحيرتي لا أرى شواطيها؟!

أهكذا الحالُ بعد بُهْرُجِها
ولم يَزَلْ جَهْلُ مُستزيديها؟!

نفسي الفداءُ الفداءُ يا أبتي
لو أن نفسًا قَضَتْ بأيديها

هل يَعْرِفُ الموتُ قَدْرَ صاحبِه
أم أنها صفحةٌ ويَطويها؟

قل لي أمِنّا يجئُ أم شَبَحٌ
في الذاتِ كالذِّكْرياتِ يأتيها؟!

أرحلةٌ في العَماءِ ندخلُها
ونفقدُ البابَ في دياجيها؟!!
**********

قصيدة للشاعر الدكتور أحمد بلبولة الاستاذ بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة. وهي في رثاء الدكتور “أبو همام” ( عبد اللطيف عبد الحليم ) 2015

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق