مقال رئيس التحرير

إذا جالك الموت إجلح على طول

 

هذه اول أبيات تقع عليها عيني ،  وأنا أحاول قرائتها 100 مرة حتي لاأخطئ وأنا  أقراها لأبي- رحمه الله- عندما طلب مني سماع قصيدة “يامنه” ، إذ كنت لا أحب قراءة الشعر العامي ، ولا أحبُّ إنشاده لا لشئ إلاأنني كنت متأثرا تمام التأثر بشعراء العربية الكبار أمثال الشاعر الكبير أبو الطيب المتنبي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس ، وأبو تمام ، والبحتري وما أروع “سينيته” ،وابن الرومي وما أروع “داليته” وهو يرثي ابنه  ومن قبلهم شعراء العصر الجاهلي كالشاعر الُمُلهم طَرَفة بن العبد الذي قتله شعره، والملك الضليل امرؤ القيس ، والشَّنفَري صاحب “لامية” العرب  والمٌثقَّب العبدي،والعاشق عنترة بن شداد ، وشعراء الغزل العُذري من أول جميل بثينة وحتي كُثير عزة، وحتي عمربن أبي ربيعة الشاعر المُعجب بنفسه صاحب أشهر قصيدة يتغزل فيها في نفسه ومدي إقبال النساء عليه ، وشاعر النيل حافظ إبراهيم وشعراء العصر الحديث ولا أزال أتمثل بأبيات أمير الشعراء أحمد شوقي التي قالها في مدح خير البرية النبي محمد صلوات الله عليه في همزيته التي حاكي فيها ” بُردة” الإمام البوصيري” عندما قال :

وُلد الهدي فالكائنات ضياءُ …… وفم الزما ن تبَّسمٌ وثناءُ

كل ذلك دفعني ذات مرة إلي التجاسر بلا روية في الوقوف أمام الشاعر الكبير سيد حجاب في المجلس الأعلي للثقافة بدار الاوبرا مٌفجِّرا في وجه عبارةٍ وقعت عليه كالصاعقة عندما قلت له : لماذا يُصرُّ بعض كتاب العامية على تسمية أنفسهم شعراءً وكان من الأولي بهم تسمية أنفسهم ” زجالين” ، فماكان من سيد حجاب إلا أن ردَّ علي و محتوي قائلا: ليس هناك ما يمنع يا بني!!!  وكنت وقتها حديث التخرج في جامعة القاهرة من عام 2002 ، وظننت بعقلي أنذاك أنني قد أعدت الأمور لنصابها بهجومي القاصر علي شاعر من شعراء العربية في قامة سيد حجاب……….

بدأت علاقتي بالشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي عندما أستعرت ديوان الأحزان العادية من أحد أصدقائي ؛ حتي أقراه على والدي رحمهم الله جميعا وكان معجب أيما إعجاب بـ الخال الأبنودي وكان دائما يردد قائلا “الراجل من  ريحتنا في الغربة” إذ كان أبي من جذور تنتمي إلى صعيد مصر ، ويبدو أن جميع الصعايدة يشعرون بغربةٍ تجاه بلادهم حتي وإن كانوا وسط أبنائهم ، ويعتبرون أن الغربة في خارج الوطن”القرية” هي أشد أنواع الغربة وهذا ما عبَّرعنه الأبنودي في قصيدته “يامنه”  بقوله :

عاد اللي يعجز في بلاده………….. غير اللي يعجز ضيف !!

و”يامنه” ليست مجرد قصيدة كتبها الأبنودي -الذي رحل عن عالمنا في 21 إبريل من العام الجاري – بل هى مرثية له وهو دليل على شاعر رثي نفسه حيا بيده لا بيد عمرو وإن لم يقدر عمرو على الرثاء من فرط حزنه ، مثلما تكرر هذا مع شاعر العربية الدكتورالمرحوم  عبد اللطيف عبد الحليم ” أبوهمام” عندما رثي نفسه في الغربة بقصيدة” مرثية أستاذ مُعار” إّذ كان مبتعثا إلي مدريد؛ ليُدرِس في الجامعة هناك، فقد اشترك قطب الشعر العربي ” أبوهمَّام”مع قطب الشعر العامي ” الأبنودي ” في رثاء نفسيهما رغم ما بين الاثنين من شتات،وفوارق لُغوية، وكأن ” الخال” يدري بمصيره المحتوم الذي يواري فيه الثرى ولربما لا يصل إليه نعي الناعين ، فبدأ هو رفي ثاء نفسه على لسان عمته الكبري يامنه التي رحلت أيضا قبل رحيله.

استطاع عبد الرحمن الأبنودي المنحدر من قرية ” أبنود” بمحافظة قنا بصعيد      مصروالمولود في      أن يوثق بأشعاره المدونه والمغناه من كبار المطربين وعلى رأسهم العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ ، ومحمد رشدي ، يوثق لفترة مهمة من تاريخ النضال الوطني في مصر فمنذ الستينيات والابنودي لا همَّ له إلا تدوين تاريخ مصر شعرا ،بدأً م ديوانه”         ” ومرورا بديوان”        ” وليس انتهاء برسائل حراجي القط إلى زوجته التي وثق فيه فترة بناء السد العالي والصعوبات التي واجهت مصر وزعيمها المفدي جمال عبد الناصر ، والأخطار التي حدَّقت بالأمة العربية نتيجة هزيمة يونيو 67 ومرورا بحرب الاستنزاف إلى تدوين نصر اكتوبر العظيم ، كتابة وشعرا ؛ ليتلقفه مطربي الفن الجميل لإذاعة أشعاره وإكسابها شهرةً وعالمية ….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق