المميزةتحقيقات وتقارير

بعد تحرير الدولار الجمركي.. لا تيسير نقدي في الأجل القريب

تقرير – محمد عيد:

كثيرا ما تأخذ السياسة النقدية قراراتها بناءً على المؤشرات المتاحة أمامها التي تقودها للتوقعات المستقبلية فيما يتعلق بالوضعين المحلي والدولي، لكن في عالمنا المعاصر يبدو أن التوقعات باتت أكثر صعوبة مع توالي الأحداث وتغير الأوضاع بشكل متسارع.
بدأ البنك المركزي المصري سياسة نقدية أقل تشددًا في فبراير ومارس الماضيين بخفض الفائدة 2% للتخفيف على المستثمرين ومحاولة الانتقال من سياسة مواجهة التضخم إلى دعم النمو الاقتصادي، إلا أن الرياح جاءت عاصفة عقب هذه الخطوة فالظروف الاقتصادية محليًا ودوليًا لم تسعفه إطلاقًا لاستكمال ما بدأه.
اتخذ المركزي آخر قرارات خفض الفائدة في 15 مارس الماضي، وبنهاية الشهر اشتعلت أزمة الأسواق الناشئة التي أثرت على مصر مع مرور الوقت وأسهمت في خروج نحو 9.7 مليار دولار من استثمارات الأجانب بأذون الخزانة حتى نهاية أكتوبر الماضي، لتسجل نحو 11 مليار دولار نزولا من قمتها 23 مليار دولار في مارس.
ثم ما لبث التضخم أن هدأ بعد ارتفاع قياسي في 2017 حتى استكملت الحكومة قرارات خفض الدعم في يونيو الماضي بزيادة أسعار بعض الخدمات العامة، وعقب ذلك دخلت الدولة في أزمات زيادة أسعار بعض السلع بسبب صدمات العرض المفاجئة .
وأخيرا قررت وزارة المالية تحرير سعر الدولار الجمركي لعدد من السلع الاستهلاكية منها السيارات وأدوات التجميل، ليصبح بسعر السوق والذي يبلغ في المتوسط نحو 17.9 جنيها مقابل 16 جنيها سعر الدولار الجمركي للسلع الأساسية، وبررت وزارة المالية القرار بأنه موجه للسلع غير الأساسية للمواطن المصري التي لا يجب دعمها.
ويأتي القرار منذرًا باستمرار زيادة التضخم عقب وصوله بنهاية أكتوبر الماضي لمستوى 17.7% للتضخم العام السنوي مقابل 16% في سبتمبر، كما سجل المعدل الشهري للتضخم العام 2.6%، وبالتالي عدم قدرة البنك المركزي على تحقيق المستهدف من التضخم والذي حدده المركزي منذ نوفمبر 2016 بمستوى 13% بزيادة أو نقصان 3%.
وثبت البنك المركزي أسعار الفائدة عند مستويات 16.75% للإيداع و17.75% للإقراض منذ منتصف سبتمبر الماضي وحتى اجتماع نوفمبر ولم يتبق سوى اجتماع واحد في العام الجاري، وبالطبع كل التوقعات تشير إلى أن المركزي لن يخفض الفائدة بل قد يضطر لزيادتها لمواجهة التضخم ودعم العملة المحلية .
والخاسر الأكبر من هذا القرار هو الاستثمار المحلي والأجنبي الذي مازال يعاني من أسعار الفائدة المرتفعة على الاقتراض والتي تحد من قدرته على تمويل توسعاته، حتى أن كثيرا من الشركات الكبرى لجأت للاقتراض من الخارج لتنفيذ عمليات سداد معجل لقروض من البنوك المحلية خلال 2017 حتى لا تحمل ميزانيتها أعباء اقتراض ضخمة مع رفع الفائدة .
ويبدو أن قرار خفض الفائدة قد لا يكون في الأجل القريب في ظل موجة تضخمية مؤكدة وأزمة أسواق ناشئة لا يتوقع متى ستنتهي، بجانب اتجاهات نازعة نحو رفع الفائدة بعدما أعلن البنك المركزي الأمريكي عزمه رفع الفائدة أكثر من مرة خلال العام المقبل .
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق