أقلام حرّة

مـن مـصـر والـسـودان لأثيوبيا

 

وأنا أتابع تصريحات الدكتور محمد عبد العاطي وزير الري والموارد المائية المصري فى كلمته بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمياة يوم الإثنين الماضي وقوله إن الإجراءات الأحادية التي يقوم بها الجانب الإثيوبي فيما يخص ملء وتشغيل سد النهضة وما ينتج عن هذه الإجراءات الأحادية من تداعيات سلبية ضخمة لن تقبلها الدولة المصرية ، تذكرت حوار دار بيني وبين إحدي الزميلات الصحفيات حول سد النهضة وتعنت موقف الجانب الأثيوبي رغم أن المسألة تعد مسألة حياة ووجود بالنسبة للمصريين وكما أثبتت التجارب إن الأمر يمثل خطراً أكيداً على السودانيين إذا سارت الأوضاع بلا ضوابط أو إتفاقات ملزمة على الجميع ..

وقد بدأ الحوار عندما وجهت الى الزميلة سؤلا لم أتوقعه منها لعلمي إنها ليست مهتمة بمثل هذه الأمور وقالت ماذا سنفعل فى موضوع سد النهضة وخاصة وأن ما قيل عنه لا أصدق معظمه .. قلت لها : هناك من يهوي طمس الوقائع الصحيحة بذكر نصف الحقائق فتخرج الى الناس بصورة مغايرة للحقيقة .. ودعيني أوضح لك الأمر فى صورته الكاملة من البداية .. وهنا سأترك التاريخ يتحدث ويحكي لنا عن دور مصر العظيم بقيادة القائد الملهم جمال عبد الناصر فى حركة التحرر الوطني الأفريقي ، ولا ننسي الكلمات التي لا تمحي أمام الملوك والرؤساء الأفارقة فى اجتماع منظمة الوحدة الأفريقية بقاعة الاجتماعات الكبري بجامعة الدول العربية بالقاهرة فى 18 يوليو 1964 : ” نحن جميعاً فى نفس القارب نواجه التحدي الحقيقي لمطالب الحرية والحياة ” ..

وتطبيقاً لكلمات القائد لعبت مصر فى تلك الفترة دوراً محورياً فى كافة ملفات القارة الهامة ، وكان لها السبق فى مواجهة الإستعمار التقليدي وإنشاء لجنة التنسيق لتحرير أفريقيا قبل إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية ، وأسس عبد الناصر الرابطة الإفريقية بالقاهرة بغرض التنسيق مع مكاتب التحرير وأنشطتها فى إطار السياسة المصرية ، وأصدرت الرابطة عددا من الدوريات المهمة مثل نهضة أفريقيا ورسالة أفريقيا ..

وجاءت السياسة المصرية بعد ثورة 30 يونيو 2013 لتتحرك على عدة محاور أهمها العمل على إستعادة مصر لدورها الفاعل سواء فى محيطها الأفريقي أو المتوسطي أو العربي ، والتفاعل مع القضايا العاجلة المرتبطة بالمصالح الوطنية وتأمين إستقرار القارة الإفريقية .. وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية فى معظم خطبه وأحاديثه على الأهمية التاريخية والإستراتيجية لعلاقات مصر الأفريقية وإعتزازها بإنتماءها الأفريقي ، ومن كلماته التي لا ينساها الأفارقه قوله : ” إننا عازمون على الإسهام الفاعل فى قضايا الدول الأفريقية فى مواجهة التحديات المتربصة بنا لاسيما الإرهاب والجريمة المنظمة والأوبئة وتدهور البيئة والتغيرات المناخية ” ..

وقبل عامين انتشرت كتابات لعدد من الزملاء ليس بهدف الإساءة الى بلدهم بقدر ما هو تعبير عن ما يشعرون به من مخاوف بشأن تاثر ما يخصص لبلدهم من مياه النيل فتذهب الأقلام أحيانا ناحية ضرورة اللجوء للحل العسكري إذا دعت الحاجة لذلك .. وعلى الجانب السياسي يري القائد أن علاقة مصر الأفريقية وبين باقي دول القارة السمراء علاقة ديموجرافية وإستراتيجية قديمة ، وقد تطورت العلاقات فيما بينها فى ظل مناصرة مصر وقياداتها لحركات التحرر الوطني حتي نالت شعوبها الإستقلال بعد قصص كفاح مشرفة ..

ولا شك أن بعض القوي الأجنبية كان يهمها تحجيم الدور المصري وزرع الخلافات بينها وبين باقي الدول الأفريقية خاصة فى منطقة حوض وداي النيل التي لمصر فيها جذور لا يمكن أن يقتلعها الزمن ..

وليس من قبيل نفي ما تم تداوله فى هذا الأمر نكرر ما أكده الرئيس السيسي بشأن عدم لجوء مصر للحلول العسكرية فى التعامل مع جيرانها لتسوية بعض المشاكل المعلقة الخاصة بمياه النيل وسد النهضة وقوله : ” إن مصر لن تحارب أشقاءها وإنها تعتمد سياسة ثابتة هدفها البناء والتعمير وأن التفاوض هو وسيلتنتا لحل كل المشاكل ” ..

هذه هي سياستنا المعلنة وغير المعلنة .. وكما قلت لزميلتي الصحفية إلا أن رئيس الوزراء الأثيوبي الحالي أبي أحمد لا يعرف له أحد ملة ولا دينا .. ولهذا فقد احتارت معه مصر والسودان لإقناعة بضرورة التفاوض وأن التصرف الأحادي لأثيوبيا فى مياه النيل لا يجوز لها طبقاً للقانون الدولي للأنهار التي تمر بين الدول ، وأخر عجائب الجانب الأثيوبي فى هذا الصدد اعتراضه على مقترح تقدمت به السودان لتشكيل آلية رباعية تضم الأمم المتحدة والاتحاد الاوروبي والاتحاد الافريقي والولايات المتحدة الامريكية لمراقبة ومتابعة المفاوضات التي تجري بين الدول الثلاث مصر والسودان وأثيوبيا لوضع قواعد ملء وتشغيل السد وفق شروط ملزمة لجميع الأطراف ، مما اثار دهشه ياسر عباس وزير الري والموارد المائية السوداني !

***

ونأمل أن تجد مشكلة الإتفاق معه أثيوبيا طريقها الى الحل بما يحقق مصالح وأهداف الكافة ، خاصة وأن الموضوع بالنسبة لأثيوبيا هو تنموي أما بالنسبة لمصر والسودان فهو مسألة حياة ووجود ولا ننسي مقوله هيرودوت ” مصر هبة النيل ” !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق