أقلام حرّة

نساء  محدثات .. زينة  السند حافظات  للمتن  شهدة مسندة العراق  فخر  النساء  [  ٧  ] 

أبوبكر عبد السميع

هذه  المحدثة  الراوية  للحديث  النبوي الشريف   عندما نصفها أو  نقترب  من  شرح  وصف  ظلال  تاريخها  ،  يظل هذا الوصف  غير  مكتمل  ،  يشوبه النقصان  ، فجمال  الوصف  جمال  من  جلال   والجمال  والجلال  كمال    والوصول  إلى  الكمال   المكتمل  الكامل  شبه  عجز   أو  قصور  فى الإدراك  وقديما قال علماء الكلام الإسلامي : ” العجز عن إدراك الذات إدراك ” ، فالشمس  الساطعة   تبقى    بدورة سطوع  تفرش متفرق خيوطها على   جغرافية أماكن   متجمعات   ، ولكن  يبقي  شرف محاولة  بصرنا  بقراءتنا   ، و  محاولة  بصيرتنا   بدقات قلب سطور   بشرايين المعرفة ،  رحلة فهم وإدراك  ،  قصد  تعرف  وابتغاء ،   استطاعة  نسبية  ،  فبحر   دور  المحدثة  التى  تستضيفها تلك  السطور   لهو  سطو  مشروع  ، يحتاج  منا  إلى  سباحة  في تاريخها  ؛  فتاريخها بحر  يعلوه موج  فوقه  موج  يبرق  بياضه   كأنه نور  علي  نور   ،

ومنه على  شط   بحرها  انعكاس  مرايا  طبيعية  غير  اصطناعية  تتلاقى   مع  أضواء من  هنا  وهناك  ، أضواء   بغلاف  أجواء   ،  والتاريخ  نحوها   نور  ساطع  تؤكده  كشافات   سيارة مسافرة    نحو طريق    نمشي  فيه تعلوه   سطور   نجوم  سماء  صافية    زينة  كواكب  تاريخها

٠٠ إنها  الراوية  الحافظة  المحدثة   صاحبة  مشيخية    جعلتها  تعلو  فى  السند  شهدة بنت  أبى  نصر  بن  أبى  الفرج  الإبري  الدينوري    صاحبة مشيخية   تؤكد  مدي  عنايتها  ورعايتها  بحديث  سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، مشيخية  لها  مزية  إتصال  الأسانيد  بكل  جيل  فى  كل  عصر   روابط  أزمنة    خصيصة  لعلم الحديث النبوي  ٠

ولدت  شهدة  _ بضم  الشين  _  ٤٨٢ هجرية   ببغداد  ،أبوها  _ أبو  الفرج  الدينوري  _ فهو من  كبار  رواة  الأحاديث  صاحب  الإجازات  العالية  ،وعندما  بلغت  شهدة  الثمانية  أعوام   تلقف  والدها  عقلها  فعلمها  اللغة  والأدب  والفقه  ، فنبوغ  حفظها  جعله  يوجه  طريقها  العلمي  إلي   الحديث النبوي  ،         تقول  عنها كتب  التاريخ :  ”  امرأة جليلة صالحة ذات  دين  وورع تولاها  أبوها  وهي فى عمر  الثماني  سنوات،

وقد  اجيز  لها وهى  في  أقل هذه  السنين  فقد  وعت  وسجلت  كثيرا  من  السماعات في  مشيختها  في  تلك  السن   ” ويذكر  ابن  العماد  (  المسندة  _ شهدة  _ فخر  النساء  كانت  دينة  عابدة  صالحة  سمعها  أبوها  الكثير وصارت  مسندة  العراق)   فقد كان  كثير  طلاب  يزورن بيت شهدة  ببغداد  كي يتعلموا  من أبيها  ، فهو  الرائد فى  هذا  العلم ،  القيم  فى  هذا  المجال  إنه  العالم  العلامة  الحبر  الفهامة  الألمعي  اللوذعي    أبو النصر  بن  أبي الفرج  الدينوري  تعلم  علي  يديه  خلق  كثير من  الحفاظ  ،وله مؤلفات  فى  علم  الحديث النبوي  هى  الآن  مراجع  لايستغني  عنها  طالب  علم  الحديث  الباحث  فيه ،   الساعي  إلي  منهجية  علم  كان  والد  شهدة  أحد  أساطينه  الكبار

٠٠. بيت  كهذا  وأب  مثل  ذلك  الأب  وبيئة  علمية   كتلك  البيئة  ؛   لكفيلة  بأن تجعل  شهدة  عالمة  تسعي  إلى  علم  بحاره  واسعة  عريضة   فتسبح  فيه  بمهارة  عن  جدارة   ، فما  تيسر  لها  من  وراثي  العلم  وبيئته   جعلها  بالوراثي  والمكتسب مسندة العراق  والعالم  الإسلامي  أجمع  ،فهى  قد  أخذت  العلم  أولا  عن  أبيها  وثانيا  وحتي  عاشرا  من  صفوة  علماء  نخبة  قل  أن  توجد  فى  زمن  واحد  ، فحظها  الحسن  وضع

في  طريقها  نجوما  زاهرة  وكواكب سيارة  نيرة   ، أجازوها   بحظ  وافر  لم  يتح  لمن  سبقها، وربما  كذلك  لمن  بعدها  ، فقد  سمعت  وتعلمت  شهدة  الحديث  من أبي  الخطاب  الطبراني  وفخر  الإسلام   أبي بكر محمد بن   أحمد  الساشاني،  وأبى  الشهاب نصر بن  أحمد بن عبد الله بن  البطر  القارئ  المحدث  وياقوت  بن عبد الله  الموصلي ٠

حدث  عنها ابن عساكر   والسمعاني وابن  الجوزي  وعبد القاهر الزها وي والشيخ  الموفق  و عبد العزيز بن محمود  بن  المبارك بن  الأخضر  والبهاء عبد  الرحمن والشهاب بن  راجح  و كثير غيرهم  ،  كما  اجازت  شهد  لبعض  الرجال   مثل  الإمام   العدل  المحدث  ظهير بن عبد الرحمن  بن  علي بن  عثمان  بن يوسف المخزومي  المغيري  المصري

٠٠ برعت  شهدة  فى علم  الخطوط  إذ تعلمت الخط     المنسوب  على طريقة  الكاتبة بنت  الأقرع     كما  تعلمت أيضآ  الخط  من تلميذ  لابن مقلة أشهر  خطاطي  العصر  العباسي  ، ويعد  أول من  وضع  قواعد  واسسا  للخط  العربى  فقد  أبدعت  بخط  حسن  جميل  فى  كتابة  التصانيف   ،  وجمال  خطها  رشحها  لأن  تنال  الحظوة  باصطفاء  إختيار  لذا  لقبوها  ب _ شهدة

الكاتبة _ وتصبح  الكاتبة  الأولي  لدي  الخليفة    المقتفي  لأمر الله   العباسي ٤٨٩ / ٥٥٥ هجرية  الخليفة  الحادي  والثلاثون   في  الخلافة  العباسية  ، قيل عنه  كان محمود  السيرة ،  مشكور  الدولة ، وكان في شبابه  متشاغلا  بالدين  والعلوم   وانتصر في عدة  معارك حربية  ، وهذه  الصلة أتاحت  لها  فرصة  قراءة  أمات  الكتب  التى طلب  الخليفة المقتفي  أن تستنسخها  ليزود بها مكتبة  قصره  وتوزيع  نسخ  علي المدار س والمساجد  ، بعد اتقانها الخط  دراسة  وموهبة  إبداعية  قامت  بتدريس  علم  الخط  على كثير  من  طلاب  ينشدون  مجال الخط  ويسعون  إلى تعليمه  ومن  هؤلاء  ياقوت  الحموي ٠

٠٠ تزوج  شهدة   ٠٠أبوالحسن علي بن  محمد  بن  يحيى الدريني  الشهير  ب_  ثقة  الدولة _ ابن الانباري  ،خدم  والد شهدة  ثم  زوجه أبوها  منها، قالوا  عنه  إنه  كان  حواري  الخليفة  المقتفي لأمر الله العباسي  ونديمه ويعد  من  الأماثل  الأعيان، وكان في الوقت نفسه  شاعرا   ومن شعره   قوله   :

ألا هل  لأيام  الصبا  من  يعيدها

فيطرب صب  بالغضا  يستعيدها

وهل عند  باب  الروح من  رمل حاجز

يميل إلي  نوحي مع  الورق  عودها

سقي الله أيامي بها كل  مزنة

تصوب  ثراها بالحيا ونجودها

٠٠وعلي  ذكر  شعر  الزوج  الشاعر  ،فإن  شهدة   أيضا  لها  فى  الشعر  صولة  وجولة  قالت  شعرا  ومنه   :

مل  بي  إلي مجري النسيم  العالي

واجعل مقيلك  دوحتي  نعمان

وإذا  العيون  شنن غارة سحرها

ورمين  عن  حصن  المنون جوان

فاحفظ فؤادك  أن يصاب بنظرة

عرضا فآفة قلبك  العينان

يا حادي النكران هل  لك  روحة

بالعمر عند  مسارح  الرعيان

فتذكر  الناسين  عهدي  بالحمي

فجديده. أبلاه  من  أبلاني

وذكرت ميدان  الوداع  فأرسلت

عيني إلي أمد  البكاء عناني

لم  أخش من ظمأ  الحوادث إذ عزت

ومعي  نظير  الجدول   الرباني

وإذا  السيوف  تحدثت لجفونها

فحديثها منه أحمر قاني

ولشهدة  مؤلفات  فى  علم  الحديث ،  لكن  الذي  يذكره الرواة  كتابها _ العمدة من  الفوائد  والأثار  الصحاح  فى  مشيخة  شهدة  _ وهو  مرجع  مهم علمي  نفيس ،وتلميذها   عبد العزيز  بن محمود بن المبارك  بن الأخضر أبو  محمد  الحافظ قد خرج لها  هذا  الكتاب  وهي  على  قيد  الحياة  فاعتمدته  وأقرته    كما  ألفت  كتبا  فى  الفقه والتوحيد  ، وإلي  جانب  ذلك  لها  مرويات منها  ٠٠ كتاب العلم  ليوسف بن  يعقوب القاضي وكتاب  ذم  الغيبة  لأبي  الحسين  بن  فارس وكتاب  ذم  المنكر لابن  أبى  الدنيا وكتاب  الأموال لأبي عبيد  وكتاب  أخلاق  النبى  لاسماعيل  القاضي  وكتاب  قري  الضيف  لابن  أبي  الدنيا

٠٠نالت  شهدة  ثقة  المعاصرين  لها  ، كما  تحصل  على  ثقة يتقفي  على  أثرها  من علماء  الحديث  ،فقد  بلغت  مرتبة  عليا  في  علو  الإسناد قالوا  : إن إسناد شهدة علا  حتى  تساوى بمسلم وهو في  القرن الثالث  الهجري  وشهدة  في  القرن  الهجري  السادس  ،  وغالبية  اجازتها  صحيحة   وهي ٠٠ إما  متفق  عليها، أخرجها  الشيخان أو  أخرجها  أحدهما  أو هي  علي  شرط  أحدهما ،  وقال عنها  ابن  نقطة  :  ” سماعها  صحيح  ” ، بينما  يقول  ابن  الجوزي  :  ” قرأت  عليها

كثيرا  وكان  لها  خط  حسن  ”   وتأتي شهادة الشيخ  الموفق  على  شهدة  إذ يقول  : ”  انتهى  إليها  إسناد بغداد  وعمرت  حتي  ألحقت  الصغار  بالكبار   ” ٠

٠٠ إلي جانب  سيرتها  العلمية  فى  الحديث النبوي الشريف  تعد سيرتها  في  مجال  العمل  الإجتماعي  سيرة  حسنة  تقفز  بحسن  ذكرى   تعلو فى  تاريخها  العطر  ،   فقد اتفقت  وزوجها  على بناء  مدرسة  لأصحاب المذهب  الشافعى علي شاطئ  دجلة بباب  الأزج  وبجانبها  تم  بناء  رباط  للصوفية أوقفا  عليها وقوفات  حسنة  ،واطعام  الفقراء  ،  يقول  ابن  الجوزي  :  ” كان  لها  بر وخير وعمرت  حتي قاربت  المائة  “

٠٠ وجاء  عام  ٥٤٩  هجرية فيتوفي  زوجها  ثقة الدولة ابن  الانباري   ، وتواصل  عملها  العلمي  والمجتمعي حتي تحين  لحظة  وفاتها   عام ٥٧٤  هجرية  ، ماتت  صاحبة  النفس  العالي  بالسند  الأعلى ، الذي  ألحقت  فيه  الأصاغر  والأكابر رضي الله عنها ٠

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق