طلع البدر
ولاء نور الدين تكتب: الهجرة النبوية المشرفة دروس وعبر لانهاية لها

ولاء نور الدين
رئيس مجلس إدارة صوت الوطن
وما حوى الغـــارُ مِن خيرٍ ومِن كَرَمِ * * * وكُــلُّ طَرْفٍ مِنَ الكفارِ عنه عَمِي
فالصدقُ في الغــارِ والصدِّيقُ لم يَرِمَـا* * * وهُم يقولون مـا بالغــارِ مِن أَرِمِ
ظنُّوا الحمــامَةَ وظنُّوا العنكبوتَ على* * * خــيرِ البَرِّيَّـةِ لم تَنسُـجْ ولم تَحُمِ
وِقَـــايَةُ اللهِ أغنَتْ عَن مُضَــاعَفَةٍ* * * مِنَ الدُّرُوعِ وعن عــالٍ مِنَ الأُطُمِ
ولقد كان صلى الله عليه وسلم في رحلة الهجرة الشريفة متوكلاً على ربه واثقاً بنصره يعلم أن الله كافيه وحسبه ، ومع هذا كله لم يكن صلى الله عليه وسلم بالمتهاون المتواكل الذي يأتي الأمور على غير وجهها . بل إنه أعد خطة محكمة ثم قام بتنفيذها بكل سرية وإتقان.
فالقائد : محمد ، والمساعد : أبو بكر ، والفدائي : علي ، والتموين : أسماء ، والاستخبارات : عبد الله ، والتغطية وتعمية العدو : عامر ، ودليل الرحلة : عبد الله بن أريقط ، والمكان المؤقت : غار ثور ، وموعد الانطلاق : بعد ثلاثة أيام ، وخط السير : الطريق الساحلي .وهذا كله شاهد على عبقريته وحكمته صلى الله عليه وسلم ، وفيه دعوة للأمة إلى أن تحذو حذوه في حسن التخطيط والتدبير وإتقان العمل واتخاذ أفضل الأسباب مع الاعتماد على الله مسبب الأسباب أولاً وأخرا
والمؤمن الحق عليه أن يستفاد ويمعن جيدا فى رحلة الهجرة الشريفة ويطبقها فى حياته ومن تلك الدروس المستفادة
أولًا: المؤمن يحسن التوكل على الله تعالى :
وحسن التوكل على الله تعالى، يعني صدق اعتماد القلب على الله في دفع المضار وجاب المنافع، وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطي إلا الله ولا يمنع إلا الله ولا يضر ولا ينفع سواه, قال تعالى : ” قال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) سورة الطلاق: 2 , وقال – صلى الله عليه وسلم – : « لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا » رواه أحمد.
ثانيا: الصبر واليقين طريق النصر والتمكين :
فبعد سنوات من الاضطهاد والابتلاء قضاها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة يهيأ الله تعالى لهم طيبة الطيبة ، ويقذف الإيمان في قلوب الأنصار ، ليبدأ مسلسل النصر والتمكين لأهل الصبر واليقين , قال تعالى : ” إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) سورة غافر.
وإن طريق الدعوة إلى الله شاق محفوف بالمكاره والأذى . لكن من صبر ظفر ومن ثبت انتصر.
ثالثا: الله تعالى يؤيد رسله بالمعجزات :
الله تعالى قد يبتلي أولياءه وأحبابه من أصحاب الرسالات والدعوات بالمحن والشدائد , ولكن لا يتركهم لتلك المحن والشدائد حتى تعصرهم , بل يمحصهم , ويرفع من قدرهم , ثم يؤيدهم بالمعجزات التي ثبت صدق دعواهم , قال تعالى : ” إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) سورة الحج .
وفي رحلة الهجرة الشريفة تجلت معجزات وآيات وبراهين تؤكد صدق دعوى النبي صلى الله عليه وسلم , فهل رأيتم رجلاً أعزلاً محاصراً يخرج إلى المجرمين ويخترق صفوفهم فلا يرونه ويذر التراب على رؤوسهم ويمضي .
وهل رأيتم عنكبوتاً تنسج خيوطها على باب الغار في ساعات معدودة.؟
وهل رأيتم فريقاً من المجرمين يصعدون الجبل ويقفون على الباب فلا يطأطيء أحدهم رأسه لينظر في الغار .. هل رأيتم فرس سراقة تمشي في أرض صلبه فتسيخ قدماها في الأرض وكأنما هي تسير في الطين .. هل رأيتم شاة أم معبد الهزيلة يتفجر ضرعها باللبن ؟ .
رابعا: دور المرأة المسلمة في الهجرة الشريفة :
َدور المرأة المؤمنة في تحمل أعباء الدعوة،دور كبير وعظيم فقد كانت خديجة رضي الله عنها الملجأ الدافئ الذي يخفف عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فحينما نزل عليه الوحي في غار حراء وجاءها يرتجف ويقول زملوني زملوني , ولما ذهب عنه الرَّوْع. قال لخديجة : “قد خشيت علي”. فقالت له: كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدُق الحديث، وتحمل الكَلَّ، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. متفق عليه .
ويتجلى دور المرأة المسلمة في الهجرة الشريفة من خلال الدور الذي قامت به عائشة وأختها أسماء رضي الله عنهما حيث كانتا نعم الناصر والمعين في أمر الهجرة؛ فلم يخذلا أباهما أبا بكر مع علمهما بخطر المغامرة، ولم يفشيا سرّ الرحلة لأحد، ولم يتوانيا في تجهيز الراحلة تجهيزاً كاملاً، إلى غير ذلك مما قامتا به.
وهناك نساء أخريات كان لهن دور بارز في التمهيد لهذه الهجرة المباركة , منهن: نسيبة بنت كعب المازنية ، وأم منيع أسماء بنت عمرو السلمية .
خامسا: الصداقة الحقيقية مبادئ ومواقف
ولقد توفرت في أبي بكر خصال عظيمة جعلته خير ناقل لأثر الصحبة، كان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر فحسن مجالسته هذا كان سببا في إسلام السابقين فجاء بهم إلى المصحوب الأعظم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأسلموا وصلوا.
فالصحبة الصالحة لها أثرها البالغ في ثبوت الإيمان في القلوب.
فحينما عاد أبو بكر من رحلة التجارة وأبلغه القوم أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- يزعم أنه يوحى إليه فأجابهم إن قال فقد صدق فما أن حط عنه عناء السفر حتى أقبل إلى النبي عليه الصلاة والسلام متأكدا من ذلك فما أن سمع من النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى فاضت عيناه وقبل صاحبه الذي ما تردد في النطق بأعظم كلمة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله.
وحينما أذن الله تعالى لرسوله بالهجرة، اختاره الرسول صلى الله عليه وسلم ليكون رفيقه في هجرته، وظلا ثلاثة أيام في غار ثور، وحينما وقف المشركون أمام الغار، حزن أبو بكر وخاف على رسول الله صلى الله عليه وسلم :، وقال: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلي قدميه، لأبصرنا، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : “ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما”[البخاري].
وهذا الحب هو الذي أبكى أبا بكر فرحاً بصحبته صلى الله عليه وسلم.إن هذا الحب هو الذي أرخص عند أبي بكر كل ماله ليؤثر به الحبيب صلى الله عليه وسلم على أهله ونفسه .