طلع البدر
هجرة الحبيب صلى الله عليه وسلم

بقلم: بلال شعبان
نائب رئيس تحرير مجلة المصور
الحمد لله والصلاة والسلام على الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.. سنقتطف من بستان هجرة الحبيب زهرة.. حيث أعظم هجرة في التاريخ من أعظم رسول ولأعظم أصحاب وأحباب، فالهجرة هي هجر المكان إلى آخر أو هجر المعاضي والخطايا، وهنا نتحدث عن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى يثرب (المدينة المنورة بعد ذلك).. وتأتي الهجرة بعد سنوات صعبة في حياة صعبة مع صناديد قريش أصحاب قلوب كالحجارة بل أشد قسوة، فبعد العذاب والتنكيل بكثير من الأصحاب الضعفاء يأذن الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة..
حيث لحظات الصباح تكشف عن كلّ ما أظلم عليه الليل، ورؤية المولود تُنسي الأمّ كلّ ساعات الألم وشدّة المخاض، فقد تحمّل رسولنا- صلى الله عليه وسلم- كلّ أنواع الأذى والاضطهاد، والصدّ والجحود، والاتّهام والتكذيب، لكنّه كان- رغم كلّ ذلك- يتطلّع بإيمانٍ راسخٍ إلى التّمكين للدعوة والانتشار لرسالة الإسلام؛ فكان الإذن بالهجرة النبوية، التي كانت إيذانًا بتحرير الإنسان من كلّ عبوديةٍ لغير الله -سبحانه-؛ إذ كان الإسلام في مكة المكرمة دينًا ليس له دولة تحميه، وحقًّا ليس له قوة تسنده، مثلما كان المسلمون بين مُعذّبٍ أو مستضعفٍ أو مضطهد؛ فكانت الهجرة إيذانًا للحقّ أنْ يعلو ويظهر، وللباطل أنْ يندحر ويُقْهَر، ولله تعالى الحمد والمنّة..
بل إن المؤامرة التي نُسِجَت خيوطها في دار النّدوة لمحاصرة النبي -صلى الله عليه وسلم- في سجنٍ مُظلم، أو قتله، أو إخراجه من جزيرة العرب هي نفسها المؤامرة التي تُحاكُ ضدّ أمّتنا لوضعها في دوّامة الخلافات، في محاولة لمحاصرتها بجدران اليأس والإحباط، وإخراجها من دائرة التأثير الفاعل والإيجابي في حركة الحياة، وكأنّه يراد لها أنْ تظلّ في دائرة الانفعال وردود الأفعال، لا تصفو لها لحظة للمراجعة أوالاستبصار، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذ يَمكُرُ بِكَ الَّذينَ كَفَروا لِيُثبِتوكَ أَو يَقتُلوكَ أَو يُخرِجوكَ وَيَمكُرونَ وَيَمكُرُ اللَّـهُ وَاللَّـهُ خَيرُ الماكِرينَ)..
وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بالأسباب، حيث إنّ النبي أمر أبا بكر -رضي الله عنه- أن يبتاع راحلتين قبل الهجرة، ثمّ إنّه -عليه الصلاة والسلام- أخذ بعوامل السرية أيضًا؛ فقد خرج من غير الطريق الذي اعتاده الناس في سفرهم إلى المدينة- يثرب آنذاك- من أجل أن يلبس على القوم ويعمّي عليهم الأثر، كما استأجر عبد الله بن أريقط هاديًا للطريق؛ فقد كان خبيرًا بالصحراء. ومن الأخذ بالأسباب أيضا ما صنعته السيدة أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- من إعداد الزاد لرسول الله وأبيها، ولا يخفى أنّ أمر دخولهما في غار ثور ومكثهما فيه ثلاثة أيام دليل على الأخذ بأسباب الحيطة والحذر، وكانت تلك الليالي في الغار كافية أنْ يخف عنهم الطلب، وييأس القوم من اللحاق بهما..
وعلى الجانب الآخر فلم ييأس مشركو قريش في إطفاء نور الله عز وجل وإعاقة هذا النور المهاجر من أذيتهم وجحودهم فحرصوا على بذل أموالهم وخبراتهم وحشد كلّ طاقاتهم لمُصادرة حركة الدّعوة وتشويه صورة أصحابها، وأرسلوا العيون لتَعَقّب النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه، ورصدوا لأجل ذلك الأُعْطِيات، فقد وعَد المشركون كلّ مَنْ يأتي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بمائة ناقة، ورغم كلّ هذا العداء حمى الله- تعالى- نبيّه ونصر دعوته، وصدق الله إذ يقول: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّـهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ* هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.
وفي آخر المطاف يصل النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر الصديق إلى يثرب ويهاجر إليه أصحابه زمرًا ويدخل الناس في دين الله أفواجًا ويقيم النبي صلى الله عليه وسلم أعظم دولة في التاريخ في إحدى عشرة سنة، وهي مدة لو قيست بميزان الزمن فلا تساوي شيئا، فترى فيها الحب والإخاء والإيثار العظيم بين أفراد وجماعات هذه الأمة، فكانت الهجرة فيصلا في تكوين الدولة وتوحيد الأمة وقوتها، فهلا هجرنا ذنوبنا واتبعنا نبينا صلى الله عليه وسلم لنفوز في الدنيا والآخرة.
يا مصطفى ولأنت ساكن مهجتي*** روحي فداك وكلّ ما ملكت يدي
وأنا المحب ومهجتي لا تنثني*** عن وجدها وغرامها بمحمد
يا رب صلِّ على الحبيب محمد*** واجعله شافعنا بفضلك في غد