المميزةصحتك تهمنا

نزلات البرد والإنفلونزا والشتاء دخل الأبواب

 

 

 

تقديم/ دكتور رضا محمد طه

 

 

تبدأ أعراض البرد والانفلونزا تطل برأسها المخيف خلال ديسمبر وما يصاحب ذلك من مشاكل صحية للمصابين، ولا يبدو أننا سوف نبتعد عن السعال والعطس طيلة أشهر الشتاء. لكن لماذا نحن أكثر عرضة لهذه العدوى خلال الأشهر الباردة؟ حيث يمكن أن تتراوح العدوى الفيروسية التي تسبب نزلات البرد أو الأنفلونزا من أعراض خفيفة أو مصدر إزعاج إلى تهديد صحي خطير. لذا وحسب تقرير من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها “سي دي سي CDC “، مفاده أن نزلات البرد والإنفلونزا هي السبب الرئيسي لتغيب الأطفال عن المدرسة وتغيب الكبار عن العمل.

 

على الرغم من أن معظم حالات نزلات البرد والإنفلونزا تميل إلى الشفاء من تلقاء نفسها ، إلا أن الأنفلونزا وحسب منظمة الصحة العالمية WHO ينجم عنها ما يقدر بنحو 290.000 إلى 650.000 وفاة في العام بجميع أنحاء العالم. من اجل ذلك يهتم العلماء في البحث عن الكيفية التي تسمح درجات الحرارة المنخفضة لهذه الفيروسات بالانتشار بهذه الطريقة، وكذلك التوصل لأفضل طرق للوقاية من نزلات البرد والإنفلونزا. ولأهمية الموضوع يجب أن نعرف الفرق بين نزلات البرد common cold والأنفلونزا influenza، لأن الفيروسات المسببة لهما مختلفة وليس بالضرورة أن تتفاعل أو تؤثر في جسم المرضي بنفس الطريقة، حيث أنه في معظم الأحيان ، تظهر نزلات البرد بثلاثية من الأعراض الواضحة وهي: التهاب الحلق ، وانسداد الأنف ، والسعال والعطس، فضلاً عن أنه يوجد أكثر من 200 فيروس يمكن أن تسبب نزلات البرد ، أغلبها فيروسات كورونا coronavirusesوالفيروسات التي تتواجد بالأنف وتسمي “فيروسات رينو rhinoviruses ” وهما يمثلان السبب الأكثر شيوعًا إلى حد بعيد في نزلات البرد.

 

تبدأ العلامات الأولى لنشاط الإنفلونزا عادةً في شهر أكتوبر تقريبًا، وفقًا لمصدر مراكز السيطرة علي الامراض والوقاية منها CDC ، وتبلغ ذروتها في ذروة الشتاء. ومع ذلك ، في بعض السنوات ، يمكن أن يستمر تفشي الإنفلونزا ويستمر حتى شهر مايو. وكان شهر الذروة لنشاط الإنفلونزا في المواسم الممتدة من 1982 إلى 1983 حتى 2017-2018 هو فبراير ، تلاه ديسمبر ويناير ومارس. هذا وتشهد المواقع المعتدلة الأخرى في جميع أنحاء العالم أنماطًا متشابهة ، حيث تكون درجات الحرارة الباردة والرطوبة المنخفضة هي العوامل الرئيسية ، وفقًا لتحليل واحد عام 2013. ومع ذلك لا يمكن قول الشيء نفسه عن المناطق الاستوائية، ففي تلك المناطق قد يكون هناك فاشيات outbreaks خلال الأشهر الممطرة أو الرطبة وكذا مستويات متسقة نسبيًا من حالات الأنفلونزا على مدار السنة. وقد يبدو هذا غير بديهي، حيث أنه في الواقع وعلى الرغم من أن بيانات الإنفلونزا تدعم مثل هذا الارتباط، إلا أن العلماء لا يفهمون تمامًا كيف يمكن للفيروسات إحداث أقصى ضرر لها في درجات الحرارة المنخفضة والعالية والرطوبة القصوى. هناك العديد من النظريات، ومنها تأثير البرد على الكيفية التي تنتشر بها الفيروسات ومدى تكيف جهاز المناعة في جسم الإنسان مع العدوى، وكذلك يعتبر قضاء المزيد من الوقت في الأماكن المزدحمة وتقليل التعرض لأشعة الشمس في تلك الأوقات التي تزيد فيها العدوي.

 

تدخل فيروسات البرد والإنفلونزا إلى جسم الإنسان من خلال الأنف، مع ذلك فإن لدي بطانة الأنف آليات دفاع متطورة ضد هذه الكائنات الدقيقة، مخاط أنوفنا باستمرار، حيث تنحصر الفيروسات وتبقي في المخاط اللزج، والذي يتحرك بشكل دائم بواسطة شعيرات صغيرة تسمى الأهداب التي تبطن الممرات الأنفية، ومع ذلك ، فإن الهواء البارد يبرد الممر الأنفي ويبطئ إزالة المخاط. وبمجرد أن يخترق الفيروس آلية الدفاع هذه يتحكم الجهاز المناعي في محاربة هذا الفيروس الدخيلوتقوم خلايا البلعمات phagocytes، وهي خلايا مناعية متخصصة بإبتلاع الفيروسات ثم تحطمها وتتخلص منها خارج. وبالرغم من ذلك ، فقد ربط الباحثون أيضًا الهواء البارد بانخفاض هذا النشاط. أوقد تبتلع الفيروسات مع الهواء أو ما يدخل المعدة، بعدها تعمل أحماض المعدة علي تحييدها neutralize أو التخلص من غالبية الفيروسات التي وصلت المعدة. وتفضل فيروسات الأنف في الواقع درجات الحرارة الباردة ، مما يجعل من الصعب عدم الخضوع لنزلات البرد بمجرد هبوط مقياس الحرارة. في إحدى الدراسات المختبرية نشرت 2016 في مجلة بناس PNAS، كانت هذه الفيروسات أكثر عرضة للخضوع لعملية الانتحار الخلوي أو موت الخلايا المبرمج apoptosis، حيث تموت الخلية المحتوية علي جزيئات الفيروس مضحية بنفسها من اجل بقاء التخلص من الفيروس . وقد تتعرض الفيروسات للتأثيرالقاتل للإنزيمات المحللة والتي يقتصر عملها في درجة حرارة الجسم.

 

في دراسة جديدة نشرت 6 ديسمبر 2022 في مجلة Journal Allergy and Clinical Immunology وكشفت نتائجها عن آليات أخري تفسر بها السبب في زيادة الإصتبة بنزلات البرد والإنفلونزا في الطقس البارد، حيث يرتبط الخريف والشتاء بإرتفاع في معدل الإصابة بعدوي الجهاز التنفسي العلوي، مثل نزلات البرد والإنفلونزا، والسبب في ذلك هو زيادة معدل إنتقال تلك الفيروسات في فصل الشتاء. وعلي الرغم مما هو معروف في أن درجات الحرارة المنخفضة والرطوبة المنخفضة ترتبطان بزيادة التعرض لفيروسات الجهاز التنفسسي، إلا أن الآليات البيولوجية الكامنة وراء هذه العلاقة كانت فيما سبق تلك الدراسة غير مفهومة كما أوضح الباحثون في تلك الدراسة.

 

كشفت نتائج تلك الدراسة أن درجات الحرارة الباردة تؤدي إلي إنخفاض في الإستجابة المناعية للفيروسات والتي تثيرها الخلايا الموجودة في التجويف الأنفي، وهو ما يفسر بصورة موجزة زيادة الإصابة بنوبات البرد والإنفلونزا في درجات الحرارة الباردة، حيث كشف الباحثون أن أن احد عناصر الإستجابة المناعية ضد فيروسات الجهاز التنفسي ينطوي علي إطلاق فيض من جسيمات مرتبطة بالغشاء تسمي الحويصلات الخارجية extracellular vesicles (EVs) بواسطة الخلايا التي تبطن تجويف الأنف، هذه الحويصلات عبارة عن جزيئات ترتبط بالغشاء يمكنها حمل شحنة Cargo من الحمض النووي والحمض النووي دي إن إيه DNA والحمض النووي آر إن إيه RNA ، والحمض النووي الصغير آر إن إيه الميكروmiRNAs (لا تشفر لبروتينات) وإنما تقوم بتنظيم التعبير عن الجينات المستهدفة، وتساعد البروتينات التي يتم إطلاقها بواسطة معظم أنواع الخلايا في تحقيق إستجابة مناعية مضادة للفيروسات.

 

ويمكن لهذه الحويصلات الخارجية EVs في الأنف عند أنخفاض درجة حرارة من 37 إلي 32 درجة مئوية أن تقل بشكل كبير جراء الإستجابة المناعية الفطرية ومن ثم تمنع الفيروسات من الإرتباط بالخلايا غير المصابة وتفشل في منع نقل ما تحمله من الفيروسات إلي خلايا غير مصابة وتعديل إستجابتها المناعية، بما يجعل الفيروس أكثر قدرة علي الإلتصاق ثم إصابة خلايا الأنف، بما يجعل الفيروس يتضاعف بكفاءة كبيرة في تجويف الأنف ولذا تنجح الإصابة الفيروسية عند درجة الحرارة المنخفضة 32 درجة مئوية أي في الحرارة المنخفضة، بينما في درجة حرارة الجسم 37 درجة مئوية حيث تكون الحويصلات الخارجية EVs قادرة علي وقف نشاط الفيروس وتعطيل الآليات السابقة.

 

فيما يتعلق بالوقاية والعلاج فإن اللقاح يعد هام للبعض وخاصة قبل بداية موسم الشتاء بحوال أسبوعين علي الأقل، ويجب تجنب الزحام أو ارتداء كمامة-ماسك- في الأماكن المكتظة، إضافة إلي غسيل الأيدي باستمرار بالماء الدافئ والصابون مع تجنب لمس الفم والعينين والأنف قبل غسيل الأيدي وغرغرة الفم بالماء والملح، وكذلك تغطية الأنف والفم عند العطس أو الكحة. ومن ناحية النظام الغذائي يجب تناول أطعمة غنية بفيتامين سي وفيتامين دي والزنك المتوفر في اللحوم الحمراء والفاصوليا والحمص، والإكثار من الفواكه والخضروات الطازجة الغنية بمضادات الأكسدة مثل الفلافونويد، هذا إضافة إلي شوربة الدجاج الساخنة السوائل الدافئة مثل اليانسون والراحة والتهوية الجيدة لمكان المعيشة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق